:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/18169

القدس في خطة القرن-اسرائيل اليوم

2019-03-10

بعد لحظة من الانتخابات تعتزم الولايات المتحدة وضع خطة القرن “خاصتها” على الطاولة. وفي مركزها بند القدس. التوقيت موجه جيدا. فهو يستهدف اجبار كل اللاعبين في الساحة الاسرائيلية على التطرق للمخطط في سياق المفاوضات الائتلافية لتشكيل الحكومة الجديدة. اجزاء وافكار مركزية في الخطة سبق أن عرضت على اسرائيل والفلسطينيين وعلى السعودية، الاردن ومصر، ونحن ننشر هنا لاول مرة خطوط المخطط (وليس النهائي بالضرورة) بالنسبة للقدس، مثلما عرضت على الاطراف.
تقسم خطة ترامب عمليا القدس وتغير حدودها. فهي تخرج من النطاقات البلدية للمدينة، التي احل عليها القانون الاسرائيلي في 1967 المجالات الشمالية لكفر عقب ومخيم شعفاط للاجئين خلف الجدار، وتنقلها الى تخوم الدولة الفلسطينية، التي حسب الخطة ستقع على نحو 85 في المئة من اراضي يهودا والسامرة. كما أن احياء عربية في جنوب المدينة، مثل جبل المكبر وعرب السواحرة، ام ليسون وام طوبا، ويحتمل حتى صور باهر (المجاورة للاحياء اليهودية تلبيوت شرق وهار حوما) ستنتقل وفقا للخطة الى سيادة فلسطينية. وتبقي الخطة في ايدي اسرائيل، على الاقل في مرحلتها الاولى، صلاحيات امنية واسعة، في المناطق التي تخرج من القدس.
يميز الامريكيون مبدئيا بين تخوم القدس الاردنية سابقا في حدودها قبل 67، نحو 6 كيلو متر مربع فقط، والتي تضمنت نطاق البلدة القديمة والاحياء المحاذية لها، وبين الـ 64 كيلو متر المربع الاخرى التي ضمتها اسرائيل الى القدس بعد حرب الايام الستة وفيها 28 قرية لم تشكل في الاصل جزء من القدس.
وحسب مخطط ترامب، في اجزاء واسعة من المنطقة الاضيق، التي تقع في داخلها البلدة القديمة و”الحوض المقدس” ايضا، وكذا جزء من سلوان – مدينة داود، منطقة جبل الزيتون، منطقة شمعون الصديق – وادي الجوز – الشيخ جراح، جبل المشارف وعلى ما يبدو ايضا الثوري – ستبقى السيادة اسرائيلية. ومع ذلك، فان جزءاً من الاحياء العربية التي تقع في الدوائر الاوسع للقدس، ستنقل كما أسلفنا الى سيادة فلسطينية. الاحياء اليهودية الـ 12 التي اقيمت بعد 67، في مناطق القدس “الضيقة” (الاردنية) و “الموسعة” (28 قرية)، حيث يعيش اليوم اكثر من 220 الف يهودي، ستبقى بيد اسرائيل وبسيادتها.
سيادة وظيفية
مخطط ترامب اكثر سخاء تجاه اسرائيل من مخطط الرئيس الاسبق بيل كلينتون وكذا من اقتراحات مختلفة بحثت في مسيرة انابوليس. فقد سعى كلينتون لاحلال السيادة الفلسطينية على كل الاحياء العربية في شرقي القدس بما في ذلك على معظم البلدة القديمة وحول البلدة القديمة (باستثناء الحي اليهودي ومناطق قليلة اخرى). في مسيرة انابوليس (التي شاركت فيها حكومة اولمرت في عامي 2007 – 2008) جاء الحديث عن اقامة نظام وصاية تشارك فيه خمس دول في البلدة القديمة وفي الحوض المقدس.
اما مخطط ترامب، بالمقابل، فيبقي بيد اسرائيل السيادة على البلدة القديمة ومنطقة الحوض المقدس، والى جانب ذلك يتحدث عن اشراك الفلسطينيين في ادارة هذا المجال. اما الاصطلاح الذي استخدم في هذا السياق فهو “سادة وظيفية”، اي “منع صلاحيات في مجالات مختلفة، دون “سيادة عليا” التي كما اسلفنا ستبقى في يد اسرائيل. السيادة الوظيفية هي اصطلاح مع طيف واسع من الامكانيات، بدءاً بالمشاركة الادارية الرمزية للفلسطينيين من خلال مديريات جماهيرية أو احياء بلدية، وحتى حكم ذاتي اداري حقيقي، برقابة وتحت سيادة اسرائيلية في مجالات كالنظافة، الحدائق والطرق، الدين، التخطيط المادي، المواصلات، الاقتصاد بل والادارة وحفظ النظام البلدي.
في عهد رئيس بلدية القدس الراحل تيدي كوليك، جرت دراسات مختلفة في هذا المجال، وليس بالذات في سياق حل سياسي للمدينة. وكذا في معهد القدس للبحوث السياسية رسمت امكانيات اخرى في هذا الاتجاه. بقدر ما هو معروف، استخدم الفريق الامريكي الذي عمل على وضع الخطة هذه المواد، كمواد مساعدة ساعدته على وضع خطته.
اما اشراك الفلسطينيين في ادارة البلدة القديمة، حتى وان لم يكن في السيادة على المنطقة، فمن المتوقع أن يثير خلافا شديدا. فبرأي مسؤولين اسرائيليين كبار، تعد هذه وصفة لـ “الفوضى وتشويش الخطوط والصلاحيات، من شأنها أن تزيد التوتر، بدلا من ان تبدده”.
في هذه المنطقة يقع مجمع ديني وفي مئات المساجد، الكنائس والكنس التي في مركزها الحرم، الحائط الغربي وكنيسة القيامة. في البلدة القديمة يعيش باكتظاظ عال نحو 38 الف نسمة، نحو 90 في المئة منهم غير يهود وبالاساس مسلمون وقليل من المسيحيين والارمن، ونحو 10 في المئة يهود (نحو 3 الاف في الحي اليهودي ونحو 1.500 اخرون في الحي الاسلامي اساسا).
الأمن قبل الانفتاح
مسألة ثقيلة اخرى بحثت بين الامريكيين وبين اسرائيل والمحافل العربية والفلسطينية، التي عرضت عليها اجزاء من مخطط ترامب، هي طبيعة الحدود والفصل بين القدس الاسرائيلية والقدس الفلسطينية، بعد ترسيم الحدود الجديدة. والتطلع الاولي لكل الاطراف في المحادثات هو لابقاء القدس مدينة مفتوحة؛ وحدة مادية واحدة بلا حدود، العبور بين اجزائها يبقى حرا ومفتوحا سواء للاسرائيليين أم للفلسطينيين، حتى بعد ان يعاد تصميم حدود المدينة وتقسم السيادة فيها. ومع ذلك، ففي اوساط الامريكيين يسود فهم بانه في هذه النقطة يوجد فرق بين المرغوب والموجود، وذلك بسبب مشاكل أمنية قاسية تنطوي عليها الحدود المفتوحة.
لقد أعربت القيادة العسكرية والامنية في اسرائيل عن رأيها منذ جولات المفاوضات السابقة، في صالح حدود صلبة تمنع العبور الحر وتدرج فيها عشرات المعابر ونقاط الرقابة. وهذه يفترض أن تسمح بتفتيش ناجع ومنع وتقليص للارهاب والعمليات من جانب محافل متطرفة فلسطينية تعارض اليوم ومن المتوقع أن تعارض في المستقبل ايضا كل اتفاق وحل وسط. في الجولات السابقة من المحادثات اخذت القيادة السياسية بموقف القيادة المهنية، ولكن ليس واضحا ماذا سيكون بالنسبة للمخطط الحالي.
في اطار المحادثات مع الامريكيين عرض الطرف الاسرائيلي تحفظاته والصعوبة في تمرير خطة تقسيم من هذا النوع في الرأي العام، وطرحت افكار تخفف من حدة “الضربة”، مثل توسيع مساحة القدس الاسرائيلة في اتجاه معاليه ادوميم وشرقها بما في ذلك ازالة التجميد عن الخطة لبناء حي E1 (حي الربط بين القدس ومعاليه ادوميم) وكذا توسيع مساحة القدس جنوبا أيضا الى منطقة غوش عصيون وبيتار (بما في ذلك إزالة تجميد البناء في جفعات همتوس) وشمالا باتجاه جفعات زئيف وادام.
اما العنصر الثالث المركزي في بنود القدس في خطة ترامب فيعنى بالاماكن المقدسة في المدينة. المبكى يبقى حصريا بيد إسرائيل بما في ذلك في المسار التحت ارضي له، على طول نفق المبكى حتى طرفه الشمالي وكذا الحائط الغربي في قسمه الجنوبي (الحديقة الاثرية) وبالاجمال – 488 متر فوق وتحت الأرض. هذا العنصر يتعارض وموقف الفلسطينيين المستعدين لان يبقوا بيد إسرائيل نحو 60 مترا فقط من الحائط الذي يعلو فوق ساحة الصلاة.
من سيوافق حقا؟
في الحرم نفسه فحص الامريكيون الى جانب الأطراف تغييرا في اطاره يدرج الى جانب الأردن، في مديرية عربية – دينية مشتركة، دول أخرى تدير الموقع عمليا مع إسرائيل، في ظل استمرار السيادة الإسرائيلية. اما اليوم فلا يشارك الا الأردن في إدارة الموقع، وذلك بحكم اتفاق السلام مع إسرائيل، وبحكم تفاهمات رسمية وغير رسميه بينه وبين إسرائيل. كما أنه تعمل اليوم لجنة إسرائيلية – اردنية مشتركة. وهي تعنى بالكثير من المشاكل التي تثور في الحرم بين الحين والأخر، مثل أزمة البوابات الالكترونية في صيف 2017، ومثل الازمة الحالية في نطاق باب الرحمة، الذي حولته الأوقاف في الأسبوعين الأخيرين الى مسجد خامس في الحرم.
مرشحون مركزيون للانخراط في هيئة إدارية – دينية – سياسية من هذا القبيل ذكروا في المحادثات التي اجراها الامريكيون هم السعودية، المغرب والفلسطينيون. اما الأردن فيعارض بشدة هذه الامكانية، التي من شأنها ان تمس بمكانته العليا الحالية في الحرم، من بين المحافل الإسلامية، وهو بالأساس يعارض ان تشرك في الحرم السعودية، منافسته الأكبر على الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة التي تسيطر منذ اليوم في مكة وفي المدينة.
عنصر آخر في مخطط ترامب عرض لعناية الأطراف هو “معبر آمن” – مكانته القانونية ليست واضحة بعد – بين القدس الفلسطينية وبين الحرم.
ان موقف الفلسطينيين من مخطط ترامب، وبخاصة من بنود القدس فيه، هو رفض مطلق. موقف أجزاء كبيرة من حزب أزرق أبيض لغانتس ولبيد من بنود القدس في مخطط ترامب – اذا ما حاكمنا الأمور وفقا للمواقف التي اعرب عنها في الماضي – من المتوقع ان يكون عاطفا. موقف نتنياهو من بنود القدس في خطة ترامب ليس واضحا.
من جهة أخرى، فان هذه هي الخطة الأكثر سخاء التي يعرضها رئيس امريكي في أي مرة على اسرائيل في موضوع القدس وهي تتضمن اعترافا بسيادة إسرائيل في البلدة القديمة وفي الاحياء المحاذية لها. ومن جهة أخرى فان الحديث يدور عن تقسيم القدس – حتى لو استخدم تعبير مغسول آخر – في جانبه مخاطر امنية لا بأس بها. ترامب، كما ينبغي ان نتذكر، لم يخفِ في السنة الماضية ما يتوقعه من “مقابل” إسرائيلي لقاء اعترافه بالقدس كعاصمة إسرائيل ونقل السفارة الى العاصمة.
ان الصدام الذي بادر اليه نفتالي بينيت مع نتنياهو في موضوع مخطط ترامب، هو على ما يبدو المقدمة فقط للخلاف حامي الوطيس – القيمي، الأيديولوجي والأمني – الذي سيتفجر هنا حول “خطة القرن” بشكل عام وما فيه من بنود القدس بشكل خاص.