:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/1702

الجاليات الفلسطينية في اوروبا

2013-10-02

مقدمة:
يزداد أبناء الشعب الفلسطيني في اللجوء والشتات عددا ويزداد الحديث عنهم وعن دورهم خاصة في ظل ما يحاك لإسقاط حق العودة الذي يمس ويهم كل فلسطيني أينما وجد. هذا الدور شبه مغيب لأسباب سأحاول هنا حصرها وإقتراح حلول لها مع برنامج عمل مقترح، وذلك لتفعيل دور الجاليات في الشتات عموما وفي أوروبا خصوصا ليستمر التواصل مع وطننا الأم حتى تحقيق الحلم بالتحرير والعودة.
لمحة تاريخية:
خاض الشعب الفلسطيني خلال القرن الماضي صراعا مريرا ومتصلا في ظل إنحياز عالمي كامل ضده وتآمر إقليمي ودولي أسفر عن ضياع فلسطين على مرحلتين وتشريد مئات الآلاف من أبناء فلسطين وتهجيرهم من وطنهم الأصلي ليتوزعوا على مناطق اللجوء والمهجر وليبدأوا رحلة عذاب جديدة لإثبات الذات وبناء مجتمعات الشتات والتواصل مع الوطن السليب وإبقاء حلم التحرير والعودة حيا يورثه الآباء لأبنائهم.

لم تكن الدول الأوروبية ملاذا أساسيا لموجات الهجرة القسرية الأولى عام 1948 التي أجبرت الفلسطينيين على مغادرة الوطن كما هو الحال بالنسبة للدول العربية المجاورة لفلسطين، باستثناء بريطانيا التي هاجر إليها البعض عام 1948 لينشأوا نواة لمجتمع جديد.

تغير هذا الوضع بعد هزيمة عام 1967 والممارسات القمعية للإحتلال والتي حولت أبناء فلسطين إلى لاجئين داخل وطنهم وكذلك الضغوطات والإجراءات التشديدية من قبل الدول المضيفة للاجئين وإمتداد المواجهات المسلحة لما عرف بدول المواجهة والتي أدت جميعها لموجة نزوح جديدة وهجرة نحو المنافي البعيدة والتي كان للدول الأوروبية منها نصيب.

شكّل الطلبة الجزء الأساسي من موجات الهجرة الجديدة خاصة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا مما يفسر إرتفاع نسبة المتعلمين من الفلسطينيين في بعض هذه المجتمعات. بعد ذلك وصل الآلاف خاصة من مخيمات لبنان بعد إجتياح عام 1982 إلى الدنمارك وهولندا والنرويج والسويد وألمانيا.

الموجة التالية كانت بعد إندلاع الإنتفاضة الأولى خاصة بعد قرار الحكومة الألمانية قبول طلبات اللجوء من أبناء الضفة والقطاع مما يفسر إرتفاع عدد أبناء قطاع غزة خاصة في مدينة برلين.

آخر موجات الهجرة الجماعية كانت عقب حرب الخليج الثانية حيث إلتحق العديد من سكان الخليج من الفلسطينيين الميسورين نسبيا بأبنائهم المتواجدين في الشتات خاصة بريطانيا وفرنسا، إضافة لأميركا الشمالية.

توزيع الجاليات وخصائصها:

حصر أعداد الفلسطينيين في أوروبا مسألة شاقة ومعقدة لعدة أسباب أهمها غياب أي حصر رسمي لهم خاصة في ظل القوانين المحلية التي لا تعترف بهم في كثير من الأحيان كجنسية أو فئة أو أقلية منفصلة بل تضعهم ضمن تقسيمات مثل (من الشرق الأوسط- آخرين) أو تردهم للدول التي قدموا منها كتصنيف حملة الوثائق حسب البلدان التي أصدرت تلك الوثائق أو إعتبارهم دون وطن – (Stateless ).يقدر العدد بشكل عام بحوالي 200000 حسب المجلس الأوروبي موزعين كالتالي ألمانيا 80000 - الدنمارك 20000 - بريطانيا 15000 – السويد 9000 وفرنسا 3000 ولكن للأسباب السابقة الذكر فإنه بحكم المؤكد أن العدد الإجمالي أكبر من ذلك بكثير حيث تشير بعض التقديرات إلى أن عدد الفلسطينيين في ألمانيا وحدها يتجاوز ال 200000 وفي بريطانيا حوالي 50000 وكذلك الدول الأخرى والتي لم يشملها تقدير المجلس الأوروبي والتي يتواجد بها عدد لا بأس به من الفلسطينيين كهولندا وإيطاليا والنمسا وإسبانيا وغيرها.

بالرغم من الخصائص المشتركة التي تجمع الفلسطينيين في الشتات إلا أن هناك فروقات لا يمكن التغاضي عنها كالوضع الإجتماعي والخلفية الثقافية ودرجة التأقلم مع المجتمعات المضيفة وغيرها.

أهم الفروقات وبشكل عام هي أن الهجرات الجماعية الأولى أبرزت طبقة من حملة الشهادات العليا والذين إستطاعوا الإندماج في المجتمعات المضيفة بعكس الموجات الجديدة التي تعتبر أقل تعليما وأقل إندماجا في المجتمعات مع وجود نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل.سأحاول هنا تناول بعض الخصائص للجاليات الرئيسية في أوروبا حسب ما ورد في عدة بحوث كان أهمها ما نوقش في ورشة عمل خصصت للاجئين الفلسطينيين في أوروبا أقامتها كلية سان أنطوني بجامعة أوكسفورد عام 2000 وشارك فيها باحثون من مختلف الدول الأوروبية وعدة دراسات أخرى:

ألمانيا

ينطبق على ألمانيا ما ينطبق على غيرها من الدول وأعني هنا صعوبة الإحصاء والخصائص العامة وموجات الهجرة ويقدر عدد الجالية هنا بين 80000 و 200000 مع تركز عدد كبير منهم في مدينة برلين التي يقدر عدد الفلسطينيين فيها بعشرات الآلاف.تتشكل غالبية الجالية هناك من مجموعتين أساسيتين: لاجئين من مخيمات لبنان عقب الإجتياح عام 1982 ومن أبناء قطاع غزة عقب إندلاع الإنتفاضة الأولى عام 1987 ومعظمهم من الشباب.يغلب على أبناء الجالية هناك تدني المستوى التعليمي بشكل عام وصعوبات من ناحية اللغة والتخاطب وإنتشار البطالة والعمل في المهن الحرفية ويعتمد الكثيرون على المعونات الإجتماعية التي تقدمها الدولة، وهذا لا ينفي أن بعض أبناء الجالية حققوا نجاحات ملحوظة خاصة في مجال التجارة.

تعاني فئة السيدات في ألمانيا بشكل خاص من شعور عام بالإنطوائية والعزلة حيث تتشكل غالبيتهن من زوجات إلتحقن بأزواجهن. أيضا تجد النساء الفلسطينيات في ألمانيا صعوبة في التعامل مع أبنائهن لضعفهن في اللغة الألمانية التي يجيدها الأبناء.

تتميز الجالية في ألمانيا وبشكل عام بإنعدام التنسيق بينها وتوجد عدة جاليات رسمية في المدن الرئيسية بل أحيانا أكثر من جالية في المدينة الواحدة دون تنسيق يذكر أو فعل حقيقي.الدول الإسكندنافيةتشترك الجالية الفلسطينية في الدول الإسكندنافية وبشكل كبير مع ألمانيا في الخصائص ولكن يضاف إليها أن الكثيرين من أبناء الجالية فيها يعاني من أمراض نفسية تتعلق بتجاربهم المأساوية السابقة وبخاصة Post Traumatic Stress Syndrome وكذلك من البطالة (حوالي 70%)وإنعدام الرغبة الحقيقية في التعليم (أقل من 5% يتجه نحو التعليم العالي).بشكل عام ينظر أبناء الجالية بعين من الشك والريبة لمحاولات دمجهم في المجتمعات المضيفة وبنظرة سلبية واضحة عبّر عنها أحد اللاجئين في الدنمارك بقوله: "نحن هنا في حالة تقاعد مبكر، في لبنان كنا نموت ببطء أما هنا فالموت سريع!" إضافة للتصادم الثقافي والإجتماعي بين المجتمعات الأصلية المحافظة نوعا والمجتمعات الغربية الأكثر إنفتاحا.

يلاحظ أيضا إرتفاع نسبة الطلاق بين أبناء الجالية وإنعدام التواصل والتباين الجغرافي مع غياب حضور فاعل وحقيقي لجالية منظمة.

متوسط أعمار أبناء الجالية الفلسطينية في الدول الإسكندنافية هو 40 عاما.

بريطانيا
تختلف الجالية الفلسطينية في بريطانيا عن مثيلاتها في ألمانيا والدول الإسكندنافية حيث وصلت موجات الهجرة الأولى في الأربعينيات عقب النكبة مباشرة وتلتها هجرات متعاقبة كان آخرها عقب حرب الخليج الثانيةعندما إلتحق عدد كبير من سكان الخليج الميسورين نسبيا بأبنائهم المقيمين في بريطانيا.الإتجاه العام هو تعليمي حيث حصل العديد من أبناء الجالية على شهادات عليا ويتبوؤن مراكز مرموقة خاصة في الجامعات والمستشفيات. كذلك هناك نجاحات على مستوى رجال الأعمال والذين يتركز نشاطهم داخل العاصمة لندن.رغم نشاط الجالية النسبي إلا أن حجم المشاركة الفعلي في القضايا التي تهم الوطن الأم يبقى محدودا خاصة من طبقة معينة تحاول الإنفصال عن مجريات الأمور في فلسطين والإندماج بشكل أكبر داخل المجتمع البريطاني المتعدد الأعراق خاصة في المدن الرئيسية حيث يتركز وجود الجالية بشكل رئيسي.يوجد أيضا عدد لا بأس به من طالبي اللجوء من الشباب والعائلات الذين لم ينظر في أمرهم بعد وهو ما يجعل وضعهم غير مستقر بشكل عام خاصة بعد صدور العديد من القوانين التي تقيد طلبات اللجوء.

فرنسا

يتشابه وضع الجالية في فرنسا بعمومياته مع وضعها في بريطانيا مع ملاحظة الفروقات التالية:

غياب أي تمثيل رسمي للفلسطينيين في فرنسا وإنعدام وجود المؤسسات حتى الأهلية مع ضعف واضح في التواصل وإندماج ملحوظ في المجتمع الفرنسي المبني على نظرية الإستيعاب والإندماج وهو ما كان له تأثير واضح على الجالية الفلسطينية صغيرة العدد هناك.

يعتمد حوالي 300 طالب فلسطيني دارس في الجامعات الفرنسية على دعم أسرهم من الخارج عكس الطلبة في ألمانيا الذين يعتمدون في الأساس على المساعدات الحكومية رغم قلة عددهم مقارنة بحجم الجالية هناك (حوالي 3000 طالب).برغم التنوع والإمتداد الجغرافي للفلسطينيين في أوروبا في الدول المذكورة وغيرها التي تفتقر لأية إحصاءات أو دراسات رغم تواجد أعداد لا بأس بها من أبناء فلسطين فيها، يتضح أن الجاليات الفلسطينية في أوروبا تعيش حالة من التشرذم والتشتت وضياع البوصلة السياسية وفي بعض الأحيان ضعف الرابط مع الوطن الأم وكذلك التباين الكبير في نشاطاتها وإنجازاتها.

تعكس هذه الجاليات الصورة الأصلية للمجتمع الفلسطيني وكأنها مرآة تعكس طبقات وفئات وأفكار الشعب الفلسطيني ككل ففي هذه الجاليات المتعلم والثري والعاطل عن العمل والمفكر والثورجي والإنتهازي والناجح وغيرهم في نسيج غريب من الإيجابيات والسلبيات لكنها أيضا تختلف عن المجتمع الفلسطيني الأم بحكم وجودها في مجتمعات تختلف فكريا وإجتماعيا وثقافيا وفي بعض الأحيان مجتمعات عدائية ومتحيزة ضد حقوق الشعب الفلسطيني مما يضع تلك الجاليات في موقع المسؤولية ويفرض عليها إلتزامات وواجبات.