:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/15638

قصة أبو العبد في وادي رشميا في حيفا: يريد بيتاً يوقد فيه الحطب وفحم السنديان

2018-05-21

قصة حي وادي روشميا في مدينة حيفا، قصة نموذجية لحي عربي في مدينة مختلطة، يقيم فيها اليهود في أحياء راقية، في حين يقيم فلسطينيو الـ48 في أحياء قديمة تعاني إهمال السلطات المحلية لها منذ النكبة الفلسطينية. ولا يختلف وضع هذا الحي كثيراً عن أحياء عربية أخرى في مدن مختلطة مثل: عكا ويافا وغيرهما، إلا في أمر واحد هو انه يعاني أكثر.
ويمثل سكان الأحياء العربية من فلسطيني الـ48 الذين يقطنون في ما بات يعرف بعد النكبة الفلسطينية عام 48 بالمدن المختلطة، نحو 10 في المئة من مجمل فلسطينيي الـ48، حيث يعيش السكان الأصليون الذين تشبثوا بأرضهم مع اليهود تحت سلطة بلدية واحدة، ويوجد في الأراضي العربية المحتلة 5 مدن بقيت على هذا الأساس، وهي عكا وحيفا ويافا واللد والرملة.
يقع وادي رشميا قرب حي الحليصة شمال مدينة حيفا، وأقيم عليه جسر رشميا مطلع الثلاثينات من القرن الماضي خلال الانتداب البريطاني على فلسطين، يتزود بالماء من أودية عدة من جبل الكرمل. وأشارت حفريات سابقة إلى وجود حياة قديمة على ضفاف الوادي وفي أعلى الوادي بنيت قلعة بعلو 5 أمتار نسبت إلى العهد الروماني البيزنطي رممها الظاهر عمر عامي 1763 ـ 1765 ضمن مشروعه لتشييد سلسلة من القلاع والحصون لحماية الساحل الفلسطيني الشمالي والجليل الواقع تحت سيطرته.
شهد الوادي حركة سكنية عبر العصور التاريخية المختلفة، كان آخرها في القرن العشرين عندما اتخذت عائلات فلسطينية وسورية ومصرية مواقع متفرقة فيه لإقامة مساكنها، خصوصا بعد انتشار ظاهرة المشاريع الاقتصادية والتجارية في خليج حيفا، فوجد الموظفون والعمال أن السكن في وادي روشميا ملائم لقربه من أمكنة العمل وتوفر الماء في الوادي والرزق الطيب. وازدادت أعداد العائلات العربية التي سكنت الوادي بعد نكبة 1948، وبعد عمليات الترحيل التي نفذت بحق العائلات العربية الفلسطينية، حيث أسكنت السلطات عائلات يهودية في حي الحليصة وفي الوادي. إلا أن أعدادا من العائلات العربية استطاعت الاحتفاظ بمنازلها حتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي عندما شرعت بلدية حيفا بتضييق الخناق عليهم وترحيلهم بهدف إقامة مشروع استثماري ربحي.
واخيرا بدأت بلدية حيفا بتنفيذ مشروع يهدف إلى ترحيل اخر عائلة عربية تسكن المنطقة. ويسكن هذا البيت المهدّد بالترحيل والهدم المسن يوسف حسان (أبو العبد 87 عامًا) وزوجته آمنة حسان (75 عامًا)، منذ العام 1956، عندما بدأ عمله في بلدية حيفا في قسم الصيانة في وادي رشميا. وكانت تسكنه في تلك الفترة، أكثر من ثمانين عائلة، نزحت عنه بعد أن جار عليها الزمن واضطرت لإخلاء منازلهم، عُنوَةً، لمصلحة شركات الاستثمار الحكوميّة.
البيت مكوّن من ألواح الزنك تحيطه قطعة ارض كبيرة جدًّا من دون كهرباء او ماء لكنهم يُطالبون بدفع الأرنونا (ضريبة البلدية). وقبل أسبوعين بدأت شركة "كرملتون" التّابعة لشركة "يافيه نوف" بشق طريق قرب المنزل طريق تصل بين الكرمل والبلدة القديمة، حيث صدّقت البلدية على هذا البرنامج منذ العام 2004. وتعيش العائلة في ظرف بائس ويائس، حيث لا هدوء ولا طمأنينة اذ تهددهم الحجارة المتدحرجة من جراء الحفريات والتفجيرات في تلك المنطقة.
القيّمون على الشركة قدموا اقتراحًا بديلاً لبيت ابو العبد وهو عبارة عن مبلغ زهيد لا يكفي لسد رمق العيش، مبلغ يناهز الـ9 الاف دولار، وبعدها اقترحوا بيتًا صغيرًا جدًّا ـ بحسب حسان ـ لا يصلح حتى للكلاب، وكذلك قدّمت البلدية اقتراحات بديلة لم ترها العائلة مناسبةً لها ولم تكُن أفضل من اقتراحات "يافيه نوف".
وتعود ملكية هذا البيت في وادي رشميا لعائلة حسان بحسب قانون الأراضي العثماني وبحسب قانون الأراضي الإسرائيلي منذ العام 1968.
اسكندر عمل العضو العربي في بلدية حيفا قال "لقد عقدنا اجتماعًا مع مدير عام شركة يافيه نوف لدراسة الوضع ولتحسين البدائل المقترحة على العائلة"، وهو يرى أن ما اقترح على العائلة هو اقتراح "هزيل خصوصا وانّ هذا العمل ما هو إلا تهجير لعائلة عربية سكنت منذ عشرات السنوات في هذا المكان. فقد دفعت بلدية حيفا وشركة "يافيه نوف" مئات آلاف الدولارات كتعويض لمواطنين في أماكن أخرى. أما في هذه الحال فهم يبرزون عضلاتهم ضد عائلة مسنة عاجزة غير قادرة على مواجهتهم في المحاكم كما يفعل الآخرون حين تحاول البلدية هضم حقوقهم".
وليس من الصعوبة بمكان الوصول إلى وادي رشميا، ذلك الوادي القابع غرب حي الحليصة المعروف في حيفا والذي كان يعج بالحياة النابضة، اذ كان يؤوي أكثر من 80 عائلة من الفلسطينيين الذين نزحوا عن عدة قرى عربية في الـ1948. لكن التضييقات السلطوية وبلدية حيفا لم تبق إلا على بيت واحد في وسط الوادي وآخر في سفح الجبل. واخيرا قررت هدم البيت الذي يعيش فيه يوسف حسان وزوجته، وهو مبني من ألواح الزنك المهترئة المتراكمة لأنه كلما اهترأ واحد منها قام فاعلو الخير بتغطيته بلوح آخر جديد وهكذا دواليك.
عندما وصلنا إلى البيت، وقف أبو العبد يستقبلنا على الباب في باحة البيت الصغيرة حيث طاولة صغيرة وكرسيان وفناجين القهوة. جلسنا وبدأ يحدث عن بداية النهاية بلغته المتواضعة: "عبدوا الشارع وسيبدأون بمشروع النفق الذي سيربط مفرق السعادة (شيكبوست) مع وادي رشميا وطيرة الكرمل جنوب حيفا، وسيكون الملتقى في هذه المنطقة، حيث اسكن أنا وزوجتي، سيكون حدائق وأشجارا ومتنزها مع طاولات ومقاعد للمتنزهين، وهذا المشروع ربما يستغرق لثلاث سنوات".
ويضيف: "هذا يعني أنهم يريدون إخراجنا من منزلنا لكن هذا لن يكون لهم ولن اخرج من هنا إلا جثة هامدة، أو يعطوني بيتا ومئة ألف دولار تعويضا لترحيلي، أما أن يرحلوني كما يريدون بدون أي تعويض فألقى في الشارع، وهذا لن يكون".
ويتابع: " صحيح أنا اسكن مع زوجتي وحدنا لكن الله معنا، فعندما بدأوا بتعبيد الشارع جاءني ممثلون عن شركة يافيه نوف التابعة للبلدية وبدأوا يفاوضونني وأخذوا يسألونني ماذا تريد ويسجلون على أوراق ويقولون سنرد عليك في ما بعد، وحتى الآن مضت عدة أشهر ولم يرجع احد سوى أن ممثلي المؤسسات البلدية يتعاقبون على زيارتنا والمهم عندهم أن نغادر المكان الذي اسكن فيه منذ العام 1956 عندما جئت من مدينة عكا".
ويضيف "من شدة الصخب الذي صاحب العمل في الشارع وهدير الماكنات والجرارات وتكسير الصخور لم اعد اسمع بأذني، فكيف عندما يبدأ العمل في حفر النفق حيث من المتوقع أن تمر من هنا مئات السيارات يوميا وهي تنقل التراب والحجارة والصخور التي ستخرج من الأنفاق، عندها ستصبح الحياة مستحيلة في المكان ولربما هم ينتظرون هذا الظرف لأغادر بدون أي جهد منهم وبمحض إرادتي لكن هذا الأمر مستحيل".
وخلص أبو العبد الى القول "عندما جاء إلي آخر مفاوض قال لي: ابحث عن بيت شريطة ألا يزيد ثمنه عن 120 الف دولار، وجدنا بيتا في حي الألمانية لكن المشكلة أننا لا نستطيع أن نعيش فيه، فكل سكانه من الطبقة العليا ونحن عجوزان لنا نمط حياة خاص، فسنوقد الحطب وسيعلو دخانه وسنوقد فحم السنديان وتشم رائحته من بعيد، فماذا سيحصل لنا، لذلك تنازلنا عنه لنجد بيتا آخر قريبا من حي عباس لتعود نفس المشكلة ونحن ما زلنا بانتظار أن يجدوا لنا بيتا ملائما".