:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/16366

موت المنفية بسبب الضمير فليتسيا لانغر-هآرتس

2018-06-25

أنا لم ألتقي معها في أي يوم. فقط اتصلت معي مرتين أو ثلاث مرات من منفاها، لكني اذكر جيدا ماذا كانت بالنسبة لي وبالنسبة لمعظم ابناء جيلي في صبانا مغسول الدماغ: لقد كانت رمز لكراهية اسرائيل، عدوة الشعب، خائنة مثيرة للاشمئزاز، منبوذة وفظيعة. هكذا تربينا على النظر اليها، مثلما هي الحال بالنسبة لعدد من المنشقين الاوائل الآخرين. ونحن لم نسأل لماذا ولم يهمنا الامر.
الآن توفيت في منفاها بشيخوخة حسنة، وشخصيتها وصورتها تلمع في عيني من بعد زمني ومكاني: فليتسيا لانغر التي توفيت في نهاية الاسبوع في المانيا كانت بطلة وطلائعية وامرأة ضمير. هي وعدد من امثالها لم يحظوا في أي يوم هنا بالتمجيد الذي يستحقونه. ومشكوك فيه أن يحظوا به في أي يوم. في المكان الذي يكون فيه من تخرجوا من تنظيمات يهودية ارهابية قاتلة مرغوب بهم، احدهم محرر صحيفة والثاني واعظ ديني، وفي الوقت الذي يكون فيه عنصريون صريحون شرعيين في الحوار الرئيسي اكثر من أي مكان آخر في العالم، ليس هناك مكان للمحاربين عن العدل والشجعان الذين دفعوا ثمنا باهظا بسبب محاولتهم السير امام المعسكر الذي لم يسر في أي يوم في اعقابهم.
لانغر كانت من الناجين من الكارثة في بولندا، درست الحقوق في الجامعة العبرية في القدس، وبعد الاحتلال كانت أول من فتح مكتب محاماة من اجل الدفاع عن الضحايا الفلسطينيين. بهذا واصلت تقليد مبجل ليهود حاربوا من اجل ضحايا الظلم في العالم – جنوب افريقيا، امريكا اللاتينية، اوروبا والولايات المتحدة.
هنا وضعها الشعور بالعدل امام دولتها. في كل مرة نجحت تقريبا: في اعقاب التماسها الغت المحكمة العليا طرد رئيس بلدية نابلس بسام الشكعة في العام 1979. وبعد سنة وضع التنظيم السري اليهودي عبوة ناسفة في سيارته حيث قطعت رجلاه والعدل الاسرائيلي خرج الى النور.
لانغر كانت رائدة محامي الضمير الاسرائيليين، الذين دافعوا عن الذين تم احتلالهم. وكانت ايضا هي الاولى التي يئست واغلقت مكتبها في العام 1990 وهاجرت من هنا. في مقابلة اجراها معها في 2012 المخرج السينمائي الوثائقي عران اورفينا قالت “تركت اسرائيل لأنني لم أعد أتمكن من مساعدة الضحايا الفلسطينيين في اطار المقاربة القانونية القائمة وتجاهل القانون الدولي الذي يجب عليه الدفاع عن الاشخاص الذين دافعت عنهم. لم استطع العمل. وقفت امام قربة مخرومة”، قالت لصحيفة “واشنطن بوست”، “لن اكون ورقة تين”.
وقالت إنها لن تغير جبهة، فقط غيرت مكانها في الجبهة. ولكن هذه الجبهة توجد الآن في الدرك الاسفل. الاحتلال في ذروة لم يكن فيها ذات يوم، وجرائمه تم تحليلها جميعا تقريبا.
لانغر وصلت الى استنتاج أنه لا يوجد أمل. لقد كانت محقة تقريبا. النضال في المحاكم العسكرية محكوم عليه بالفشل مسبقا. ليس له أي احتمال لأن الجهاز العسكري لا يخضع لقوانين العدل، بل فقط لقوانين الاحتلال. فقط الخطاب قانوني لكنه فارغ وكاذب.
ايضا الجهاز القضائي المدني وعلى رأسه محكمة العدل العليا المبجلة، لم يكن في أي يوم الى جانب الضحايا وضد جرائم الاحتلال. هنا وهناك أمر منع، هنا وهناك تأجيل تنفيذ، في التاريخ ستذكر المحكمة العليا الاسرائيلية على أنها اكثر محللي الاحتلال ومتعاون دون مع جهاز الامن. في هذا الوضع ربما في الحقيقة لم يكن للانغر ما تفعله. هذا استنتاج محبط جدا.
ضد ماذا ناضلت هذه المرأة الشجاعة والفظيعة؟ ضد تعذيب الشباك، في الوقت الذي لم نصدق فيه أن هذا التعذيب لم يكن موجود. في الوقت الذي كان فيه في ذروة وحشيته. ضد طرد نشطاء سياسيين، ضد اعتقالات عبثية، ضد هدم البيوت. وفوق كل شيء ناضلت الى جانب تطبيق القانون الدولي، الذي قررت اسرائيل استثناء نفسها منه بذرائع لا تصدق. من اجل ذلك ناضلت ومن اجل ذلك اعتبرت اكبر العاملين ضد اسرائيل.
في نهاية حياتها قال لها حفيدها إن الفلسطينيين في النهاية سينتصرون وستكون لهم دولة. “أنت لن تري ذلك، لكنني سأرى ذلك”، أكد لها حفيدها. في نهاية المطاف سيخيب أمل الحفيد مثل جدته العظيمة.