:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/17966

انهيار السلطة هو مس بأمننا - هآرتس

2019-02-07

في العقدين الاخيرين عرفت دولة اسرائيل تشخيص تهديدات خلف الأفق واستخدمت استراتيجية مشتركة، سياسية وعسكرية، قادت الى نتائج في منع تحققها أو في تأخيرها. هكذا مثلا عملت ضد التهديد النووي الايراني، تسلح حزب الله بقدرات دقيقة وجهود ايران للتمركز في سوريا.
مقابل ذلك يبدو أنه في النزاع الرئيسي مع الفلسطينيين ليس لاسرائيل استراتيجية متعددة الابعاد لتواجه الواقع المتشكل، وسياستها هي سياسة ردود افعال بالاساس. لقد نظرت الى المدى القصير وركزت على جانب رئيسي واحد – مهم جدا بحد ذاته – منع الارهاب والحفاظ على الهدوء.
التحدي الرئيسي الذي من شأنه أن يتشكل في السنوات القريبة القادمة هو انهيار أو التفكك التدريجي للسلطة الفلسطينية – التي وجودها هش اكثر بكثير مما يبدو. الفكرة التي على اساسها قامت السلطة، التي بدونها ليس لها حق في الوجود، تحقيق التطوعات الوطنية الفلسطينية بواسطة مفاوضات تسوية سياسية مع اسرائيل – آخذة في الضعف امام طريق المقاومة المسلحة لحماس. هذا المنحى ينعكس جيدا في الاستطلاعات، التي تظهر انخفاض حاد في ثقة الجمهور الفلسطيني بحل الدولتين.
إن ضعف فكرة التسوية تقود الى ضعضعة الاستقرار السياسي والجماهيري للسلطة. مواجهات في غزة وعمليات في الضفة تزيد شعبية حماس وشعبية البديل الذي تطرحه. اجهزة السلطة، التي تعمل لاحتواء المواجهات وتحمي التنسيق الامني القيم مع قواتنا، تفقد الشرعية وتعتبر كعميلة. كذلك الدعم السياسي الداخلي، الحاسم، لنشاطهم غير مضمون في نهاية ولاية أبو مازن، ذهابه من شأنه أن يفتح معركة على الخلافة مدمرة ويسرع توجهات التطرف في القيادة الفلسطينية.
السلطة تعمل تحت ضغوطات مالية شديدة وتعاني من نقص يقين اقتصادي مزمن. في غياب آفاق سياسية فقد تقلصت بشكل كبير المساعدات الدولية التي هي بحاجة اليها: الولايات المتحدة مست بالجزء المدني وبميزانية الاونروا التي تساعد في الحوكمة، تشريع في الكونغرس من شأنه أن يقود الى وقف باقي المساعدة الامريكية، بما فيها لاجهزة الامن؛ خصم اموال الضرائب التي تجبيها اسرائيل لصالح السلطة يحلق كتهديد دائم فوق رأسها. اذا كان الامر كذلك، فان سيناريو غرق السلطة ليس نظريا، بل من شأنه أن يتحقق. هذا في غياب أفق سياسي، وقاعدة شرعية تتقلص، انعدام اليقين الاقتصادي، ضغوط سياسية متزايدة ويأس، هذه تضع خطر حقيقي على وجود السلطة لفترة طويلة، ومن شأنها أن تضعضع المصلحة الاقتصادية والشخصية لكبار رجالاتها في مواصلة طريقها.
سيناريو كهذا يطرح تهديد استراتيجي خطير ومتعدد الابعاد على اسرائيل. على المستوى العملي، المسؤولية على مجمل نواحي الحياة اليومية لملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية ستنتقل اليها، دون أن يكون في يدها اجهزة وانظمة بيروقراطية مناسبة، أو مصادر للميزانيات الضخمة المطلوبة – هذه تقدر بعشرات مليارات الشواقل سنويا.
على الارض من المتوقع أن يزداد الاحتكاك بين الجيش الاسرائيلي والسكان الفلسطينيين وسيقتضي تكتيك متواصل للقوات – الذي سيبقي الجيش الاسرائيلي ملتصقا بمهام شرطية ومهام الامن الجاري على حساب المواجهة مع تحديات في الدائرة الثانية والثالثة. على المستوى السياسي سيزداد بشكل كبير الضغط، وستتآكل شرعية اسرائيل وستتضرر بشكل كبير مكانتها. على هذه الخلفية سيزداد اكثر ميل محكمة الجنايات الدولية لمناقشة نشاطات اسرائيل في المناطق، وبهذا سيكشف جنود الجيش الاسرائيلي ومواطنيها امام أوامر اعتقال واجراءات قضائية في الخارج.
معان خطيرة ليست اقل من ذلك ايضا من ناحية الجوانب الفكرية والوعي، التي يصعب وصف وقياس تعبيراتها العملية الملموسة. تفكك السلطة وتوسيع السيطرة الاسرائيلية الى درجة ضم فعلي، من شأنها أن تقود الى اختفاء فكرة الدولتين وتعزيز فكرة الدولة الواحدة، التي هي اليوم تجد تأييد متزايد في الساحة الفلسطينية. معظم الجمهور الفلسطيني الذي يريد الامتناع عن التعرض لضرر كبير في مستوى حياته، من شأنه أن يفضل المطالبة بالمساواة في الحقوق المدنية – ضمن امور اخرى – بسبب توقع نضوج عمليات ديمغرافية في العقود القادمة تقلص الاغلبية اليهودية بين النهر والبحر. باختصار، أمام ناظرينا يتم تشكل واقع تداعياته من شأنها أن تجبي من اسرائيل اثمان استراتيجية باهظة. اسرائيل يجب عليها اذا العمل وفقا لاستراتيجية بعيدة المدى من اجل تأخير تشكل التهديدات الخطيرة الموجودة في الأفق ومنع اخطاء لن يكون في الامكان اصلاحها في المستقبل.
بصورة ملموسة، الى جانب الحفاظ على وجود الجيش الاسرائيلي على الارض لاحباط الارهاب ومنع سيطرة حماس على اراضي الضفة الغربية – وهو شرط ضروري لكل عملية ايجابية – على اسرائيل أن تعزز السلطة الفلسطينية بكل السبل، وتشجع اقتصادها، على الاقل تطوير البنى التحتية لديها ومؤسساتها وتطهيرها من الفساد. في المقابل، يجب كبح العمليات التي تضعف السلطة مثل عمليات تشريع في الكونغرس، خصم الاموال واتهامها بالمسؤولية عن الارهاب – هذا في الوقت الذي تحبط فيه اجهزة امنها الارهاب وتوفر على اسرائيل الدماء، هذا حرفيا.
رغم الصعوبات، من المحظور على اسرائيل التنازل عن الجهود في احياء العملية السياسية. وجود مفاوضات هو أمر حاسم من اجل الحفاظ على فكرة الدولتين على الاجندة، ومنع بديل الدولة الواحدة. استئنافها سيوفر لاسرائيل شرعية ودفاع امام خطوات قضائية، وسيسرع توجهات التطبيع مع الدول العربية وسيبقي تراث وتوجه ايجابي ما بعد ذهاب أبو مازن. من اجل خلق احتمال لاستئناف الاتصالات السياسية على اسرائيل أن تعيد بناء قنوات اتصال فعالة على مستوى القيادات بدل القيام بشيطنة القيادة الفلسطينية.
وأخيرا، مطلوب مبادرة واسعة لحشد الساحة الدولية لتحسين الظروف في غزة، بحيث يكون ذلك خاضع لاحتياجات الامن، كذلك من اجل أن نتمكن من التركز في تحديات الشمال وايران.