:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/17131

..وماذا في مسقط؟-معتصم حمادة

2018-10-24

ماذا في مسقط (عُمان)؟
ولماذا يسافر إليها الرئيس عباس، قبل أيام قليلة من موعد انعقاد الدورة الـ29 للمجلس المركزي؟ هل للتشاور مع سلطان عمّان حول مخرجات المجلس، أم بشأن قضية خاشقجي، علماً أن القيادة الرسمية أصدرت بياناً بهذا الصدد أعلنت وقوفها غير المشروط الى جانب قيادة العربية السعودية؟ أم أن وراء الزيارة ما وراءها؟
من المعروف أن سلطنة عمان دولة تعيش في كنف الخليج العربي بهدوء سياسي تفتقر إليه العديد من الدول الأخرى. وإنها رغم عضويتها في اتحاد دول الخليج، إلا أنها تتخذ في بعض الأحيان مواقف تحاول خلالها أن تبتعد عن الصراعات المحورية والإقليمية، وأن ترسم لنفسها موقعاً يمكنها من لعب دور الوسيط والإطفائي للحرائق حيث تستطيع. هذا ما تصف به الدوائر السياسية الإقليمية، والدولية. وبالتالي يمكن السؤال بقوة عن مغزى زيارة الرئيس عباس الى مسقط للقاء السلطان ؟؟.
أولاً يجب الاعتراف أن زيارة الرئيس عباس إلى مسقط قبل انعقاد الدورة الـ29 للمجلس المركزي، إشارة تؤكد اطمئنانه إلى أن التحضيرات السياسية والإدارية لعقد المجلس قد اكتملت، وأنه لن يدعو الى حوار وطني عشية انعقاد المجلس، خلافاً للتقاليد التي كانت تتبعها القيادات الفلسطينية للتوافق على مخرجات اجتماع المجلس، وبحيث تكون هذه المخرجات ثمرة توافقات سياسية بين القوى المؤتلفة في م.ت.ف. ولعل آخر دورة مهدت لها اللجنة التنفيذية في حوار داخلي أثمر بياناً متوافقاً عليه، كانت دورة 5/3/2015، التي فتحت الباب أمام سياسة بديلة لاتفاق أوسلو، وارست الحجر الأساس لمرحلة، كان يفترض أن تشكل نهاية لأوسلو، لولا تعطيل القيادة الرسمية لما تم الاتفاق عليه. بعدها انعقد المجلس المركزي (15/1/2018) والوطني (30/4/2018) دون تحضير مسبق عبر حوار وطني. ما أدى إلى ما شهدته الدورة الـ 29 (18/8/2018) من مقاطعة للجبهتين الديمقراطية والشعبية وحركة المبادرة.
وبهذا المعنى فإن سفر الرئيس عباس إلى مسقط يوضح أن لا دعوة لحوار وطني يسبق الدورة الحالية للمجلس، متحملاً مسؤولية وتداعيات هذه الخطوة الانفرادية.
* * *
لا يمكن الفصل، برأينا، بين الزيارة، وبين ما طرأ على الموقف الأميركي من تداعيات بشأن «صفقة العصر».
• فالرئيس ترامب أعلن أن إدارته سوف تكشف عن تفاصيل صفقتها خلال أشهر قليلة، ربما نهاية العام الحالي، وعلى الأبعد خلال شهر كانون الثاني/يناير/2019.
• بنيامين نتنياهو، ولسببين رئيسين، طلب من ترامب تأجيل هذه الخطوة. السبب الأول ليستكمل مشاريعه الاستيطانية التي استندت إلى اعتراف الصفقة بالحق المزعوم لإسرائيل في الاستيطان، على الأقل ضمن المنطقة التي تفترض إسرائيل أنها ستضمها إليها في الحل الدائم مع الجانب الفلسطيني. أما السبب الثاني فهو أن يعلن عن الصفقة بعد تنظيم الانتخابات التشريعية الإسرائيلية، التي يراهن نتنياهو على تحقيق انتصاراً مميزاً فيها يعيده إلى سدة الحكم. إذ يتخوف نتنياهو أن يرد في الصفقة ما يضعف موقفه الانتخابي (كما يتوقع المراقبون).
• ترامب رد على هذا كله بالقول إن صفقته ستحمل للفلسطينيين مفاجآت سارة، وعليهم أن يتخذوا من الصفقة موقفاً ايجابياً إذا ما شاركوا في المفاوضات ستكون لهم حصة. إذا ما قاطعوا فلن تكون لمهم أية حصة وإذا ما عادوا لاحقاً عن المقاطعة فإن حصتهم ستكون بالضرورة أصغر وأقل شأناً. في موقف فهم منه الترغيب والترهيب للجانب الفلسطيني: إما أن تكون معي، وإما أن تستبعد من المعادلة السياسية.
• ترامب، أيضاً، أعلن أن «الصفقة» سوف تشير إلى القدس باعتبارها «عاصمة لدولتين». خطوة قرأها المراقبون محاولة لمد جزرة إغراء لشد انتباه الفلسطينيين، والتشويش على سياسة الرفض (الكلامي خاصة)، ومحاولة لفتح نافذة حوار مع الجانب الفلسطيني، تكسر قرار مقاطعة القيادة الفلسطينية للإدارة الأميركية، خاصة المبعوثين المعنيين بالعملية السياسية.
* * *
هل نجح ترامب في مناورته؟
في الخطوات العملية، حقق ترامب نجاحاً واضحاً، فقد كسر قرار مقاطعة القيادة الفلسطينية لمبعوثي الإدارة الأميركية، حين استقبل صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية، مبعوث ترامب، لاودر، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، أحد أركان اللوبي اليهودي المؤيد لحكومة نتنياهو. لاودر أبلغ عريقات المبادئ الثلاثة التي أعلنها ترامب بشأن الموقف من المفاوضات. كما ابلغه أن للفلسطينيين حصتهم في «الصفقة»، وأن القدس، سوف تعلن، في الصفقة، عاصمة للدولتين.
ما حمله لاودر إلى عريقات، خضع لدراسة من قبل القيادة الرسمية الفلسطينية واعتبرته إشارة إيجابية يجب التقاطها وعدم التفريط بها. بل اعتبرته خشبة انقاذ لموقف القيادة الفلسطينية العالق بين شقين لا يستطيع الخروج منهما.
الشق الأول قيود اتفاق أوسلو التي قبل بها طائعاً، وبنى عليها وراكم مصالح ومكاسب ونفوذاً في مجالات عدة، بات التراجع عنها مكلفاً لأصحابه، وبحيث بات الحفاظ على الوضع الراهن ضرورة سياسية تلبي مصالح الطبقة البيروقراطية المتربعة على رأس السلطة، والمتحالفة مع فئات من الكومبرادور ورجال المال والأعمال، المستفيدين من الحالة الاقتصادية المرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي. وهذا ما يفسر تعطيل القيادة الرسمية لقرارات المجلسين المركزي والوطني.
الشق الثاني التخوف من الانخراط في «صفقة العصر»، لأن من شأن ذلك أن يفقدها غطاءها الوطني، في ظل إدراك عميق أن صدامها الميداني مع الولايات المتحدة أمر يتطلب تضحيات بالكثير من مصالحها الطبقية، في مقدمها، موقعها في المعادلة السياسية الإقليمية كما ترسمها الولايات المتحدة. وهذا ما يفسر بقاءها عند حدود الرفض الكلامي للصفقة، بل وأحياناً تصعيد معارضتها اللفظية.
بناء عليه اتجهت القيادة الفلسطينية للتشاور مع العواصم العربية التي بينها وبين واشنطن أقنية حوار. ولما كانت الرياض مشغولة إلى حد الإنهاك بقضية خاشقجي توجهت القيادة الرسمية الى مسقط، للتشاور، حيث أن مدى إطلاع العاصمة العمانية على مجريات الأمور لا يستهان به، رغم صمتها السياسي والإعلامي. كما أن قنواتها نحو أكثر من عاصمة دولية، ومنها واشنطن تتيح لها أن تقدم للجانب الفلسطيني الإجابات التي يبحث عنها. لذلك يمكن قراءة زيارة الرئيس عباس إلى مسقط أنها تأتي في سياق محاولة قراءة ما تراه القيادة الفلسطينية «جديداً» في الموقف الأميركي، ومحاولة لدراسة مدى حدود هذا «الجديد»، وماذا يمكن أن تبني عليه من مواقف، خاصة وأن القيادة الرسمية لم تتوقف يوماً عن تلقي نصائح أوروبية وعربية، أن صفقة ترامب ستحمل «شيئاً ما» للفلسطينيين، وتطالب القيادة الفلسطينية الرسمية بـ«بالتعقل» بانتظار الكشف عن الخطة.
فهل نجح ترامب، مرة أخرى، في رمي الصنارة؟
وهل التقطت السمكة الفلسطينية الطعم؟