:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/17025

كلمة طيبة عن ترامب - هآرتس

2018-10-04

هآرتس 2/10/2018
بعد خمسة وعشرين عامًا على اتفاق أوسلو، فإن إمكانية حل الدولتين، والانفصال عن الفلسطينيين، آخذ في الاختفاء إزاء التغييرات على الأرض وتحصن الطرفين وراء مواقفهما. تحاول إدارة ترامب الآن اختراق الطريق المسدود، على طريقته المقدسة، عن طريق تكسير الأدوات.
من النادر أن تقدم هذه الإدارة المخبولة فرصة لقول كلمة طيبة في حقها. إن اختياره المتكرر لسياسة تكسير الأدوات يعكس عدم القدرة على فهم واقع مركب، وكان مصيرها الفشل. ولكن، هنالك حالات يكون فيها الطرفان متمترسان في مواقعهما، وبإمكان هزة قوية إنقاذهما من هناك. شخصت إدارة ترامب، بصورة صحيحة، أن القدس واللاجئين هما المسألتان الرئيسيتان، وهما اللتان تقتضيان تغيرات في موقعي الطرفين.
السنونو الأول، والبشرى الأولى، التي دللت على المقاربة الجديدة، كان اعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل. خطوة كهذه كانت مبارك بها بذاتها. بيد أنها تمت خارج إطار المفاوضات، وبدون طلب مقابل إسرائيلي لها. الخطوة الثانية كانت وقف المساعدة الأمريكية عبر الأونروا، وهي منظمة ملوثة، تسهم في تخليد اللاجئين والضحايا الفلسطينيين، وهذه خطوة أيضًا كانت إيجابية بذاتها، ولكنها تمت دون أن يتم الاهتمام منذ البداية بأنظمة مساعدة بديلة، ولهذا فإن من شأنها أن تؤدي إلى أزمة إنسانية وإلى عنف متعاظم.
سرعان ما اتضح أن هذه الخطوات كانت جزءًا من عملية أوسع، تضمنت اعتراضًا على مبدأين مقدسين للفلسطينيين: التعريف الخاص لهم وللأونروا؛ والذي يشمل بمقتضاه اللاجئين الفلسطينيين، ولا يشمل المهجرين الأصليين، بل كل أحفادهم على مر الأجيال. بعد ذلك هزت إدارة ترامب الأوصال في رام الله، عندما قالت إنه ليس بالضرورة أن تكون هناك دولة فلسطينية نتيجة وحيدة لعملية المفاوضات، وأن ثمة بدائل أخرى، مثل كونفدرالية مع الأردن.
لهذا، فقد وضعت الإدارة الأمريكية الفلسطينية أمام كيس مثقوب، انهيار لكل مواقفها وجهودها الدبلوماسية منذ أوسلو وحتى اليوم، وهذا أمر جيد.
إن كل من سعى حقًا للسلام يفهم أن الفلسطينيين يحتاجون إلى «هزة صحية»، هم من جانبهم، في موقع يمكنهم منه فحص أين أخطأوا، وتمسكوا بمواقفهم كالعادة، وألقوا اللوم على الإدارة، وبخطوة فشلهم جسدت أكثر من أي شيء آخر، قطعوا أي علاقة معها، بالرغم من أن العلاقات مع الولايات المتحدة كانت أحد الإنجازات الفلسطينية الأساسية لـ:اتفاقيات أوسلو. وفعليًا: فقد قررت الإدارة أن تفرض على الفلسطينيين بالقوة تغيير موافقهم. السؤال هو: هل هو مستعد لدفع الثمن؟ الإكراه يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية شاملة يرافقها تدخل مكثف. تلك هي ـ وليس كما هو معروف ـ مجالات التميُّز للرئيس. الإكراه يقتضي أيضًا إصرارًا واستعدادًا على ممارسة ضغوطات بمستويات من القوة تفوق قدرة الاحتمال للطرف الآخر.
بالنسبة للفلسطينيين فإن الأمر يتعلق بقضايا أساسية يصرون عليها منذ عشرات السنين. إدارة ترامب تجد صعوبة في التركيز على مسألة ما لمدة 10 ساعات.
هذا علاوة على أن للفلسطينيين روافع تأثير. مقاربة الإكراه ستواجه بمصاعب عندما تصرخ الدول العربية في وجع المعاناة، وفي وجه الجوع العام للفلسطينيين، أو عندما تقف إسرائيل أمام هجمات متزايدة من غزة وربما الضفة. وهناك مسألة حازمة أخرى هي أنه إذا كانت الإدارة فإنها ستريد هزّنا أيضًا.
مسألة حاسمة أخرى، هي: هل تريد «الإدارة الأمريكية» هزّنا وإيقاظنا نحن أيضًا. دلالة أولى للإجابة بالإيجاب هي إعلان الدعم لترامب بحل الدولتين. ثمة خطوات أكثر أهمية، فعلى سبيل المثال الاعتراف بعاصمة فلسطين في شرق القدس، ومطالبة بالسيادة على كل الأراضي التي تقع شرق الجدار ـ حوالي 90٪ من أراضي الضفة.
احتمالية أخرى مرتبطة بمسألة اللاجئين، فإذا أرادت الإدارة الأمريكية هز الطرفين، فإنه يستطيع أن يقترح عودة محدودة ومراقبة إلى مناطق أ، ب في الضفة، وعودة غير محدودة إلى غزة، وحتى إلى أجزاء من منطقة جـ، حتى قبل التسوية الدائمة.
ويأتي مقابل التخلي عن حق العودة، إنهاء العنف، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وإن اقتراحًا كهذا سيجبر إسرائيل على مواجهة الإجماع الذي يرفض أي عودة مهما كانت، وعلى الفلسطينيين أخذ قرار حاسم تاريخي: هل عليهم القبول بإنجاز محدود ولكنه ملموس وفوري، أم مواصلة تمسكهم العنيد بالحلم، الذي كما يبدو لن يتحقق للأبد.
الذين يستندون إلى بشارة أوسلو اعتادوا على تجاهل حقيقتين مؤلمتين: أولاً: هنالك شك كبير في ما إذا كانت الدولة الفلسطينية معتدلة، ومستقرة، ومزدهرة ومحبة للسلام. التجربة المريرة مع دكتاتورية فاسدة في الضفة والثيوقراطية المقاتلة في غزة، تدلل على أنه من المتوقع أن يكون لدينا دولة أخرة عربية وفقيرة، استبدادية، عنيفة وغير مستقرة.
ثانيًا: وصولاً للصورة المعهودة، فإن اتفاق أوسلو لم يحدد طابع الاتفاق الدائم، والاستعداد الإسرائيلي لدراسة بديل الدولة الفلسطينية، كان مشروطاً وبحق بتحقيق الفلسطينيين كلا هذين الشرطين الحاسمين: إظهار قدرة فعالة على الحكم والقدرة على منع الإرهاب. الفشل الفلسطيني المدوي وبكلا المجالين يلقي بظلاله على كل العملية السياسية.
حل الدولتين ضروري إذن، ليس لأنه علاج لكل أمراض النزاع، بل نظرًا لأن البدائل الأخرى أسوأ بكثير وتشكل خطرًا على المشرع الصهيوني. أحيانًا ومن أجل بناء واقع جديد يجب تكسير الأدوات.