:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/18884

هكذا تغزو الدولة العبرية مستقبل الفلسطينيين!-هآرتس

2019-06-03

جلسنا على الشرفة حتى تتمكن المضيفة والضيف من التدخين. البيرة كانت باردة، اللوز والفستق الحلبي كانا مالحين بدرجة ما، ورياح الخماسين لم تزعجنا كثيراً لأن الساعة كانت السابعة مساء تقريباً. شارع الكركفا الذي يتعرج تحت شارع تراسانطة الذي يقع تحت كنيسة المهد، كان خالياً من السيارات مع اقتراب موعد الإفطار. ذات مرة قالوا لي، أكيد بمبالغة ما، قبل 20 ـ 30 سنة بأن هذا الشارع كان يعتبر نهاية العالم. من كان يبني هنا شعر بأنه مغامر شجاع وذهب ليعيش في المنطقة التي تقع بين بيت لحم وبيت ساحور.
محادثة حرة عن الأمور البسيطة. الابنة تستعد لامتحان مهم في موضوع مكتوب بلغة سرية (تمويل، إدارة أعمال، وما شابه). الابن عاد من العمل مع مزارعين في منطقة أريحا، 52 درجة مئوية. الابنة الثانية موسيقية، اتصلت من مكان دراستها في الخارج لتقول مرحباً وتخبر أنها مشتاقة. ويتبين أن معلمها السابق هو الضيف الذي يجلس الآن ويشرب البيرة على الشرفة والسعادة كبيرة.
ولكن في داخل هذه الأجواء من أجواء الطبقة الوسطى، العالمية، تندفع كل المتغيرات المحلية، الثابتة والمعتادة. الوالد قضى ثلاث سنوات في السجن بسبب نشاطات في الانتفاضة الأولى. هل توفي في عمر الـ 49 بسبب الحسرة لهدم ورشته، أم توفي لسبب آخر أخف؛ ففي الانتفاضة الثانية لم تسمح الطرق المغلقة لسيارات الإسعاف بالوصول إليه في الوقت المناسب وتقديم العلاج له.
لقد فكرت بيني وبين نفسي: في كل سياق نكتب فيه عن الفلسطينيين نسبب لهم الظلم. عندما نكتب عن الموت غير الطبيعي الذي تسببه لهم إسرائيل في كل يوم تتوقف فيه حياتهم المتواصلة. وكأن الفلسطينيين هم فرع من حركة الدهس الإسرائيلية. ليس لهم وجود مستقل تحت الشمس. وإذا كتبنا عما يشبه الحياة التي لا يتم سحقها تحت أحذيتنا، مثل الحفيد الذي يركب على الدراجة البلاستيكية ويصطدم بأصيص. أو دورة تدريب جديدة لمهندسي الأمان في المباني. نخدم الدعاية المدربة التي تقولها إسرائيل لكل العالم، وفي المقام الأول لليهود، وهي أن كل شيء طبيعي لديها. قارنوها مع سوريا وسترون من الذي حالته أفضل.
كم هو صحيح وملزم واقع أن نكتب مرة تلو الأخرى عن أنابيب المياه التي تحاول التجمعات الفلسطينية تركيبها من أجل ضمان الشيء الأساسي الذي اسمه المياه المتدفقة، في حين أن مشرفي الإدارة المدنية والجنود الراضين عن أنفسهم يصادرونها مرة تلو الأخرى أو يمنعون تركيبها، مثلما فعلوا أمس مثلاً في يوم السبت المقدس قرب السموع، لكن هذا التقرير السيزيفي إلى حد ما سيسجل كدليل على وجود الديمقراطية اليهودية في أفضل حالاتها: لنا حق في الكتابة، والقراء لهم الحق في أن يقرأوا ولا يهتموا، وكذلك أن يرسلوا أولادهم الأطفال إلى الخدمة العسكرية من أجل منع الفلسطينيين من الاستمتاع بالمياه المتدفقة.
كم هو مغر أن تكتب عن مبادرات فنية في بيت ساحور، لكن هذا يخدم العنصريين المتلصصين الذين سيضحكون: ماذا، هل يعرفون صناعة أدوات عزف؟ وكم هو مغر أن تقص عليهم ما قاله الابن: الزبائن في البقالة المجاورة تحدثوا بفرح عن التسهيلات بسبب شهر رمضان وعيد الفطر والسفر إلى الخارج عبر مطار بن غوريون. وحتى إذا أظهر كشف بأن هذا ليس شائعة لا أساس لها، فإن جوقة المشجعين ستصفق وتثني على كرم الإسرائيليين، ولن يفيد إعادة ذكر بالتفصيل من جديد قوانين الأبرتهايد التي تمنع الفلسطينيين من حرية الحركة في أرض إسرائيل الكاملة. أمام ناظرينا ظهر مشهد لقبة جبلية متناظرة مغطاة بأشرطة جديدة من المباني مع قطع خضراء بينها وفضاء أخضر حولها، إذا مددت يدك ستلمسها، مستوطنة هار حوماه، أو حوماه شموئيل. حي بلغة ما بعد الحقيقة. المستوطنة تم التخطيط لها في فترة زعيم السلام، اسحق رابين، لأسباب ائتلافية توقف بناؤها العدواني. وبعد ذلك عاد بنيامين نتنياهو وأمر بإقامتها. ومرة أخرى فكرت بيأس: كم من الصعب أن نشرح بالكلام خداع الهندسة المعمارية الإسرائيلية، الحزام المشدود والخانق للمستوطنات، السور، الجدار وشوارع لافيغدور ليبرمان وغيره من اليهود، التي أقامتها إسرائيل حول فضاء بيت لحم. هنا في الغرب، على أراضي قرية الولجة، يتم بناء واستكمال الحاجز الجديد، مع جدران من الأسلاك الشائعة التي تلمع بسبب حداثتها. هذا سيمكن مرة أخرى من توسيع المشهد الأخضر لليهود على أراضي القرية التي نواصل التنكيل بها.
«ما الذي سنفعله بعد عشر سنوات»، سألت المضيفة، «الأحفاد سيكبرون وسيتزوجون، أين سيسكنون؟ ما الذي سيبقى لهم؟». اندفع المستقبل نحو محادثتنا. من الجو سيبدو المشهد هكذا: بقع متفرقة من المباني المكتظة، المرتفعة، بدون لون أخضر أو أرض فارغة، المرتبطة معاً بأشرطة من الشوارع الضيقة، التي في كل لحظة معطاة يمكن لجنديين ومفتاح أن يغلقوها. من سيهربون للبحث عن أفق في الخارج سيرسلون مساعدة مالية للعائلات التي تركوها وراءهم والتي بحاجة إلى الأكل. منظمات دولية ستعقد مؤتمرات في الفنادق الفاخرة من أجل تنسيق تحويل الهبات لجيوب البطالة هذه، التي ستزدهر حولها دولة اليهود.