:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/16153

يتراشقان الاتهامات والقطاع يعاني سكرات الموت -معتصم حمادة

2018-06-07

عاد الانقسام بين فتح وحماس الى نقطة الصفر. لم تنجح قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في 15/1/2018، ولا قرارات المجلس الوطني في 30/4/2018، ولا نداءات وصرخات الشارع الفلسطيني وقواه السياسية، في «اقناع» القيادة الرسمية، ومن خلفها حكومة السلطة الفلسطينية، للتراجع عن العقوبات الجماعية المفروضة على قطاع غزة وسكانه، ما أدى الى زيادة في تعقيد شروط الحياة الانسانية وهبوطها. وإذا كان هذا التعنت، لدى القيادة الرسمية، يحمل في طياته دلالة ما، فإنه دليل نافر على مدى إحتقار هذه القيادة لقرارات المؤسسات الوطنية، ومبادئ الائتلاف الوطني، ومدى استعدادها لتحويل جوع الناس ومعاناتهم الى أدوات في الصراع مع حركة حماس، على السلطة وعلى النفوذ وعلى المصالح. حتى قيادة حركة فتح، بدت، أو كأنها أرادت أن تبدو، هي الأخرى، عاجزة عن القيام بأي دور، في هذا المجال، رغم تأكيدات بعض الناطقين باسمها على أنها العمود الفقري للحركة الوطنية وصاحبة القرار الوطني الفلسطيني، ورغم أنها كرست نفسها سلطة فوق السلطات، يسبق قرارها، وتسبق توجهاتها السياسية، قرارات اللجنة التنفيذية وتوجهاتها. إلا إذا كانت قيادة فتح، حقاً شريكاً في لعبة العقوبات على القطاع على أمل أن ينفجر في وجه حركة حماس . هذه اللعبة ثبت فشلها، وتحول الإنفجار، كما هو واضح وجلي، ضد الإحتلال الإسرائيلي، في مسيرات العودة وكسر الحصار، وبالتالي بات على المراهنين على تفجير القطاع من الداخل أن يعيدوا النظر برهانهم ؛ وأن يدركوا جيداً أن السياسات قصيرة النفس، ليس من شأنها سوى أن تصطدم بالواقع. وواقع القطاع يقول إن حل مأساته، وفك الحصار عنه، لن يكون إلا فلسطينياً، أي بإنهاء الانقسام ، وإنجاز المصالحة، واستعادة الوحدة الداخلية.
* * *
من التداعيات الخطيرة لتدهور الأوضاع في القطاع، أن ثمة مشاريع بدأت تطل برأسها، لتدخل على خط المسألة الفلسطينية ومن بوابة «الرأفة الانسانية» بالقطاع. حتى أن دولة الاحتلال تحاول أن تنخرط في هذه اللعبة، في إطار مشروع، يحاول أن يلبس لبوس الانسانية ليخفي مقاصده السياسية الحقيقية. وليس خافياً أن الحلول الاسرائيلية ـــــ الأميركية للمسألة الفلسطينية، لا تخفي نواياها بالفصل بين قطاع غزة، وبين الضفة الفلسطينية، في إطار حل دائم، بشكل القطاع فيه نواة، ومكان قيام «الدولة» الفلسطينية، بينما تبقى الضفة الفلسطينية في إطار إجراءات وآليات معينة، «إقليماً» من أقاليم «الدولة»، تحت إدارة ذاتية، في إطار منظومة أمنية واقتصادية إسرائيلية متكاملة. وبالتالي ما هذا الاهتمام بقطاع غزة إلا في إطار محاولة «تأهيله» سياسياً، أولاً وقبل كل شيء، و«تأهيله» بنيوياً واقتصادياً، لاستقبال استحقاق الحل الدائم بعناوينه العريضة، الاسرائيلية والأميركية.
خطورة هذا الأمر، ليس في الطرح الاسرائيلي أو الأميركي. فهذا طرح قديم، جديد، لا يشكل سراً سياسياً، سبق وأن قدمت مثله مراكز البحث والتخطيط في إسرائيل، على مستوى الجامعات والمعاهد العليا، وعلى مستوى إدارة التخطيط السياسي في جيش الإحتلال والأجهزة الأمنية المختصة. وبإمكاننا العودة الى الأرشيف، لنحصل على عشرات المشاريع المشابهة، التي تتمحور حول مصير القطاع، ودوره «المركزي» في الحل الدائم، وفي «التسوية النهائية».
خطورة هذا الأمر، إذن، ليست في طروحاته، بل في كونه يحاول أن يستغل حالة الانقسام من جهة، وتدهور الوضع في القطاع، من جهة أخرى، لتمرير أهدافه وتحقيقها.
* * *
لا شك أن هذا الأمر أحدث ردود فعل متباينة في الحالة الفلسطينية.
• فالبعض سارع الى رفض المشاريع الانسانية جملة وتفصيلاً، مؤكداً أن قضية القطاع، ليست مجرد قضية إنسانية، بل هي سياسية بالدرجة الأولى داعياً الى فك الحصار عنه.
• والبعض الآخر، دعا للتمييز بين حق القطاع في الاستفادة من المشاريع الانسانية، ورفض أهدافها السياسية وتفويتها على أصحابها عبر التمسك بالحقوق الوطنية.
• والبعض حذر من أن تنزلق حماس للقبول بالدور الذي تحاول الدوائر الغربية أن ترسمه لها في إطار الحلول المطروحة، بإعتبار أن هذا الدور يكفل لها إدامة السيطرة على القطاع، كما يعيد تقديمها في معادلة جديدة، طرفاً مشاركاً في الحل، بعد أن فرض الحصار عليها يوم تسلم اسماعيل هنية رئاسية الحكومة عام 2006.
هنا علينا ألا نتجاهل وأن يغيب عن بالنا، أن بوابة حماس للعبور الى «الشراكة» في مثل هذا الحل، هي الموافقة على الشروط الثلاثة للرباعية الدولية. الاعتراف بإسرائيل ــ وقف «الإرهاب» ــ الالتزام بالاتفاقات الموقعة معها (أوسلو وبروتوكول باريس وغيرهما)
ولكي نغلق الطريق أمام هذه المشاريع، ونغلق الطريق أمام المحاولات المحمومة لإثارة الفتنة السياسية في الصف الفلسطيني، بالبناء على الانقسام القائم، لا بد من إنهاء هذا الانقسام وإغلاق البوابة التي منها تتسرب السيناريوهات والخطط. وأن نعود الى التوافقات الوطنية (4/5/2011+ 12/10/2017+ 22/11/2017) وأن نعيد إطلاق المصالحة، وفقاً للبنود الستة التي جرى التوافق عليها، وختامها، بعد رفع العقوبات وتمكين الحكومة، وحل القضايا الاجتماعية، وإعادة توحيد المؤسسة في السلطة وأجهزتها، إعادة بناء الوحدة الوطنية، في انتخابات شاملة، للبلديات، والمجلس التشريعي، والمجلس الوطني، تتوج بإنعقاد المجلس الجديد، في صيغته الجديدة (350 عضواً منهم 150 في الداخل و200 في الخارج) في مكان يتم التوافق عليه بين الجميع، ويمكن للجميع الوصول إليه.
ما يجب تأكيده هنا، هو أن رفع العقوبات الجماعية، هو المدخل والمعبر الالزامي، لإعادة الحياة لمسيرة التفاهمات الوطنية على إنهاء الانقسام.
قبل أن نختم، من المفيد أن نتذكر أنه، وبعد ساعات على توقيع تفاهمات فتح ــ حماس، في القاهرة، في 12/10/2017، كتب المحرر العسكري الاسرائيلي في « يديعوت احرونوت» الكس فيشمان (13/10/2017) يدعو رئيس الحكومة الاسرائيلية الى «عدم التشويش على الاتفاق»، لأن مثل هذا الاتفاق ــ برأي فيشمان ــ لن يعمر طويلاً. «فحجم التناقضات بين الرئيس عباس وحركة حماس أكبر بكثير من أن يحلها اتفاق تم توقيعه في القاهرة». لذلك يتوقع فيشمان أن لا يعيش الاتفاق أكثر من أربعة أشهر على أبعد تقدير، ستنفجر بعدها الخلافات بين الطرفين وسيتوليان هما، تخريب الاتفاق وإعدامه. وبالتالي ستبقى الضفة مفصولة عن القطاع، «وإن مثل هذا الواقع ــ يقول فيشمان ــ سيشكل سبباً كافياً لرفض الدخول في المفاوضات مع محمود عباس، بإعتباره لا يمثل الكل الفلسطيني».
من غرائب الأمور أن المحللين الاسرائيليين باتوا يعرفوننا جيداً، ويقرأون سياستنا بدقة، أكثر مما نعرف ــ نحن الفلسطينيين ــ بعضنا بعضاً، وأفضل بكثير مما نقرأ سياساتنا.
فهل نستفيد؟