:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/13106

مُهجّرو فلسطين في بريطانيا لاسترداد أراضيهم عَبْر المحاكم البريطانية

2017-07-23

الصندوق القومي اليهودي Jewish National Fund أو ما يُعرف بالعبرية بـ " هكيرن كييمت ليسرائيل" ، ضالع وشريك في عمليات نهب، وسلب أملاك المهجّرين الفلسطينيين. هذا الصندوق مسجّل كشركة خاصة في بريطانيا، وبالتالي يمكن تقديم دعاوى مدنية من قِبَل المهجّرين – أصحاب هذه الأملاك - ضد "شركة الصندوق القومي اليهودي" داخل بريطانيا.بدأ تاريخ الصندوق القومي اليهودي عام 1901 خلال المؤتمر الثالث للهستدروت الصهيونية العالمية، التي قرّرت حينها إقامة الصندوق القومي اليهودي ليكون ذراعها في جمع النقود، وشراء الأراضي لتنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين. خلال مؤتمرها الرابع في آب/ أغسطس 1903، أقّرت الهستدروت الصهيونية العالمية دستور الصندوق القومي اليهودي ليكون من أجل شراء أراضٍ في فلسطين، وإيجارها لليهود فقط، والامتناع عن بيعها. وفي عام 1907، تم تسجيل الصندوق القومي اليهودي في بريطانيا كشركة خاصة محدودة الضمان. عام 1920، تم تسجيله في سجّلات الانتداب البريطاني على فلسطين كشركة أجنبية.يختلف الباحثون حول مساحة الأراضي التي استطاع الصندوق القومي اليهودي تملّكها منذ نشأته في بداية القرن العشرين حتى عام 1948. هذه المساحة تتراوح ما بين 600 ألف دونم و 936 ألف دونم. وحسب المعلومات التي أوردها مدير عام الصندوق القومي اليهودي إبراهام جرانوت ( 1945 – 1960 )، فإنه تم الحصول على أكثر من نصف هذه المساحة من سماسرة أجانب من خارج فلسطين، و 13% منها من سلطات الانتداب، ونحو ربعها من سماسرة كبار فلسطينيين، وفقط أقل من 10% تم شراؤها مباشرة من الفلاّحين الفلسطينيين. استعمل ممثّلو الصندوق القومي اليهودي طُرق الغش والخداع والابتزاز والرشاوى للحصول على هذه الأراضي. مقالنا لا يتطرّق إلى هذا الموضوع ويركز على ما حصل بعد قيام إسرائيل.الشعور العام عند الإسرائيليين بعد النكبة والتهجير وإقامة دولة إسرائيل وسيطرتها على أملاك وأراضي الفلسطينيين أنه لم تعد هناك حاجة أو جدوى من استمرارية عمل الصندوق داخل إسرائيل، وإن ذلك يخلق ازدواجية في العمل لأن الحكومة الجديدة استلمت نفس المهام التي قام بها الصندوق حتى ذلك الوقت. قرار الأمم المتحدة رقم 194 من تاريخ 11/12/1948 بدّل هذا الشعور وأعاد الروح إلى هذا الصندوق.المادة 11 من قرار الأمم المتحدة تنصّ على " تقرّر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقرّرون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود، أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون أن يعوّض عن ذلك الفقدان، أو الضرر من قِبَل الحكومات أو السلطات المسؤولة".تفادياً لتنفيذ هذا القرار، عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بن غوريون، اجتماعاً يوم 18/12/1948، ضمّ يوسي فايتس رئيس قسم شراء الأراضي في الصندوق القومي اليهودي، تقرّر فيه نقل أملاك المهجّرين كاملة إلى "طرف ثالث"، الصندوق القومي اليهودي، مستغلاً بذلك دستورها الذي يمنع بيع الأراضي أو تأجيرها لغير اليهود، وقد رفض حينها بن غوريون الاقتراحات الأخرى التي وضعت أمامه، منها إبقاء هذه الأملاك بيد الحارس على أملاك الغائبين أو نقلها إلى سلطة التطوير الحكومية أو قيام الحكومة بمصادرتها منهم، معلّلاً ذلك أن الطريقة الوحيدة لضمان منع إعادة أملاك المهجرّين إلى أصحابها هي "بيعها إلى طرف ثالث"، وكان وزير القضاء الإسرائيلي السابق يوسي بيلين قد صرّح مؤخراً أن " الدولة نقلت إلى الصندوق القومي جزءاً من أراضيها لكي يكون بالإمكان تبرير عدم نقل هذه الأراضي لمن هم غير يهود".عام 1949 تم توقيع اتفاقية بين سلطة التطوير الإسرائيلية وبين الصندوق القومي اليهودي، وبحسبها "اشترى" الأخير من سلطة التطوير حوالى 1.1 مليون دونم من أراضي المهجّرين مقابل حوالى 19 مليون ليرة. بحسب الاتفاقية، فقد تم "دفع" نحو نصف هذا المبلغ مباشرة إلى وحدة الاستيطان لتطوير المستعمرات اليهودية، ووحدة الاستيطان هذه هي أيضاً ذراع من أذرع الهستدروت الصهيونية العالمية، شأنها شأن الصندوق القومي اليهودي. بعد عام تم توقيع اتفاقية أخرى لنقل ما مساحته 1.27 مليون دونم من أملاك المهجّرين. هناك اختلاف حول مصير ومدى إتمام الاتفاقية الثانية، وعلى أية حال فإن المعلومات المتوافرة اليوم تشير إلى امتلاك الصندوق القومي اليهودي حوالى 2.6 مليون دونم التي تشكّل نحو 13% من مساحة أراضي الاحتلال الأول. الغالبية العظمى من هذه الأراضي هي أملاك مهجّرين، حصل عليها الصندوق حسب "الاتفاقيات" التي وقّعها مع سلطة التطوير الإسرائيلية بعد قيام دولة إسرائيل. هذه الاتفاقيات تُعرف في إسرائيل بـ "صفقة المليون الأول" و "صفقة المليون الثاني". على الأغلب فإن صفقة المليون الثاني نفّذت بشكل جزئي فقط، لم يتم نقل باقي أملاك المهجّرين إلى الصندوق القومي اليهودي بعد أن اقتنعت الحكومة الإسرائيلية بعدم جديّة الأمم المتحدة بالعمل على عودة المهجّرين، وإعادة أملاكهم إليهم.عام 1953 تم سن "قانون الصندوق القومي اليهودي". بموجب هذا القانون تم تسجيل الصندوق كشركة داخل إسرائيل يحمل نفس صلاحيات وحقوق الشركة الأم المسجّلة في بريطانيا، وحسب هذا القانون – المادة 2(6) فقد أعطيت للصندوق صلاحية مصادرة أراضٍ تشبه صلاحيات السلطات المحلية في هذا الشأن.في نهاية سنوات الخمسينات، عاد النقاش داخل إسرائيل السؤال حول الحاجة أو الجدوى من استمرار عمل الصندوق كجسم منفصل عن الدولة، وازدواجية العمل. هذا الجدل يؤدّي في النهاية إلى توقيع معاهدة يوم 28/11/1961 بين دولة إسرائيل، والصندوق، بموافقة وتصديق الهستدروت الصهيونية العالمية. يتم الاتفاق في هذه المعاهدة على سنّ قانون جديد تتم بموجبه إقامة جسم جديد يُسمّى "دائرة أراضي إسرائيل" تكون وظيفته إدارة أراضي إسرائيل المكوّنة من الأراضي التابعة لثلاثة أجسام: أراضي الصندوق القومي اليهودي، أراضي دولة إسرائيل، وهي الأراضي التي "ورثتها" من الانتداب البريطاني أو صادرتها لاحقاً من المواطنين العرب، وأراضي سلطة التطوير الإسرائيلية وهي أراضي أملاك المهجّرين واللاجئين التي تم نقلها من الحارس على أملاك الغائبين، وتبقى لكل جسم الملكية على أراضيه. وبهذا تبلغ نسبة الأراضي التي نقلت إلى إدارة دائرة أراضي إسرائيل 93% من الأراضي التي أقيم عليها الكيان الإسرائيلي.بموجب هذه المعاهدة تم نقل صلاحية إدارة، والحفاظ على الغابات والأحراش، داخل إسرائيل إلى الصندوق القومي اليهودي، ويشكّل ممثّلو الصندوق نصفاً ناقص واحد من عدد أعضاء إدارة دائرة أراضي إسرائيل. بالإضافة لذلك، يشكّل ممثّلو الصندوق في العديد من لجان إدارة أراضي إسرائيل أغلبية مطلقة. كذلك فقد تبنّت دولة إسرائيل بموجب هذه المعاهدة مبدأ عدم بيع الأراضي. ولعل أخطر ما جاء في هذه المعاهدة ما تم الاتفاق عليه في المادة الرابعة حيث تم الاتفاق: "بالإضافة إلى ذلك، فإن إدارة أراضي الصندوق القومي اليهودي تكون خاضعة إلى دستور وأنظمة الصندوق القومي اليهودي"، بمعنى أن دائرة أراضي إسرائيل تتعهّد بعدم تأجير الأراضي المسجّلة على اسم الصندوق اليهودي لمن هم غير يهود.الصندوق القومي اليهودي هو مؤسسة حكومية إسرائيلية، أو ذراع من أذرع الحكومة الإسرائيلية، ولا يمكن اعتباره طرفاً ثالثاً. هذا الجسم يمتلك بشكل مباشر 13% من أراضي الدولة، والغالبية العظمى منها هي أملاك المهجّرين الفلسطينيين، وتمّت السيطرة عليها بالغشّ والخداع ومخالفة للقوانين والأعراف الدولية، ويشارك الصندوق القومي اليهودي في إدارة 93% من أراضي الدولة.إن نقل هذا الكمّ الهائل من الأراضي يعني السيطرة على السيادة في الدولة، وما تقوم به هذه المؤسسة، والصلاحيات التي أنيطت بها هي من أعمال وصلاحيات ومسؤولية الدولة، وليست من مسؤولية أفراد، وهذا دليل واضح على أن الصندوق القومي اليهودي ليس طرفاً ثالثاً اشترى الأراضي بنوايا حسنة ودفع ثمنها، وعلى أية حال فإن "الثمن" لم يُدفع إلى أصحاب الأراضي، ولم تتم عملية الشراء منهم.كما ذكر أعلاه فإن من صلاحية الصندوق مصادرة أراضي المواطنين، مثل هذه الصلاحيات لا ُتعطى للشركات الخاصة، وإنما تقتصر على المؤسسات الحكومية. كذلك فإن القانون يعفي الصندوق من دفع ضريبة التحسين. مثل هذا الإعفاء الذي يصل إلى مليارات الدولارات لا يُعطى في أية دولة في العالم إلى شركات خاصة. كما إن تركيبة إدارة الصندوق القومي اليهودي تؤكّد بشكل واضح إنها مؤسسة حكومية، فهي تمثّل الأحزاب السياسية اليهودية في البلاد، وكل ذلك دلائل على أن الصندوق القومي اليهودي ليس طرفاً ثالثاً.ومن هنا يمكن اعتبار "الصندوق القومي اليهودي" ضالعاً بجرائم ضدّ الإنسانية، من خلال التمييز العنصري الذي يمارسه ضدّ المواطنين العرب، وتطبيق نظام أبرتهايد، وأيضاّ من خلال عمليات هدم ما تبقّى من القرى الفلسطينية المهجّرة، والتي قام بها في سنوات الستينات، وهو لا ينكر ذلك، بل يعلن صباح مساء إنه لن يتعامل، ولن يؤجّر الأراضي المسجّلة على اسمه، لمن هم غير يهود، وفي الكثير من المناقصات التي نشرها أو التي نُشِرت باسمه يُصرّح علانية بأن هذه المناقصات خاضعة لدستور وأنظمة الصندوق. بمعنى آخر، إنه يرفض بيعها أو تأجيرها للمواطنين العرب. أهداف الصندوق بحسب المادة 3 لدستوره " شراء واقتناء بالإيجار لمدة طويلة أو بالتبديل – أراض، غابات، حقوق امتلاك، حقوق مماثلة من العقارات من كل نوع في المناطق المقرّرة ( وهذا يضمّ حسب الدستور دولة إسرائيل وكل الأراضي الخاضعة لحكومة إسرائيل) أو أي جزء منها من أجل إسكان يهود على الأراضي والعقارات المذكورة". معظم الأراضي التي يسيطر عليها "الصندوق القومي اليهودي" تتركّز في المناطق السكنية، ومنع السكان العرب من شرائها، أو استئجارها يعني تنفيذ مشروع المؤسسة الصهيونية للفصل العنصري. هناك مؤسسات تعمل على ملاحقة الصندوق القومي حول الجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتكبها من جهة واحدة. هناك حاجة ماسّة لزيادة الضغوطات في هذا المجال، وملاحقة الصندوق القومي اليهودي على هذه الجرائم، ومن جهة ثانية يجب فتح باب الدعاوى المدنية ضدّ هذا الصندوق.الصندوق القومي اليهودي قام بعملية نهب وسلب نحو مليونَيْ دونم من أملاك المهجّرين ضمن عملية الاحتيال الكبرى، واستمراره بالسيطرة على هذه الأملاك جريمة، ومناقض للقوانين والأعراف الدولية التي تمنع بيع ونقل ملكية أملاك المهجّرين. يمكن إثبات ألا قيمة قانونية لاتفاقيّتَيْ "الصفقة الأولى" و " الصفقة الثانية" التي لا تراعي القانون الدولي، ويمكن استغلال وضعية الصندوق القومي اليهودي كشركة خاصة مسجّلة في بريطانيا لتقديم دعاوى مدنية ضدّه في المحاكم البريطانية من قِبَل المهجّرين الفلسطينيين الذين يعيشون داخل بريطانيا، والذين تم الاستيلاء على أراضيهم ضمن "صفقة المليون الأولى" و "صفقة المليون الثانية"، لاستعادة هذه الأراضي.
محام ومدير جمعية فلسطينيات الناشطة في شؤون التهجير والعودة والبلدات الفلسطينية المهجرة والتصدي لمحاولات التهجير المستمرة في فلسطين.
المصدر: الميادين نت