:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/16986

العودة عن أوسلو.. العودة إلى أين؟

2018-09-27

خمسة وعشرون عاماً على توقيع اتفاق أوسلو، شكلت محطة سياسية بامتياز، أدلى فيها الكثيرون، فلسطينيين وعرباً وأجانب، بآرائهم وتقييماتهم، وتقديراتهم واقتراحاتهم. والتقى الصف الأوسع، على فشل الاتفاق في تحقيق ما وعد به من «سلام» و«حل للنزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي». بل واتفقوا على أن الاتفاق قد أسهم في تفاقم النزاع، وألحق الأذى بالقضية الوطنية الفلسطينية، وتدهورت الأوضاع الاقتصادية في المناطق المحتلة، أو باتت على وشك الانهيار تحت الحصار الإسرائيلي. كما أنه لم يحل ضد أن تشن إسرائيل أعمالها العدوانية ضد الضفة في موجات متتالية، كان أبرزها اجتياح العام 2002، وضد قطاع غزة، كان أبرزها الحرب العدوانية في صيف 2014. كما شكل الاتفاق غطاء سياسياً لتصعيد الأعمال الاستيطانية التي عبرها تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة إلى حوالي أربع أو خمس مرات (في الحد الأدنى) وقد بات الفلسطينيون، في ظل هذه السياسات «أقلية» في القدس المحتلة، أما في مناطق الـ48 فقد ازداد الإنزياح السياسي الإسرائيلي نحو اليمين، ونحو المزيد من التهميش والإقصاء للفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، وبلغت ذروة الإنزياح اليميني، بإصدار قانون القومية الذي أعلن إسرائيل دولة يهودية ووطناً قومياً للشعب اليهودي في العالم، وأقصى من المعادلة السياسية الشعب الفلسطيني.
أما على صعيد النظام السياسي الفلسطيني، فقد تراجعت الأوضاع يوماً بعد يوم. وعبر سياسة تراكمية، جرى إضعاف وإقصاء المؤسسات الوطنية وتهميش دورها لصالح «المطبخ السياسي»، وباتت السياسات الانقلابية على ما يتم التوافق والاتفاق عليه ظاهرة سياسية طاغية. وأدت الانقسامات والتجاذبات، خاصة بين حركتي فتح وحماس، إلى تعطيل المؤسسة التشريعية في السلطة الفلسطينية، وبروز ظاهرة «ازدواجية السلطة»، في الضفة من جهة، وقطاع غزة من جهة أخرى، وتراجعت إلى حد خطير ثقة الشارع بالطرفين معاً، وبجدوى الإستراتيجية السياسية المعتمدة، هنا أو هناك، وأصيبت الحركة الشعبية الفلسطينية بأضرار مؤذية عطلت عليها إمكانيات التقدم إلى الأمام في النضال الميداني ضد الاحتلال والاستيطان.
ومما زاد في الطين بلة، وأضاف إلى الكوارث الوطنية كارثة إضافية، هو تبني السلطة الفلسطينية لسياسة اقتصادية تستجيب وترضخ لشروط صندوق النقد الدولي، كما ارتفع منسوب القمع على يد الأجهزة الأمنية في السلطة، وتدخلها في الشأن السياسي، كما تحول القضاء، بيد القيادة الرسمية إلى أداة لتصفية الحسابات مع المجتمع، وفقد استقلالية المفترضة.
باختصار،خرجت نتائج تقييم ربع قرن من عمر اتفاق أوسلو، بالدعوة إلى العودة عنه. لكن السؤال الذي تباينت حوله الإجابات وتنوعت هو: العودة إلى أين؟ هل لأوسلو جديد، كما اقترح أحمد قريع ( أبو علاء) أحد كبار صانعي الاتفاق الكارثة. أم إلى مبادرة سياسية أطلقها الرئيس عباس في 20/2/2018 في مجلس الأمن الدولي وأكد عليها في 30/4/2018 في الدورة الـ23 للمجلس الوطني الفلسطيني. أو تكون العودة إلى «حل الدولتين»،أو«الدولة الواحدة»،أو«الدولة الديمقراطية». أم إلى البرنامج الوطني الفلسطيني بشعاره الذهبي الصامد على مدى حوالي 45 عاماً «العودة وتقرير المصير والدولة الوطنية المستقلة».
الأمر يستحق ويتطلب النقاش.
(2)
أحمد قريع (أبو علاء) أحد كبار صانعي الاتفاق. وله في هذا المجال مؤلف ضخم سرد فيه تفاصيل الرحلة إلى الاتفاق وتطبيقاته. يقول رداً على سؤال إنه لو عاد به الزمن إلى 13/9/1993، تاريخ توقيع الاتفاق في حدائق البيت الأبيض في واشنطن، لقام مرة أخرى بالتوقيع على الاتفاق دون تردد؛ معتبراً أن الخلل ليس في الاتفاق، بل في التطبيق. [نغمة يرددها كثير من الاشتراكيين والإسلاميين في الدفاع عن تجاربهم الفاشلة: الخطأ ليس في النظرية بل في التطبيق، متجاوزين قاعدة جوهرية، لا تفصل بين فهم النظرية والتطبيق وتأثير التطبيق على النظرية وكيف ينشأ مع التطبيق مفاهيم تعتبر نفسها جزءاً من النظرية).
ويعتبر قريع أن الخطأ الذي ارتكبه المفاوض الفلسطيني، ليس التوقيع على «الاتفاق ـــــ الكارثة»، بل لأنه لم يلجأ إلى تحكيم الولايات المتحدة عند نشوب الخلافات على طاولة المفاوضات. ورأى قريع أن الحل هو في اللجوء إلى التحكيم .وفي هذا يتجاهل قريع الأمور التالية:
• أن الاتفاق كان ثنائياُ، تمً خارج الأمم المتحدة ومؤسسات الشرعية الدولية. وهو ملزم للطرفين، لكن الالتزام يكون على الدوام تحت تأثير موازين القوى، وبالتالي الالتزام للطرف الضعيف يكون أقوى.
• أن الاتفاق لم يستند إلى قرارات الشرعية الدولية كمرجعية، ولا إلى الأمم المتحدة كراعية. حتى عندما أثيرت مسألة قرارات الشرعية الدولية (242 + 194) اتفق الطرفان، «أن ما يتم الاتفاق عليه هو التطبيق العملي لقرارات الشرعية الدولية». وبذلك تكون إسرائيل قد نجحت، ويكون المفاوض الفلسطيني قد رضخ، لآلية تفاوضية، تستبعد تفسير اللجان القانونية للأمم المتحدة لقراراتها، لصالح الإذعان للتعنت الإسرائيلي. وتحولت «قرارات الأمم المتحدة» (حسب ادعاء الطرفين) إلى غطاء لممارسات احتلالية استيطانية، وتطبيقات فاسدة للقرار، لعل أكثرها فجاجة القبول (على سبيل المثال) ببقاء المستوطنين في مدينة الخليل، والرضوخ لقرار التقاسم الزماني والمكاني للحرم الإبراهيمي.
• وأخيراً، وليس آخراً، لا ندري إذا كان أبو علاء قد أطلع على اعترافات صائب عريقات حول التنازلات المجانية التي قدمها المفاوض في أوسلو، أو اطلع على ما كتبه في كتابه الشهير «الحياة مفاوضات» حول الدور الأميركي في «رعاية» المفاوضات، وكيف أن المفاوض الفلسطيني كان يقف في مواجهة طرفين توحدت مواقفهما في مواجهته، هما إسرائيل والولايات المتحدة.
هل هي مكابرة من قريع، أو تجاهل للوقائع، أو محاولة لتبرئة الذات من الكوارث التي لحقت بالشعب الفلسطيني، أم هي إدانة لمن خلفوه في إدارة المفاوضات ممن هم في مركز القرار حالياً، أم هي كل هذا دفعة واحدة؟
(3)
بعد حوالي شهر على انتهاء أعمال دورة المجلس المركزي (15/1/2018) التي أعلن فيها قراراته بتعليق الاعتراف بإسرائيل، وطي صفحة أوسلو، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، ونقل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، بما فيها الدعوة لمؤتمر دولي تحت إشراف المنظمة الدولية، وبرعاية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبموجب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، تقدم رئيس السلطة إلى مجلس الأمن الدولي، بمبادرة، باتت تسمى «رؤية الرئيس» دعا فيها إلى استئناف المفاوضات، في ظل مؤتمر دولي، ينعقد لمرة واحدة، كمؤتمر أنابوليس، يعود بعدها الطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى المفاوضات الثنائية، وفق الآليات التي أقرها اتفاق أوسلو، للتفاوض حول ما يسمى بقضايا الحل الدائم.
وباتت هذه «الرؤية» هي السياسة المعتمدة من قبل «المطبخ السياسي» في انتهاك واضح لقرارات المجلس المركزي (15/1/2018) وبعدها قرارات المجلس الوطني (30/4/2018)، رغم أن الرئيس أبو مازن دعا المجلس إلى تبني هذه الرؤية، لكن دون أن تتم الاستجابة لدعوته، غير أن المجلس المركزي الذي انعقد في، 15/8/2018 لفق صيغة، شكلت خلطة سياسية، دعا فيها إلى مؤتمر دولي، وتمسك بالمبادرة العربية، وتبنى«رؤية الرئيس»، في تحايل واضح وانتهاك سافر لما سبق من قرارات، بما في ذلك قرارات المجلس الوطني نفسه، ما يؤكد أن السياسة العملية المعتمدة من قبل القيادة الرسمية، ومطبخها السياسي مازالت هي رؤية «الرئيس»، أي العودة إلى أوسلو، لكن بعبارات يراد منها التمويه على الحقائق، والالتفاف على الانتقادات،والتغطية على الكوارث السياسية التي ألحقها الاتفاق بالقضية والحقوق الوطنية.
فما بات يسمى بـ «رؤية الرئيس»، ما هي إلا طبعة غير منقحة لاتفاق أوسلو، لأنها ما زالت تدعو إلى حصر المفاوضات بقضايا الحل الدائم أي تجزئة القضية إلى ملفات، يتم التنازل في كل منها على حدة : التنازل عن خط الرابع من حزيران (عبر القبول بتبادل الأرض ما يقود عملياً إلى تشريع الاستيطان، والاعتراف بمبدأ ضم المستوطنات لإسرائيل)، والقبول بحل متفق عليه لقضية اللاجئين (أي عملياً الاعتراف بحق الفيتو الإسرائيلي على حق العودة لصالح الحلول البديلة)، وكذلك التنازل عن السيادة (عبر القبول بطرق ثالث على الحدود لمراقبة الحركة بين ذهاب وإياب، على غرار اتفاق معبر رفح (2005) مع حكومة شارون).
وما دامت التنازلات باتت أساس التفاوض، كما اعترف صائب عريقات لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، وما دامت مرجعية مفاوضات أوسلو، هي المفاوضات نفسها، وما دام ما يتم الاتفاق عليه هو «التطبيق العملي» لقرارات الشرعية الدولية، فمعنى ذلك أن أوسلو، مازال هو السياسة المعتمدة. يؤكد ذلك تعطيل «المطبخ السياسي» لقرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني، ويؤكد ذلك أن السياسة اليومية التي ما زالت تتبعها حكومة السلطة الفلسطينية تقوم على الالتزام باتفاق أوسلو وبروتوكول باريس. إذن، «مبادرة الرئيس»، أو«رؤية الرئيس»، هي مراوحة في المكان، تحت سقف أوسلو، وفي مستنقعاته الكارثية.
(4)
هل تشكل العودة إلى «حل الدولتين» بديلاً لاتفاق أوسلو؟
«حل الدولتين» مبادرة أميركية أطلقها الرئيس الأسبق بوش الابن، ووزير خارجيته كولن باول. وهي أطلقت لتدعيم اتفاق أوسلو، وقطع الطرق على البرنامج الوطني:
• «حل الدولتين» يقوم في الأساس على أن إسرائيل، دولة يهودية و«الوطن القومي للشعب اليهودي»، مقابل دولة فلسطينية تشكل «الوطن القومي» للشعب الفلسطيني. تطبيقات هذا، تعني الاعتراف «بحق إسرائيل في الوجود»، وبشرعية «قانون العودة» اليهودي، وشرعية الهجرة اليهودية لإسرائيل، مقابل إسقاط حق العودة أمام اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.
• مادامت هناك دولة قائمة هي إسرائيل، فلماذا الحديث عن «حل الدولتين» وليس عن حل لإقامة دولة فلسطينية، في سياق استكمال تطبيق القرار 181/قرار التقسيم/ وقرار 242 الذي ينص على الانسحاب الإسرائيلي وعدم جواز استيلائها على الأرض المحتلة بالقوة.
الجواب واضح: إسرائيل لم تعلن حتى الآن حدودها النهائية. وإن كانت قد رسمت بعض ملامح هذه الحدود في جدار الفصل والضم العنصري، ثم أطلقت أفكاراَ جديدة تقول إن حدودها هي الخط الفاصل مع الأردن، وإن لا مكان لدولة ثالثة بين الأردن وإسرائيل.
واستندت في هذا إلى الموقف الأميركي الجديد الذي بات يقول:«إن قيام دولة فلسطينية لم يعد شرطاً لازماً لقيام سلام في منطقة الشرق الأوسط». إذن أحد أهداف «حل الدولتين» هو التأكيد على مبدأ «استكمال قيام دولة إسرائيل»،عبر رسم حدودها النهائية، بالمفاوضات، وبحيث يتم الاعتراف بها من قبل الفلسطينيين والعرب. والحدود التي تريدها معترفاً بها هي «الحدود الآمنة». ووحدها إسرائيل من يرسم معنى «الحدود الآمنة»، والتي ستعني، فيما يعنيه، تواجد قوات الاحتلال على الحدود مع الأردن، وبقاء«مواقع إنذار مبكر» على قمم جبال الضفة الفلسطينية، ودوريات إسرائيلية، وخطوط مواصلات آمنة بين الحدود، والمواقع والعمق الإسرائيلي، وبقاء الأجواء والمياه الإقليمية الفلسطينية تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية.
أما ما يتبقى بعد هذا، من علامات «الدولة» فهو الذي من شأنه أن يشكل «الدولة الفلسطينية» في إطار «حل الدولتين».وكما قال أحد المحللين مرة:فإن «حل الدولتين» حول الوسط بين البرنامج الوطني وبين الإدارة الذاتية المسماة سلطة فلسطينية، أي أنها إدارة ذاتية ــ ذات صلاحيات ومسؤوليات إدارية أوسع، بما في ذلك الإبقاء على «علامات الدولة» من مسميات ومظاهر ووزارات وممثليات وقنصليات وسفارات، وشرطة برتب وشارات مذهبة وغيرها. لكنها فاقدة للسيادة، ودون الحد الأدنى من الحقوق الوطنية المشروعة، كما صاغتها المؤسسات الشرعية الفلسطينية، والبرنامج الوطني، واعترفت بها الشرعية الدولية واعتبرتها «غير قابلة للتصرف».
إذن، العودة إلى «حل الدولتين» هي في حقيقة الأمر عودة إلى ما يمكن تسميته «بقايا أوسلو».
(5)
تكمن مأساة الفريق الذي يدعو لحل «الدولة الواحدة» بديلاً لاتفاق أوسلو، أنه يستند إلى سياسة(هي في الواقع ليست بالسياسة بالمعنى العلمي) سندها موقفان رئيسيان فيهما قفز عن الواقع وتشويه له:
• الموقف الأول يعتبر أن أساس أوسلو هو البرنامج الوطني (أي البرنامج المرحلي الذي اعتمدته م.ت.ف العام1974). وخلفية هذا الموقف تعود في جذورها إلى رفض مبدئي للبرنامج المرحلي، ثم التمويه عليه لفترة ما، إلى حين الكشف عن أوسلو، فانطلق الرأي الذي يحمِّل البرنامج المرحلي (وليس القيادة السياسية الرسمية) مسؤولية اتفاق أوسلو، بذريعة أنه لولا البرنامج المرحلي لما ذهب ياسر عرفات وفريقه إلى أوسلو. وعلى هذا المنوال، استمر هذا الفريق في نقد البرنامج المرحلي والتهجم عليه، والمساواة بينه وبين«حل الدولتين»، بينما كان هذا الفريق يلتزم الصمت إزاء فريق أوسلو، بل إن بعض أطراف هذا الفريق التحقت بقيادة أوسلو واتخذت موقف الدفاع عن سياستها التنازلية. إذن، الدعوة إلى «الدولة الواحدة» كمشروع يستحق النقاش الموضوعي في إطاره التاريخي، تحولت على يد البعض، في موقف صبياني مراهق إلى منصة لإطلاق النار على البرنامج المرحلي، و«تهدئة» مع مشروع أوسلو.
• الموقف الثاني يحاول أن يوحي، وأن يقنع الرأي العام أن الاستيطان، قضى على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، متواصلة، وقابلة للحياة، في الضفة الفلسطينية، وأدى إلى وقائع جديدة، أصبحت فيها المناطق المحتلة عام 1967، ما يشبه مناطق الـ 48. أي وجود شعبين، فلسطين من جهة، ويهودي من جهة أخرى. وأن هذا التحول الجغرافي، والديمقراطي، يستوجب الرد عليه بالدعوة إلى «الدولة الواحدة».
ويرى فريق هذه الدعوة أن من شأن ذلك أن يحرج إسرائيل أمام الرأي العام الغربي، وأن يؤكد للعالم أن الفلسطينيين لا ينوون القضاء على إسرائيل، وأنهم على استعداد للعيش معها في دولة واحدة.وأن النضال في ظل«الدولة الواحدة» سيحول من نضال من أجل تقرير المصير، والحقوق الوطنية والقومية، إلى نضال من أجل «الحقوق الإنسانية»، و«حقوق المواطنة»،على غرار نضالات الفلسطينيين العرب في إسرائيل. وهذا، حسب رأي أصحاب هذا المشروع،من شأنه أيضاً أن «يوحد» الشعب الفلسطيني، جغرافياً وبرنامجياً.
غير أن هذا المشروع، بالصيغة الشوهاء التي تم عرضه فيها، يشكو العديد من الثغرات أهمها:
• أنه لم يقدم جواباً على مسألة اللاجئين وحق العودة. هل يعودون أم أن «الدولة الواحدة» تعني المناطق المحتلة عام 67. وإذا كان المشروع ينص على العودة، ففي أي سياق تكون العودة، وإلى أين، وبموجب أي قرار. فالعودة، مثلاً، بموجب القرار 194 تعني الاستعانة ببعض بنوده، وهو واحد من أهم بنود البرنامج المرحلي.
• أنه لم يقدم جواباً على الاستيطان، هل يتحول إلى استيطان شرعي، مادام يقوم على أرض «الدولة الواحدة». أم أنه يبقى استيطاناً غير شرعي. خاصة أن «الدولة الواحدة» تعني أن الضفة الفلسطينية، وقطاع غزة، أصبحا جزءاً لا يتجزأ من الدولة الإسرائيلية، مما سيعطي حكوماتها الحق في الإدعاء أن البناء في الضفة عمل سيادي مثله مثل البناء في تل أبيب. وهذا معناه في التطبيق العملي إسقاط قرار مجلس الأمن الدولي، 2334، وغيره العشرات من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، وقرارات حكومات غربية وشرقية، تعتبر الاستيطان انتهاكاً للشرعية الدولية وللقانون الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وعقبة في طريق السلام.
خلاصة القول إن مشروع «الدولة الواحدة»، الذي حاول البعض عبره الهروب من استحقاقات البرنامج الوطني لا يملك عناصر الحياة، بل هو مولود ميت، ولد في الزمان، والمكان والسياق السياسي الخطأ. لا لشيء، سوى لتأكيد النزعة الرفضوية ومحاولة ارتجاعية لإنصاف هذه النزعة، وتبريرها تاريخياً.