:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/17982

يسار أو صهيونية- هآرتس

2019-02-09

أمران متناقضان. صهيونية ويسار. قيمتين متناقضتين، بحيث لم يعد بالامكان الامساك بهما معا. لقد حان الوقت للاعتراف بذلك. هنا يكمن التفسير الاكثر اهمية لهبوط اليسار في اسرائيل، حتى الحضيض الحالي له. اليسار سقط لأنه اضاع الطريق، فقدان الطريق كان مفهوما ويصعب منعه: اذا بقيت صهيونيا فأنت لم تعد تستطيع أن تكون يساريا. واذا كنت يساريا فأنت لم يعد بامكانك أن تكون صهيونيا.
الجرف الذي انشق بين المفهومين لا يمكن جسره. لا قيادة اخرى ولا توحيد القوى يمكن أن يساعد. الآن يجب الاختيار: يسار أو صهيونية. إما هذا أو ذاك. لقد انتهى حفل الاقنعة لكليهما. بالضبط كما يجب انهاء حفل اقنعة آخر – حفل اليهودية والديمقراطية. إما هذه أو تلك، وليس كلاهما.
خلال عشرات السنين اعتقد اسرائيليون كثيرون، واحيانا كانوا هم الاغلبية، بأنه بين الايمانين لا يوجد تناقض. يمكن الايمان بحق اليهود في دولة في ارض اسرائيل وفي نفس الوقت يمكن أن تكون يساري مستقيم تحب السلام والمساواة. لنترك جانبا التاريخ ولنسأل الى أي درجة كان يمكن حقا الايمان بهذين المفهومين دون نفاق. الآن السؤال هذا اصبح زائدا: هذا الامر لم يعد ممكن.
نقطة الانعطافة هي النقطة التي يتبين فيها أن حل الدولتين قد مات. يمكننا تجاهل اذا كانت هذه اللحظة قد وصلت أو أنها فقط تشق طريقها سريعا نحونا، لكن لا شك أن هذا الحل يوجد في وضع الاحتضار. يحتضر أو ميت. وفي كل الاحوال بعيدا اكثر من أي وقت مضى. يمكن أن نترك جانبا ايضا مسألة من هو المذنب وهل حكومات اسرائيل بما فيها حكومات اليسار الصهيوني كانت تنوي ذات يوم تطبيقه. الآن هو على فراش الموت.
النتيجة يصعب منعها: اذا لم يكن هناك احتمال لدولتين قوميتين فلا يوجد احتمال لليسار بالتحدث عن الصهيونية. لحل الدولتين يوجد بديلين: دولة ابرتهايد أو دولة ديمقراطية، كلاهما ثنائية القومية. الصهيونية ليس لها علاقة بهما. الصهيونية لم تعلن في أي يوم أنها تنوي اقامة دولة ابرتهايد في ارض اسرائيل، وكذلك ليس دولة يهودية – عربية فيها مساواة، دولة كل مواطنيها، مثل كل الدول. في الـ 52 سنة الاخيرة اختارت الصهيونية الاحتمال الاول. ليس هناك أي اشارة بأنها تنوي تغيير طريقها: اسرائيل تفضل أن تكون دولة ابرتهايد وليس دولة ديمقراطية، وهي تفعل كل ما في استطاعتها لتخليدها وترسيخها. ولو اعتبرت الامم المتحدة اليوم الصهيونية عنصرية فان أحدا عاقلا لم يكن يستطيع الوقوف ضد هذا القرار. الصهيونية التي أبقت الاحتلال كوضع دائم هي حركة وطنية متطرفة وعنصرية. فقط يمين وطني متطرف يمكنه تأييدها.
لقد وصلنا الى نقطة اللاعودة واجتزناها. وصلنا الى الروبيكون. ومن نقطة اللاعودة هذه لا يوجد طريق للعودة. الصهيونية التي كانت هي السقالة التي بنيت عليها الدولة يجب تفكيكها. ليس فقط لأنه لم يعد لها حاجة – البيت اصبح قائما وقويا – بل لأنها اصبحت غير ذات صلة، الآن تستخدم هذه السقالة فقط للتشنجات والخداع. نحن صهاينة تعني أننا جيدين ولذلك مسموح لنا كل شيء. هناك حاجة لشجاعة كبيرة واستقامة من اجل الاعتراف بأن الصهيونية أنهت طريقها. الحديث لا يدور عن ايديولوجيا، بل عن دين متعصب. وفي الدين محظور الكفر، غير صهيوني يعني خائن، وقريبا سيأتي التشريع.
ولكن لم يعد هناك خيار، حتى ولا الكذب الذاتي لليسار الصهيوني، الذي يواصل الادعاء بأنه يمكن هذا وذاك. عدد الاسرائيليين الذين هم مستعدين لمواصلة التمترس في هذا الكذب آخذ في التناقص. انظروا الى الاستطلاعات. ربما من الشر يأتي الخير. اسرائيل ربما لن تبقى دولة وحيدة التفكير، وستخترق الحوار اسئلة جديدة، مثل التي لم تواجهها في أي يوم.
بعد أن يخترق الوعي والاعتراف بأن الصهيونية تناقض الانسانية والليبرالية، وأنها ليست سوى قومية متطرفة وعنصرية مغطاة، سيطرح بكامل القوة سؤال ما هو بديلها. خيار اليسار يمكن أن يكون واحد: المساواة والديمقراطية في دولة واحدة، التي هي قائمة منذ ربع قرن وليس هناك أي اشارة على أنها ستتفكك. اذا شئتم، سموا هذا صهيونية.