:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/1577

سوريا وباكستان: خط الغاز العملاق باتجاه الصين

2013-09-18

لا شك أن سبب ما يحدث في سوريا منذ ما يزيد عن السنتين وحتى الآن، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمصالح الدولية. وسنقوم هنا بإلقاء الضوء وبوضوح على مصالح المحور المعادي لسوريا والمتمثل بالولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وحلفائهم الصغار من مشايخ الممالك النفطية.
الناتو والغاز والمقاومة
إن مهمة تحويل سوريا إلى بلد تابع لهذا المحور تنصب على رأس أولوياته، حيث لن يؤدي هذا- في حال نجاحه- إلى إضعاف وتأريض محور المقاومة الذي يتألف من الفلسطينيين وإيران ولبنان وسوريا والعراق فحسب، بل سيتجاوزه إلى السيطرة على ممرات الطاقة والثروات النفطية والغازية في شرق البحر المتوسط، ومن ثم إعادة توجيهها لخدمة مصالح «إسرائيل» والناتو. إضافةً لفسح المجال أمام إقامة جسر بري بين تركيا و«إسرائيل»، الأمر الذي سيحرم إيران من التعاون مع حلفائها المشرقيين في فلسطين ولبنان. مما يعني عملياً إضعاف قدرة هؤلاء الحلفاء على مقاومة الصهاينة. حينها، سيتحول البحر المتوسط إلى ما يشبه «بحيرة» تغصّ بأساطيل الناتو، مما سيجعل الطرق الشمالية والجنوبية لنقل الطاقة في «القبضة الأطلسية. »
ومن المعروف أن الحوض الشرقي- الممتد من غزة إلى الإسكندرية- يحتوي على احتياطات ضخمة من الغازالطبيعي والتي كان النزاع على حقوق ملكيتها والتنقيب فيها سبباً رئيسياً لحوادث توتر إقليمية متعددة، مثل الخلاف الذي اندلع في فترة سابقة بين «إسرائيل» وكل من لبنان والفلسطينيين في غزة حول هذا الأمر والذي مازال قائماً. ة .
استراتيجة الطاقة الأوراسية
إن لكل من إيران وروسيا- صاحبتي أكبر احتياطي للغاز الطبيعي عالمياً- مصالح في هذه الاحتياطات. حيث شارك كل منهما في مشاريع لمساعدة لبنان وسوريا في عمليات التنقيب وتطوير العمل في حقولهم، وفي حال تمت السيطرة على سوريا أو حتى أجزاء متفرقة منها، فإن هذه الحقول والاحتياطات ستصبح خاضغة لسلطة الحلفاء الأطلسيين وبالتالي حرمان الروس والإيرانيين من العمل والاستثمار فيها، إلا أن الواقع الجيوسياسي السوري يسير بعكس تيار المصالح التركية.
لقد جاء الإعلان عن بناء خط الأنابيب العراقي- السوري- الإيراني، بعد الموافقة العراقية في شباط 2013 وفي سياق استراتيجية الطاقة الأوراسية ليوضّح الروابط بين كل من سوريا وباكستان من جهة، والصين من جهة أخرى، والتي تتم عبر إيران.
إن خط الأنابيب هذا- والذي يمر بلبنان أيضاً- يهدف إلى إيصال الغاز الإيراني إلى الشواطئ الشرقية للمتوسط، ويمكن بطبيعة الحال عكس اتجاه سيره. كما أن الغاز الموجود في السواحل السوريا واللبنانية- وحتى سواحل مصر وغزة- يمكن أن يُرسل شرقاً عبر الخط المذكور باتجاه باكستان ومن ثم إلى الصين.ة
وهذا يفسّر مشاريع البنية التحتية الغازية العملاقة التي تعمل عليها إيران الساعية حالياً- وبغض النظر عن احتياطاتها الهائلة من الغاز- لتصبح مركزاً دولياً لمعالجة الغاز الطبيعي وتجارته. ه
مازال العمل مستمراً منذ عدة سنوات في شرقي إيران على مشروع أنبوب إيراني- باكستاني مشترك وكان هذا المشروع في البداية مصمماً لتشارك فيه الهند أيضاً. أما بالنسبة للصين، فظاهرياً لم يكن لها أي دور فيه ولم يأت أحدٌ على ذكرها، إلا أنها كانت دائماً مو جودة. ه
باكستان.فإذا سألنا: لماذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إيقاف هذا المشروع ؟ فالإجابة هي: المصالح الصينية.
هل تخسر أمريكا باكستان؟
إن كلاً من الولايات المتحدة والناتو، ينظران– في سياق الخطط الاستراتيجية لنقل الطاقة- إلى خط الغاز الإيراني- الباكستاني- الهندي باعتباره تهديداً جدياً لمصالحهم في منطقة أوراسيا. وكما ذكرنا سابقاً فإن هناك احتمالاً قوياً بأن تنضم الصين لهذا المشروع، وهذا من شأنه أن يضر بالمخططات الأمريكية الهادفة لاحتواء الصين وعزل إيران عبر السيطرة على إمدادات الطاقة الصينية والتلاعب في وجهة صادرات الطاقة الإيرانية. هذا وقد عرضت الصين- كسابقتيها إيران وروسيا- على باكستان المساعدة في تمويل بناء خط الأنابيب على أراضيها. ومن الجدير بالذكر أن الصينيين يعملون، ومنذ فترة، بشكلٍ غير معلن في مشاريع البنية التحتية في باكستان.
وتلخيصاً لما سبق، فإن كلاً من الخطين (السوري- العراقي- الإيراني)، و(الباكستاني- الإيراني) يعدّان أقساماً من خط الغاز الأوراسي العملاق. ة
يمكن اعتبار ما ناقشناه حتى الآن، بوصفه أحد الأسباب التي قام من أجلها الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات أحادية الجانب على قطاع الغاز في إيران قبيل بدء الأخيرة بتصدير غازها الطبيعي المُسال إلى الدولالأخرى. كما أنه يضيف سياقاً جديداً للصراع في سوريا، حيث يَسهل من خلاله فهم خلفيات مواقف بعض الدول الساعية لإسقاط النظام السوري الحالي كقطر وتركيا.
النفط والغاز والحرب في شرق المتوسط
إن «اللعبة الكبيرة» تدور اليوم في سوريا بين محورين، يضم الأول كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر. أما الثاني فيتألف من روسيا والصين وإيران. إن هذه الاصطفافات تبرهن على صحة المقولة التالية: «لقد أصبح البحر المتوسط اليوم امتداداً للصراع والتنافس الدوليين الراميين للسيطرة على مصادر الطاقة الرئيسية الآسيوية- القوقازية».
كما أن «إسرائيل» تشارك أيضاً في هذه اللعبة حيث لا تقتصر أهدافها على تحييد سوريا وعزلها عن إيران، بل تمتد إلى موضوع الغاز الطبيعي الموجود في المتوسط والذي تريد حصةً منه.
إن احتياطات الغاز الموجودة في المتوسطة تنتشر في مناطق عدة، منها ما لم يتم اكتشافه، ومنها ما تم اكتشافه كحقل (تامار) المُكتشف في عام 2009 والذي يقع قبالة السواحل الفلسطينية، والذي من المتوقع أن يحتوي كميات كبيرة وواعدة. إضافة لحقل (الليفياثان) المُكتشف في 2011 والذي يحوي كميات أكبر من تلك التي يحتويها- نظرياً- حقل (تامار). هذا ويقدّر مسحٌ جيولوجي أمريكي تم إجراؤه من فترة، وجود حوالي 120 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج في الحوض الشرقي الذي يضم يشمل سواحل لبنان وسوريا وفلسطين وقبرص.
بالعودة إلى عام 2011، فقد وجّه حزب الله اللبناني تهديداً لـ«إسرائيل» يحذرها فيه من مغبّة التفكير بسرقة الموارد البحرية اللبنانية، أو التعرّض لعمليات استخراج النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية. وقد هدد أحد كبار مسؤولي الأمم المتحدة بالتدخل في هذا الخلاف داعياً كل من البلدين إلى التعاون في قضية الترويج للتنقيب عن الغاز والنفط في البحرالمتوسط. ة
أما تركيا، فإنها تطمح أيضاً- كحليفتها إسرائيل- لأخذ حصةٍ من غاز المتوسط، ناهيك عن رغبتها في التحكّم والسيطرة على تدفّق الغاز بحيث يعبر أراضيها.
هل ينجح تحييد الصين؟
إن الحرب التي شنّها حلف الناتو على ليبيا، والحصار المفروض على سوريا، هما جبهتان لحرب واحدة هدفها تحييد الصينيين، والأمر ذاته ينطبق على الأزمة الداخلية التي تعيشها باكستان اليوم.
إن توزّع القوى العسكرية- الاقتصادية في العالم يتم بالتزامن مع النهوض الاقتصادي الذي تشهده منطقة شرق آسيا. وهذان العاملان هما- كما يعتقد باحثون- أجزاء مما يُسمى بـ(التنقلات الكبرى).
إن التوجه الذي تسلكه الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يهدف بوضوح إلى منع بكين من منافستها على مكانتها العالمية. حيث لا توفر واشنطن أي جهدٍ لإعاقة وسد ممرات الطاقة الأوراسية المتوجهة إلى الصين. أما في باكستان، فقد حققت الولايات المتحدة بعض التقدم هناك عبر تمكنها من تسعير الأزمة الداخلية والخلافات الإثنية.
إذا تم الانتهاء من توصيل الخطين (الإيراني- السوري- العراقي) والخط (الإيراني- الباكستاني) ومن ثم تم إيصالهما إلى الصين، فإن هذا من شأنه أن يشكّل ضربة كبيرة للتفوق الأمريكي الحالي. لذا، فإن المهمة الأساسية أمام الولايات المتحدة الآن هي منع إكمال أي من هذين الخطين.
إن التوتر القائم حالياً بين أمريكا وإيران حول البرنامج النووي للأخيرة، يجب أن يُنظر إليه في ضوء العرض السابق لخريطة نزاع الطاقة في المنطقة.
المصدر:غلوبال ريسيرتش