:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/18720

سنة على نقل السفارة: العالم لم يسارع ، الى السير خلف ترامب الى القدس-هآرتس

2019-05-15

في مثل هذا اليوم قبل سنة في 14 ايار 2018 حطم الرئيس الامريكي ترامب طابو دبلوماسي عمره عشرات السنين عندما قام بنقل السفارة الامريكية الى القدس. بهذه الخطوة اجبر باقي المجتمع الدولي على اعادة فحص موقفه بالنسبة للقدس كعاصمة لاسرائيل – للمرة الاولى منذ قرار الامم المتحدة من الثمانينيات الذي يقول إنه يجب عدم وضع بعثات دبلوماسية في المدينة. “هآرتس” فحصت التطورات في هذه المسألة منذ ذلك الحين: من أيد مبدئيا، لكنه لم يطبق ذلك، أي دول انضمت للولايات المتحدة فعليا، أي مصالحة دبلوماسية لاقت شعبية وما هي العوامل الرئيسية التي أثرت على عملية اتخاذ القرارات في هذا الموضوع في هذه الدول.
دعم افنغلستي ووعود بالسلام
مسألة السيادة في مدينة القدس تقف في مركز الخلاف الدولي منذ أن اعترفت بها حكومة اسرائيل الاولى بصورة احادية الجانب كعاصمة لها – خلافا لقرار الجمعية العمومية للامم المتحدة من العام 1947 الذي بحسبه يدور الحديث عن منطقة معدة للتدويل وطبقا لخطة التقسيم. ورغم أنه منذ البداية لم تعترف المؤسسات الدولية بصورة رسمية بالسيادة الاسرائيلية على قسمي المدينة – الغربي بدء من 1948 والشرقي بدء من1967 – في اعقاب سن قانون الاساس: القدس عاصمة اسرائيل في 1980 حتى انه اتخذ في مجلس الامن قرار 478 الذي يقضي بأنه يجب عدم وضع بعثات دبلوماسية في المدينة. منذ ذلك الحين لم تضع الدول سفارات في القدس بل قنصليات وممثليات فرعية فقط.
في أيار 2018 حطم ترامب للمرة الاولى هذا الاجماع الدولي عندما نقل السفارة الامريكية الى القدس كما وعد عدة مرات في حملته الانتخابية. رؤساء امريكيون آخرون تعهدوا بذلك في الماضي، لكن ترامب اكد في حملته أنه في هذه المرة ينوي تنفيذ وعده. احد الاسباب الرئيسية لذلك هو محاولة التوجه الى قلوب المصوتين المسيحيين الافنغلستيين الذين اصبحوا جزء هام في قاعدة مصوتيه. الكثيرون من هذه الطائفة النامية هم مؤيدون متحمسون للمشروع الصهيوني ودولة اسرائيل وفقا لتقديرهم الخاص في التوراة والنبوءة التي تقول إن عودة شعب اسرائيل الى بلاده هي خطوة ضرورية في الطريق لتطبيق حلم نهاية العالم وعودة المسيح. ايضا نائب الرئيس الامريكي مايك بينيس هو افنغلستي متعصب.
التأثير الافنغلستي على هذه العملية كان واضح جدا ايضا في الحفل نفسه الذي اقيم في حي ارنونا في جنوب القدس. وهناك تم تحويل مبنى القنصلية ليصبح هو السفارة بالفعل. اضافة الى عشرات المسيحيين الافنغلستيين في ارجاء الولايات المتحدة الذين حضروا في الجمهور المقلص، ايضا فان مضمون الاحتفال شهد على التأثير المسيحي. في الخطابات كان هناك ايضا شخصيتان خلافيتان في الولايات المتحدة: القس المعمداني روبرت جيفرس والقس الافنغلستي جون هايكي الذي في نهاية اقواله طلب من الجمهور قراءة “هاليلويا”، كما اعتاد الوعاظ الافنغلستيين. باقي الخطباء، يهود ومسيحيين على حد سواء، ضمنوا هم ايضا آيات تمجد الله وتتناول قدسية المدينة. رئيس الحكومة نتنياهو انهى اقواله في الاحتفال بكلمات “هكذا قال الله إنني عدت الى صهيون وسكنت في القدس وسميت القدس عاصمة الحقيقة”، وهي آية يفسرها عدد من الطوائف المسيحية كتطرق لعودة المسيح.
بخلافا كامل مع بهجة الاحتفال الوادع في القدس، في غزة خرج عشرات الآلاف من اجل التظاهر قرب الجدار ضد قرار ترامب. عشرات قتلوا ومئات أصيبوا في صورة احتجاج جديد – قديم سيواصل مرافقة الطرفين حتى اليوم. رغم الاحداث القاسية في غزة فقد اعلن نتنياهو في الاحتفال بأن نقل السفارة هو “يوم كبير لاسرائيل والولايات المتحدة والسلام”. ايضا ترامب وعد في فيلم قصير ارسله للاحتفال بأن بلاده “بقيت ملتزمة بالتوصل الى اتفاق سلام”.
محاولة لاحداث انجراف
قبيل خطاب الاعتراف بسيادة اسرائيل على القدس في كانون الاول 2017 الذي اعلن فيه ترامب رسميا عن قرار نقل السفارة الامريكية الى القدس، فقد عمل نتنياهو الذي كان في حينه ايضا وزير الخارجية في حكومته على حملة مكثفة من اجل خلق انجراف لنقل سفارات اخرى. “لا شك لدي أنه في اللحظة التي ستنقل فيها السفارة الامريكية الى القدس وحتى قبل ذلك فان سفارات اخرى ستنتقل هي ايضا”، اعلن في خطابه في وزارة الخارجية. في الاسبوع الذي نقلت فيه السفارة الامريكية زاد نتنياهو هذه الحملة ودعا “كل الدول للانضمام الى الولايات المتحدة ونقل سفاراتها الى القدس – هذا هو الامر الصحيح الذي يجب القيام به لأن هذا يدفع السلام قدما”.
في احتفال السلك الدبلوماسي في القدس في ذكرى يوم الاستقلال السبعين وعد بمساعدة خاصة للدول التي تنقل أولا سفاراتها، “ما تستطيعون عمله من اجل دفع السلام قدما”، قال لهم “هو أن تنقلوا سفاراتكم الى هنا… قررت أن الدول العشرة التي ستأتي الى هنا ستحصل على معاملة مفضلة – سنساعدكم”. عندها ايضا قال نتنياهو إنه “على الاقل ست دول الآن تتحدث معنا بجدية عن نقل سفاراتها الى القدس”.
ولكن الردود الاولى في العالم الدبلوماسي على قرار ترامب كانت بعيدة عن موجة الدعم التي أمل بها رئيس الحكومة. زعماء اوروبا ومنهم المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، ورئيسة حكومة بريطانيا تريزا ماي والرئيس الفرنسي عمانوئيل مكرون وآخرون أوضحوا بأن بلادهم تعارض الخطوة احادية الجانب وأن مكانة القدس وحدودها يجب أن تقرر فقط من خلال مفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. هكذا ايضا كان الموقف السائد في الاتحاد الاوروبي وفي الامم المتحدة. في العالم العربي والاسلامي أدان هذه الخطوة عدد من الدول منها الاردن ومصر وسوريا وتركيا والسعودية وايران والمغرب.
نقل السفارة نفسه وعدد القتلى المرتفع في قطاع غزة حظي فيما بعد بردود دبلوماسية شديدة. تركيا امرت سفير اسرائيل في انقرة بمغادرة الدولة، جنوب افريقيا اعادت السفير من اجل التشاور، وفقط مؤخرا قررت أنه لن يعود ثانية، بلجيكا وايرلندا استدعتا سفراء اسرائيل ووبخوهم. الاتحاد الاوروبي ادان اطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين ومجلس الامن عقد في جلسة طارئة ادان فيها الكثيرون قرار الولايات المتحدة ودعوا الى التحقيق في سلوك اسرائيل على حدود القطاع.
غواتيمالا هبت للمساعدة، الدولة الوحيدة التي وقفت الى جانب امريكا واسرائيل من البداية هي غواتيمالا برئاسة الرئيس جيمي مورانس، في 16 أيار بعد يومين على نقل السفارة الامريكية، انتقلت سفارة غواتيمالا الى مقرها الجديد في الحديقة التكنولوجية في المالحة في القدس. ايضا في غواتيمالا هناك طائفة افنغلستية مزدهرة. حسب الاستطلاعات في الدولة فان نسبتهم تبلغ 40 في المئة تقريبا من عدد السكان، والرئيس مورانس نفسه تربى في طائفة كهذه.
العلاقة بين اسرائيل وغواتيمالا تعززت جدا في اعقاب هذه الخطوة التي في ذروتها سافرت الى هذه الدولة بصورة مستقلة وغريبة زوجة رئيس الحكومة سارة نتنياهو لتدشين منحة اسرائيلية للمتضررين من اندلاع بركان. ولكن مورانس كان يأمل بأن تساعده هذه الخطوة في التقرب من الادارة الامريكية. في البداية كان يبدو أن هذه الجهود اثمرت. الادارة اظهرت رد لامبالي ازاء الفساد الذي ازداد في غواتيمالا خلافا لتصريحات سابقة عن دعمها بتشكيل تحقيق دولي. ولكن مؤخرا تبدد السحر كما يبدو. الرئيس ترامب يتهم دول امريكا الوسطى (غواتيمالا والهندوراس والسلفادور) التي تحصل على مساعدة مالية كبيرة من بلاده، لكنها لا تساعد حسب قوله في وقف الهجرة اليها.
يبدو أن تهديدات ترامب بتقليص اموال المساعدة لامريكا الوسطى أثرت ايضا على قرار الهندوراس بعدم نقل سفارتها الى القدس رغم الاشارات والوعود التي نثرها حول هذا الموضوع خلال السنة الرئيس خوان اورلاندو. حسب استطلاعات في هندوراس على الاقل حوالي 37 في المئة من السكان هم مسيحيون افنغلستيين، وعدد هؤلاء في تزايد. الكثيرون منهم يؤيدون الرئيس المحافظ الحالي.
مقابل نقل السفارة الى القدس اراد اورلاندو من نتنياهو أن يساعده في الوساطة مع الادارة الامريكية. في ذلك الحين تصاعد التوتر في مسألة الهجرة، ولكن ايضا حول استثمارات صينية في هندوراس التي اعتبرتها الولايات المتحدة تهديد على قوتها الاقليمية. وهكذا اثناء اداء الرئيس البرازيلي المحافظ جان بولسنارو القسم، الذي يحظى هو ايضا بدعم الطائفة الافنغلستية المزدهرة في بلاده، جرى لقاء ثلاثي بين نتنياهو واورلاندو ووزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو. اورلاندو قال إن اسرائيل وافقت على فتح السوق الاسرائيلية أمام القهوة من هندوراس، وهذا مجال التصدير الرئيسي للدولة. رغم كل ذلك، اللقاء لم يخفف التوتر مع ترامب، وفي المؤتمر الاخير للوبي المؤيد لاسرائيل في واشنطن “الايباك” اعلن اخيرا اورلاندو بأنه لن يفتح سفارة في القدس بل مكتب تجاري فقط.
موضة المكاتب التجارية
فتح ممثلية تجارية، أو ثقافية، في القدس تحول الى تسوية رائدة في اوساط زعماء وعدوا في البداية بنقل سفاراتهم، ولكنهم واجهوا صعوبات. هذا ايضا كان نتيجة الوعود الكثيرة لبولسنارو في هذا الشأن. ايضا في البرازيل هناك دافع واضح في كل ما يتعلق بمسألة القدس، تزدهر جالية افنغلستية (التي هي الاكبر في امريكا اللاتينية). حسب الاستطلاعات، الافنغلستيين هم الآن على الاقل يشكلون حوالي 22 في المئة من السكان، 50 مليون شخص برازيلي، الذين تحولوا الى القوة السياسية الرئيسية في معسكر اليمين المحافظ الذي يعتبر بولسنارو من بينه.
ليس مفاجئا اذا كان الامر كذلك، أنه خلال حملته الانتخابية عاد بولسنارو ووعد بنقل السفارة. “اسرائيل هي دولة سيادية واذا قررتم أن هذه هي عاصمتكم فنحن سنؤيد ذلك”، قال في مقابلة مع صحيفة “اسرائيل اليوم”. اثناء زيارة لنتنياهو في الدولة الرسالة كانت اقل شدة ووضوح، لكن مصادر اسرائيلية واصلت القول إن هذه هي نيته. خلال الفترة التي اعقبت اداء القسم زاد الضغط من جانب مصدرين من البرازيل للدول العربية. في النهاية في زيارة الرد لرئيس البرازيل في اسرائيل اعلن بأنه سيفتتح مكتب تجاري في القدس وليس سفارة. الى جانب ضغط المصدرين الكبار فان البرازيل فحصت ايضا العلاقة المتقلبة لترامب مع غواتيمالا وهندوراس، الامر الذي لم يشكل محفز كبير بشكل خاص.
اوساط دبلوماسية قالت للصحيفة إن المكتب التجاري للبرازيل في القدس يتوقع أن يقيمه رجل اعمال خاص، وهو لا يعتبر كما يبدو ممثلية دبلوماسية كاملة.
قضية هامة اخرى في العلاقات مع امريكا اللاتينية هي نقل سفارة البورغواي وارجاعها. في ايار 2018 بعد وقت قصير من الولايات المتحدة وغواتيمالا نقل الرئيس بوراسيو كارتس سفارة بلاده الى الحديقة التكنولوجية في المالحة في القدس في احتفال. “هذا يوم كبير لاسرائيل ويوم كبير لبورغواي ويوم كبير لاصدقائنا” اعلن نتنياهو واضاف أنه يوجد بين الدولتين “تعاون رائع وسيكون افضل حتى”.
الطائفة المسيحية في بورغواي هي كاثوليكية بالاساس. مع ذلك فان الافنغلستيين الذين عددهم الدقيق في الدولة غير معروف (يقدر بـ 10 في المئة)، يشاركون بشكل كبير في السياسة. العلاقات الجيدة لنتنياهو مع كارتس تعود بالاساس الى علاقة الرئيس مع رئيس طاقم نتنياهو السابق آري هارو الذي كان مستشاره قبل وبعد انتخابه في 2013. كارتس اعتبر زعيم يميني – محافظ، موضع خلاف ارتبط اسمه في السابق بتبييض الاموال وتهريب المخدرات. شبيها برئيس البرازيل هو ايضا معروف بتصريحاته المناهضة للمثليين، واعضاء في هذه الطائفة سماهم بـ “قرود”.
ولكن كارتس هزم في الانتخابات الرئاسية في السنة الماضية والرئيس الفائز ماريو افدو بنيتس اوضح أنه ينوي اعادة فحص مكان السفارة. في ايلول 2018 اعلنت وزارة الخارجية في بورغواي بأن سفارتها ستعود الى تل ابيب. وزارة الخارجية الاسرائيلية اعلنت ردا على ذلك عن اغلاق السفارة الاسرائيلية في العاصمة اسينسيون. “بورغواي تريد المساعدة في زيادة الجهود الدبلوماسية في المنطقة من اجل تحقيق سلام واسع وعادل في الشرق الاوسط”، قال في حينه وزير الخارجية لويس البركو كستليوني. وكالة الانباء الفلسطينية “وفا” قالت إن القرار اتخذ في اعقاب جهود للوزير رياض المالكي.
تذبذب استراليا
في الطرف الآخر من الكرة الارضية، في استراليا، التي يوجد فيها طائفة افنغلستية ايضا (15 في المئة من السكان)، والتي تؤثر على السياسة المحلية، تحدث في تشرين الاول 2018 رئيس الحكومة سكوت موريسون مع نتنياهو وقال بأنه يفحص الاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل وأن ينقل اليها سفارة بلاده. موريسون الذي كان في حينه رئيس حكومة جديد من قبل الحزب الليبرالي، هو افنغلستي متعصب. في حينه قال إنه سيواصل دعم حل الدولتين، ولكن القدس هي العاصمة الحقيقية لاسرائيل وأنه “يشعر بأن سفارة استراليا يجب أن تكون موجودة فيها”. واضاف بأنه سيفحص الاعتراف بشرقي القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية. حسب اقواله، من اقنعه هو ديفيد شيرمان، سفير استراليا السابق في اسرائيل.
هذه الاقوال قالها موريسون في فترة انتخابات في بلاده على كرسي اقليم فنتفرت في البرلمان (في اعقاب استقالة رئيس الحكومة ملكولم ترانبول). في هذا الاقليم 13 في المئة من المصوتين هم يهود، ومرشح الحزب الليبرالي كان هو شارما.
التصويت انتهى وشارما خسر. وفي كانون الاول 2018 اعلن موريسون فجأة أن استراليا تعترف فقط بغربي القدس كعاصمة لاسرائيل وأن السفارة ستنقل الى المدينة اذا تم التوصل الى اتفاق سياسي بين اسرائيل والفلسطينيين. “استراليا تعترف بغربي القدس، الذي توجد فيه الكنيست والمؤسسات الحكومية الكثيرة كعاصمة لاسرائيل”، قال موريسون، “نحن نأمل بنقل السفارة الى المدينة عندما يكون ذلك عمليا”. والى أن يحدث ذلك أمر باقامة مكتب للشؤون التجارية والامنية في المدينة. وزارة الخارجية الاسرائيلية قالت ردا على ذلك بأن “اسرائيل تعتبر قرار حكومة استراليا فتح مكتب امني – تجاري في القدس خطوة في الاتجاه الصحيح”. وفي المقابل قال مصدر سياسي للمراسلين “لقد خاب أملنا من قرار استراليا، لقد أملنا اكثر من ذلك”.
ليس بعيدا عن استراليا، في الفلبين ايضا سمعت في البداية اصوات عن الاعتراف. الرئيس المحافظ رودريغو دوتيرتا اعلن عن دعمه المبدئي لاحتمالية نقل سفارة بلاده الى القدس. الفلبين هي دولة مسيحية جدا، لكن الافنغلستيين الموجودين فيها هم قليلون بالنسبة للكاثوليك. (البيانات غير الرسمية تتحدث عن 5 – 10 في المئة من السكان)، هذه الخطوة لم تنضج وهذه المرة ايضا لم يتم فتح مكتب.
دول اوروبية اخرى نشرت اشارات حول الموضوع ولم تفعل حتى الآن أي شيء، هي النمسا وجورجيا.