:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/15251

لماذا لا يثق الشارع الفلسطيني بقرارات المجلس الوطني؟ -معتصم حمادة

2018-05-09

صحيح أن المجلس الوطني الفلسطيني أعاد التأكيد على قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين، وأنه اعتبر الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي «غير قائمة»، وأنه خطا خطوات مهمة على طريق الخروج من نفق أوسلو، غير أن الصحيح أيضاً أن الرأي العام الفلسطيني، ولعل العربي أيضاً، فقد ثقته بالمؤسسة الوطنية الفلسطينية، وبقراراتها، وبمدى جديتها في تطبيق هذه القرارات. وله في هذا المجال تجارب مرة، لا تعد ولا تحصى. وهو الأمر الذي دفع كثيرين إلى عدم المبالاة بالنتائج التي توصل إليها المجلس الوطني في دورته الأخيرة، ولسان حالهم يقول إن القرار كان وسيبقى بيد رئيس السلطة، الذي يتفرد في رسم ما يشاء متجاهلاً المؤسسات والهيئات التشريعية والتنفيذية.
وأياً كان موقفنا من قرارات المجلس، فإن الرأي العام الفلسطيني محق في رأيه، ولا يمكن إلا تصديقه.
• فقرارات المجلس المركزي الفلسطيني في 2015 و2018، بقيت معلقة طوال أربع سنوات دون تنفيذ. وبقيت معلقة حتى لحظة انعقاد دورة المجلس الوطني، الذي أعاد التأكيد عليها. ومازال الأمر قيد الامتحان والاختبار.
• وقرارات اللجنة التنفيذية (السابقة) في م.ت.ف، بقيت معلقة هي الأخرى، منذ أن تم اختيارها في المجلس الوطني الاستثنائي عام 2009. وها هي ترحل، ولم تملك صلاحية اتخاذ قرار واحد، ولم تضمن تنفيذ أياً من تلك التوجهات التي رسمتها في مشاوراتها المتعددة.
وهذا كله من شأنه أن يقودنا إلى النقطة الجوهرية وهي أن مؤسسات م.ت.ف باتت على وشك التلاشي، والذوبان في مؤسسات السلطة الفلسطينية، التي صارت هي وحدها صاحبة القرار السياسي والإداري والاقتصادي، وفق سياسة ترسمها لنفسها، دون الالتزام بالتوجهات والقرارات السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وبحيث أصبحنا أمام اتجاهين : م.ت.ف تتحدث عن فك الارتباط باتفاق أوسلو، وفك الارتباط بالاقتصاد الاسرائيلي، وتعليق الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني. واتجاه السلطة الفلسطينية التي مازالت تتقيد بالاتفاقيات الموقعة وتعمل بها، حتى أنها، حتى اللحظة، لم تستجب لقرار اللجنة التنفيذية (السابقة) بتقديم الاقتراحات والتوجهات اللازم العمل بها لتطبيق قرارات المجلس المركزي. وحتى بعد دورة المجلس الوطني الأخيرة، اجتمعت حكومة السلطة الفلسطينية وصدر بيانها (8/5/2018) وكأن الأمور مازالت على ماهي عليه، لم نتلمس أن هذه الحكومة مقبلة على سياسة، جديدة، وأن سياستها مازالت التقيد بالاتفاقيات، التي قرر المجلس الوطني أنها لم تعد قائمة.
* * *
إذن، نحن، كحركة وطنية، أمام واقع خطير، ويزداد خطورة، يوماً بعد يوم. واقع يقول إن الرأي العام لم يعد يرى في م.ت.ف، معبراً صادقاً عن مشاعره وتطلعاته، وإن كان لا يشك في كونها ممثله الشرعي والوحيد. فالفارق بين الاثنين واضح. وواقع يقول إن حالة الافتراق بين الجو السياسي العام لدى الرأي العام الفلسطيني، وبين الأداء السياسي للمؤسسة الوطنية، باتت واسعة وواسعة جداً. وبدلاً من الاحتفال بنتائج أعمال المجلس الوطني، باعتبارها وضعت نهاية لاتفاق أوسلو، ولالتزاماته، قوبلت هذه النتائج بلا مبالاة، من قبل الرأي العام الفلسطيني، وبقدر كبير من التشكيك بصدقيتها، وبأنها ستأخذ طريقها إلى التنفيذ.
وهذا الأمر لا يطال المنظمة وحدها، بل ويطال أيضاً الفصائل الفلسطينية، من شارك منها في الدورة الأخيرة للمجلس، ومن قاطعها وتغيب عنها. وأن يحمل الرأي العام هذه الفصائل المسؤولية، معناه في الجوهر أنه مازال يرى فيها السبيل المتاح إلى الخلاص، لذلك يدعوها «للتدخل» - كما يقال – لوضع حد لهذه الحالة من التسيب السياسي والتفرد والاستفراد بالقرار، ويطالبها بالعمل على إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليس فقط باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بل وكذلك باعتبارها القيادة الفعلية لنضالاته، وصاحبة القرار الجدي بشأن قضايا العمل الوطني، وباعتبارها المعنية بحمل همومه، وبالنضال، عبر أساليب مختلفة، لمعالجة هذه الهموم. وهذا، لن يكون إلا من خلال إعادة الاعتبار للمنظمة ومؤسساتها، وإعادة الحياة إلى أوصالها، بدءاً من اللجنة التنفيذية (التي ينظر إليها صف عريض من الرأي العام أنها أضعف من سابقتها) وصولاً إلى دوائر هذه اللجنة التي يفترض أن تتولى إدارة الشأن العام الفلسطيني في ميادينه السياسية والاجتماعية والثقافية والاغترابية، وفي صفوف اللاجئين وغيرها.
* * *
هذا الكلام لا يعفي الحركة الشعبية هي الأخرى من مسؤولياتها. بل نعتقد أن الحركة الشعبية ستبقى مدعوة لتتقدم الصفوف في معركة إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، عبر تجديد الحياة، بعيداً عن البيروقراطية، في أدوات العمل السياسي الجماهيري، كاللجان الشعبية، والنقابات، والاتحادات، ومجالس الطلبة، والمؤسسات الأهلية، والمنظمات الديمقراطية، والدوائر الثقافية والمؤسسات البحثية، تحريرها من كل أشكال البيروقراطية، ومن كل أشكال الهيمنة الفوقية، لصالح التفاعل الحر والنشط مع الشارع ومتطلباته.
ولعل التجربة المتقدمة للحراك الشعبي الكبير في قطاع غزة (بشكل رئيسي) وفي باقي مناطق تواجد الشعب الفلسطيني، في إطار مسيرات العودة، تحضيراً لليوم الكبير (15/5/2018) تشكل نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه الحالة الشعبية، إذا ما توفرت لها الأدوات والقيادة، وحصل الاندماج بينها وبين هذه القيادة في رؤية سياسة وطنية صافية.
• مما لا شك فيه أن المجلس الوطني شكل محطة سياسية متقدمة، حتى على قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين.
ومما لا شك فيه أيضاً أننا أمام اتجاهين:
• اتجاه يدفع لتنفيذ ما قرره المجلس الوطني، سياسياً وتنظيمياً، بما يعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبرنامجها الوطني، بديلاً لمشروع أوسلو، والتمهيد لاستئناف جهود توحيد الحالة الفلسطينية، والخروج من نفق أوسلو، نحو الحرية والاستقلال والعودة،
• اتجاه آخر، لا بد من أن نعترف أنه مازال متمسكاً ببقايا أوسلو، وأنه مازال يعتبر «رؤية الرئيس» هي خطته السياسية، وأنه سيبقى يحاول التفلت من قرارات الاجماع الوطني، لصالح سياسة التفرد بالقرار السياسي والمالي.
والمعركة ستبقى محتدمة بين هذين الاتجاهين:
اتجاه تدعمه عواصم عربية وأوروبية، ودولية،
واتجاه يعتمد على الحركة الشعبية سلاحه وذخيرته وحصنه المنيع.
وما قرارات المجلس الوطني إلا واحد من الأسلحة والقوى الإضافية التي راكمتها في معركتها المديدة.