:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/18517

سقوط الطاغية الذي لا يهزم-هآرتس

2019-04-20

رئيس السودان عمر البشير يحب سرد القصة عن سنه المكسورة. عندما كان طالب في المدرسة كان يعمل في ورشة بناء وهناك سقط وكسر سنه. بدلا من أن يطالب بأن يعالجوه، غسل فمه بالماء المالح وواصل العمل. هكذا روى لمؤيديه في شهر كانون الثاني الماضي.
بعد ذلك وعندما انضم للجيش رفض أن تتم زراعة سن له لأنه اراد تذكر الفترة الصعبة في حياته. هذه هي السن، قال وأشار الى فجوة في فمه. مؤيدوه انفجروا ضحكا، هذه القصة استخدمها البشير عندما تم عزله في الاسبوع الماضي بعد ثلاثين سنة من الحكم الاستبدادي في السودان، من اجل الاثبات لأبناء شعبه بأنه مثلهم – رجل ولد في القرى المغبرة التي تقع على نهر النيل.
هذا الوصف الشعبي يتناقض بصورة كبيرة مع صورته في الغرب، حيث يعتبر هناك شخص يحب الحروب ووحشي ويؤيد الارهابيين مثل اسامة بن لادن، وشخص اتهم بتخطيط للتطهير العرقي وابادة شعب في دارفور. منذ العام 2009، محكمة الجنايات الدولية في لاهاي تريد اعتقاله بتهمة ارتكاب جرائم حرب تشمل قتل واغتصاب وابادة.
حقيقة أن سمعته كانت سيئة في العالم لم تقلق البشير إبن الـ 75 سنة. في دولته كان شخص من الصعب هزيمته. فقد استهزأ من خصومه الذين استخفوا به. بفضل النفط عرفت الدولة ازدهار اقتصادي وسع الطبقة الوسطى في السودان واستمر مدة عقد تقريبا. البشير اقام شبكة معقدة من اجهزة الامن والمليشيات المسلحة التي حاربت من اجله. هناك من شبهوا هذه الشبكة بشبكة العنكبوت، التي يقف البشير في وسطها.
مبنى السلطة هذا الذي اقيم باهتمام كبير، انهار في الاسبوع الماضي عندما قام آلاف المتظاهرين بالتجمع خارج مقره في الخرطوم. اموال النفط هبطت والاقتصاد تدهور، وبالاساس الشباب في السودان سئموا. والعنكبوت اضطر الى الذهاب. “فقط ارحل، هذا هو كل شيء”، هتفوا. ازاء المظاهرات الذي اخذت في الانتشار قام الجيش بعزله في صباح يوم الخميس، قبل اسبوعين بالضبط. ووضع حدا لحكمه الذي استمر ثلاثين سنة. الجيش أعلن أنه اعتقل البشير وحل حكومته وعطل الدستور.
من القرية الى الحكم
البشير ولد لعائلة فلاحين في قرية في شمال العاصمة. خدم كقائد في المظلات، وفي 1989 وقف على رأس مجموعة من العسكريين الاسلامويين الذين اطاحوا برئيس الحكومة صادق المهدي بدون سفك دماء. هذا كان الانقلاب العسكري الرابع الذي عرفه السودان منذ استقلاله في 1956.
في العقد الاول من حكمه اعتبر البشير خادم لقوة أكبر – رجل الدين حسن الترابي، وهو شخص صاحب ايديولوجيا ومتحدث وخريج السوربون، الذي اراد تجذير قانون الشريعة عميقا في المجتمع السوداني وفي مؤسسات الدولة. في 1999 قام البشير باعتقال الترابي. وحسب الشهادات فقد سئم من اختلاف الآراء معه.
محاربون جهاديون من ارجاء العالم تدفقوا نحو السودان في تلك الفترة ومن بينهم اسامة بن لادن. هذا الارهابي قام بشراء بيت في حي فاخر في الخرطوم واستثمر في الزراعة والبناء في الدولة. في 1993 أدخلت الولايات المتحدة حكومة البشير في القائمة السوداء باعتباره يمنح الحماية للارهاب، وبعد اربع سنوات فرضت عليه عقوبات.
البشير اعتاد على المشاركة بصورة دائمة في الجنازات وفي اعراس ضباط الجيش، ومنح عائلاتهم هدايا مثل السكر والشاي والمعلبات. حسب اليكس دي وول، الخبير في الشؤون السياسية في السودان، في كل اسبوع اقام البشير بيت مفتوح تدفق اليه ضباط الجيش. “هو مثل العنكبوت في وسط النسيج، هو يستطيع الشعور بأقل اهتزاز، وعندها يسارع الى استغلال قدرته السياسية من اجل علاج المشكلة”، قال. البشير استخدم مقاربة مشابهة تجاه زعماء المحافظات ورؤساء القبائل، اضاف دي وول. “معظمهم أخذ طابع عسكري وتم ضمهم الى الجهاز كواحدة من قوات الدفاع الشعبي. البشير اقام هذه الشبكة المدهشة وفقط هو عرف كل مبناها”.
هذا الاسلوب من الحكم الاستبدادي الشخصي تم استغلاله في الحرب ضد المتمردين في جنوب السودان، هناك مجموعات عرقية مختلفة ناضلت من اجل الحصول على الاستقلال. في الـ 21 سنة التي استمر فيها القتال، سلاح الجو السوداني ألقى قنابل على قرى نائية وأيد مليشيات محلية عنيفة جندها البشير وضباطه.
في نفس الوقت تم اكتشاف النفط في السودان. على الفور بعد أن تم انتاج البراميل الاولى في 1999 بدأت زيادة تدريجية في مستوى المعيشة في احدى الدول الاكثر فقرا في افريقيا. شوارع جديدة تم شقها، قرى نائية تم ربطها بشبكة الماء والكهرباء، ومبان جديدة ولامعة بنيت في الخرطوم. “هذه كانت سنوات الرخاء”، قال مجدي الجيزولي، باحث مشارك في معهد ريفت فالي.
في العام 2005 في اعقاب ضغط دولي وقع البشير على اتفاق سلام مع المتمردين في الجنوب. ولكن في حينه اندلعت اضطرابات اخرى، هذه المرة في منطقة دارفور في غرب السودان، ومواجهته العنيفة معها هي التي حددت هوية ارثه. المليشيا التي ايدت الحكومة تركت خط دموي في القرى النائية وقمعت الاضطرابات. حسب التقديرات، اكثر من 300 ألف شخص قتلوا في دارفور في تلك السنوات. حسب منظمة “امنستي” فان النظام استخدم السلاح الكيميائي ضد السكان في حربه في المنطقة. بسبب ذلك اصدرت محكمة الجنايات الدولية أمري اعتقال ضد البشير.
رئيس السودان السابق كان زعيم الدولة الاول الذي اصدرت المحكمة ضده أمر اعتقال. “كان ذلك هو الخطأ الاخطر له”، قال الجيزولي، “لقد نقل مسؤولية القتال هناك لتلك المليشيات التي رجالها كانوا رعاة اغنام”. البشير اتهم بالمسؤولية عن جرائم شملت ضمن امور اخرى القتل والاغتصاب والتعذيب.
الرئيس السابق تعامل بشكل مستفز مع المحكمة وزار كينيا ومصر ونيجيريا والسعودية رغم تلك الاوامر. في العام 2015 اضطر الى قطع زيارة له في جنوب افريقيا بعد أن قامت محكمة محلية بفحص اعتقاله. عدد من الخبراء انتقدوا الاتهامات ضد البشير وقالوا إنها منحازة سياسيا. اسرائيل عملت مؤخرا من اجل اقامة علاقات دبلوماسية مع السودان برئاسته. بعد أن نشر في 2016 في “هآرتس” أن اسرائيل توجهت لحكومات في الولايات المتحدة وفي دول اخرى وشجعتها على تحسين علاقاتها مع السودان وتقديم بادرات حسن نية تجاهها. البشير زعم أنه وقع ضحية مؤامرة دولية ضده بقيادة دول الغرب. لقد احتج على أن الامم المتحدة تنصلت من وعودها لرفع العقوبات عن السودان اذا توصل الى سلام مع جنوب السودان. في العام 2010 فاز في انتخابات الرئاسة بعد أن تفاخر بالبنى التحتية التي اقامها بأموال النفط للدولة، رغم أن 40 في المئة من السكان في السودان واقعين تحت خط الفقر.
هبوط حر
في العام 2011 تحول جنوب السودان الى دولة مستقلة. عند انفصاله أخذ معه ثلاثة ارباع مخزون النفط السوداني. انخفاض المداخيل اضعف جدا اقتصاد السودان، والبشير وقف فجأة امام معارضة شديدة.
الغاء العقوبات الامريكية في العام 2017 كان من شأنه أن يساعد البشير، ولكن وزارة الخارجية الامريكية ابقت السودان في قائمة الدول الداعمة للارهاب، وهذا منع الاستثمارات الخارجية. في العام 2018 كان اقتصاد السودان في هبوط حر، مع نسبة تضخم بلغت 72 في المئة، وطوابير طويلة في محطات الوقود وحتى كان هناك نقص في السيولة النقدية. ابناء الطبقة الوسطى الحضرية الذين دهشوا من انخفاض مستوى المعيشة تمردوا.
المظاهرات الاولى جرت في كانون الاول في مدينة عطبره. المشاركون فيها احتجوا على اسعار الخبز المرتفعة، واحتجاجهم انتشر بسرعة الى مدن وقرى في ارجاء الدولة. على رأس الاحتجاج وقف اطباء واصحاب مهن حرة. الغضب الشعبي ازداد مع موت اطباء شباب، عدد منهم هم أبناء لعائلات ثرية. البشير نفى ادعاءات المتظاهرين وقال لهم باستهزاء “أيها الجرذان عودوا الى جحوركم”.
قبل اسبوعين عند عزله، تم اعتقاله. وكالة “رويترز” قالت إن أبناء عائلة البشير قالوا إنه تم احتجازه حتى الآن في مقره في الخرطوم. ونقل أمس الى سجن كوبر، حيث تم سجنه على انفراد تحت حراسة مشددة.
شبيها بحكام عسكريين كثيرين فان البشير أحب الاعلان بأن السلطة فرضت عليه وقد تردد في الاستجابة لها. “هذه البلاد لا تشجع أي أحد على الاستمتاع بالقوة”، قال بعد أن سيطر على الحكم في 1989. “هذه البلاد ضعيفة وقد انهارت وسقطت”. زائرون قالوا إنه ترك السودان بنفس الوضع: ضعيف ومنهار. مع ذلك، ليس واضحا اذا كان من سيخلفونه سينجحون في تغيير الوضع بسرعة. الاقتصاد المتهاوي يحتاج الى جرعة كبيرة من الاموال، والنزاعات في منطقة النيل الازرق والجنوب وجنوب كردفان لا يتوقع أن هبوطها.
​“الناس يريدون التغيير، لكن المشاكل في السودان هي مشاكل بنيوية وليست أمر شخصي”، قال ايلي فارجي، المحلل في معهد السلام في الولايات المتحدة. “حتى بعد رحيل البشير فان السودان لن يتعافى بين ليلة وضحاها”.