:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/16465

الكتلة الحرجة - معاريف

2018-07-10

في رسالة بعث لي بها د. أمير بيلغ، المؤرخ من القرية الزراعية عين هباشور في غلاف غزة دعاني فيها الى تناول مسألة الحرائق وموقف الحكومة منها، كتبت له رداً: يا أمير، أولا أنت محق. فمعاناتكم تمر على باقي سكان الدولة بخفة نسبية. أنتم لستم في رأس جدول الاعمال، مثلما هي تل أبيب، الخضيرة، والقدس، طالما كانت الطائرات والبالونات الحارقة تسقط في ساحتنا الخلفية. كما أنكم أنتم أيضا ضحايا قوتكم، وتراص صفوفكم وقدرتكم الفائقة على الصمود. مناعتكم الاجتماعية وربما الاقتصادية أيضا. أنتم لستم مساكين ولا متمسكنين، لا تهددون الحكومة بتصفية الحسابات السياسية معها، ولا تعرضون قاعدة مصوتي نتنياهو للخطر. كما أنكم لا تنتمون الى هذه القاعدة، إذ إن الاغلبية الساحقة من مستوطني غلاف غزة ينتمون للاستيطان العامل، ونسبة المصوتين لـ»الليكود» في بلدات الغلاف طفيفة.
باختصار، ليس هناك لأحد في دار الحكومة في القدس ما يدعوه ليأبه بكم. ليس لديكم يوسي دغان، من «السامرة» الذي يدير عمليا الدولة وكل عطسة من ناحيته تهز شارع بلفور. وليس صدفة أن نتنياهو لم يزر حقولكم المحروقة منذ بدأ «ارهاب» الطائرات الورقية قبل 102 يوم. وحتى في تل ابيب انتم لستم في احاديث المقاهي، رغم انه احترق حتى الآن في غلاف غزة 40 الف دونم هي 80 في المئة من مساحة تل أبيب (اكثر بقليل من 50 الف دونم).
الحقيقة هي يا أمير انكم طبق الفضة المشتعل الذي يقيم عليه رئيس الوزراء ووزير الدفاع سياستهما التي مبدؤها واضح: حصانة تامة لـ»حماس». فقد وعد بنيامين نتنياهو، بصوته، باسقاط حكم «حماس» في غزة ما أن يعود الى الحكم. وهو حتى لا ينظر في الايفاء بذلك. «حماس» عزيزة على قلب نتنياهو أكثر منكم، لأن استمرار حكم «حماس» في غزة معناه استمرار الشلل السياسي، استمرار ازدهار فكرة «اللا شريك»، واستمرار ستار الوضع الراهن الذي يسمح للحكومة ايضا بسياسة الضم بحكم الامر الواقع في «يهودا» و«السامرة».
لو أراد، لكان بوسع نتنياهو ان يسقط «حماس» بسهولة اكبر من أي وقت مضى. فـ«حماس» توجد اليوم في نقطة الضعف الأعمق منذ قيامها. فهي محطمة على الارض. وهي مستضعفة، محاصرة، سلاح الانفاق سحب منها تماما تقريبا، ولا يوجد تأييد دولي لها، ولا احد حقا معني بمصير يحيى السنوار واسماعيل هنية. بل العكس، كلما ضُربا هكذا سيفرح الجميع.
نتنياهو تحدث عن حلف اقليمي؟ فها هو، توجد له فرصة ذهبية لان يقيم مثل هذا الحلف مع هدف واحد: التخلص من «حماس». لو فعل هذا لوجد الى جانبه الرئيس المصري السيسي، الذي يرى في «حماس» عدوا جديرا بالموت. وكذا محمد بن سلمان السعودي، الذي يحب «حماس» تقريبا مثلما يحب بيبي وسارة ميني نفتالي. الاردن، دول الخليج، الاميركيون، قسم من الاوروبيين وبالطبع ايضا السلطة الفلسطينية. ولكن نتنياهو لا يريد. فسحق «حماس» سيضر بسياسته، بالوضع الراهن بكل ثمن، وبالقطيعة السياسية.
إذاً، فلتحترقوا انتم قليلا، ماذا يمكن أن يكون؟ تضحيتكم تتقزم امام الانجاز العظيم لنتنياهو. هذا لا يعني أنه يريد أن تعانوا. تماما لا. كان يسره جدا لو ان معاناتكم تنتهي، ولكنه ليس مستعدا لان يضحي بسياسته كي يحصل هذا. هذا حقه. قلبه ليس قاسيا امام معاناتكم، يا امير. ولكن سياسته تتعارض ومصلحته. الحقيقة هي ان هذه السياسية تتعارض ايضا ومصلحتنا. كل من يفهم شيئا ما في مكافحة الارهاب يعرف بانه من المحظور السماح لمنظمات الارهاب المتعطشة للدماء بالسيطرة على ارض اقليمية.
لقد استثمر الغرب طاقة هائلة في سحق «الدولة الاسلامية» وتقليص مجال المعيشة لـ«القاعدة» بالضبط لهذا السبب. وحده نتنياهو يترك لمنظمة «ارهابية» فريضتها الدينية العليا، وهي ابادة اسرائيل، تزدهر في ارض اقليمية تسيطر عليها بسيادة كاملة، بينما تحرك باللهيب طرفنا. بل ثمة شيء آخر يا أمير: لا تحبس انفاسك. حتى لو تدهورت اسرائيل الى مواجهة اخرى مع «حماس» في غزة، فلا اعتقد حقا بان نتنياهو سيسير هذه المرة حتى النهاية، كما وعد. وسيعرف كيف يمتشق في اللحظة المناسبة ويسرب استعراضا آخر ما للجيش الاسرائيلي او تحذيرا من المخابرات او وثيقة سرية لعيزار سايدوت تثبت بانه لا مفر، لا يمكن، خطر الآن، ليس مجديا، الاميركيون ليسوا مستعدين او شيء ما كهذا، كي يهرب بسلام الى الديار ويواصل الحلف الاستراتيجي المهم له مع المنظمة التي تحاول تصفية دولة اسرائيل. هذه هي الحقيقة يا دكتور بيلغ. سيتعين علينا، اي يتعين عليكم ان تعرفوا كيف تتعايشوا معها.