:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/18923

بيتنا جميعنا القدس… بين السيادة والقداسة!-معاريف

2019-06-09

للقدس تاريخ متعدد الثقافات ومتعدد الأديان لأكثر من 4 آلاف سنة. وهو مغروس في أرضها، في جوها، في مشهدها البشري، وكذا في كونها موضع الأماني الروحية لمئات ملايين من بني البشر من أبناء الأديان المختلفة. على أساس هذه البنية يُجري كل من يشعرون بصلة بالقدس-يهوداً، ومسلمين، ومسيحيين، إسرائيليين وفلسطينيين-منافسة على المدينة على طابعها. كل جماعة تعمل لترك أثرها على المدينة بحيث يعكس أمانيها الوطنية والدينية. وكذا صلتها بها، في ظل تجاهل إقصاء بل ونفي صلة الآخرين.
تجري المنافسة حول القدس كلها، ولكن قوتها بالنسبة للحوض التاريخي، ولا سيما بالنسبة للحرم، مقلقة. للشعبين وللدينين تطلعات متضاربة بالنسبة للحرم، المكان الأكثر قدسية للشعب اليهودي حيث كان الهيكل، ويستخدم منذ 1300 سنة كبيت صلاة يومية للمسلمين. كل واحد من الطرفين لا يتردد في نفي علاقة الطرف الآخر. أيام النفي الفلسطيني للصلة اليهودية بالحرم هي كأيام النزاع القومي، وتعبيره الشهير كان ادعاء عرفات في مؤتمر كامب ديفيد في العام 2000 بأن الهيكل اليهودي كان في اليمن. ولكن ثمة محاولات في الجانب الإسرائيلي تنفي الصلة الإسلامية. قبل بضع سنوات شاهدت ما يجري في الحرم في ليلة القدر، وفي أثنائها وصل إلى الحرم نحو 250 ألف مصل وقفوا وركعوا وعادوا وركعوا وفقاً للعادة الإسلامية. وفي الغداة لم يكن هناك ذكر لهذا الحدث الجماهيري في وسائل الإعلام الإسرائيلية. هذا الصمت نوع من النفي الذي يمنع الجمهور الإسرائيلي من النظر على نحو سليم إلى العلاقات الإسلامية بالحرم.
إن المنافسة على الحرم تصبح مركبة أكثر في ضوء ادعاء الطرفين بأن ما هو مقدس له يجب أن يكون تحت سيادته وبملكيته. غير أن هذا الادعاء مغلوط: فاصطلاحاً القدسية والسيادة مختلفتان جوهرياً. اصطلاح السيادة بالفعل موضوعه تحديد الحصرية، أما القدسية فليست كذلك. القدسية يمكن أن تكون حاوية، وحقيقة أن المكان مقدس لي لا تنفي إمكانية أن يكون المكان مقدساً للآخرين أيضاً. فجوهر التعدد الديني للمدينة يستوجب من كل محبيها ثورة فكرية: فهو يستوجب اعترافاً متبادلاً بصلات كل الشركاء في المدينة وبتطلعاتهم الثقافية، الروحية والدينية. الشعب اليهودي ملزم بأن يعترف بأن المكان المقدس له هو في الوقت نفسه مكان مقدس وبيت صلاة يومي للمسلمين. والمسلمون ملزمون بأن يعترفوا بأن المكان المقدس لهم هو المكان الأكثر قدسية لليهود.
لست أتجاهل مسألة السيادة على القدس ولتي هي في قلب النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، ولكني أقترح النظر إلى مسألة القدس انطلاقاً من العلاقة التاريخية، الروحانية، الثقافية، الدينية والإنسانية. هكذا مثلاً فإن الاعتراف بالمكانة الدينية والروحانية للبلدة القديمة والحوض المقدس لكل الأديان، يمكنه أن يضع الأساس الفكري للتفكير في هذا المجال كمجال مقدس مشترك، تعريفات السيادة والملكية لا تنطبق عليه. فهل نحن مستعدون لهذا التغيير في الوعي؟ هل نحن قادرون على أن ننفصل عن المنافسة ونجري حوار الشركاء؟ هل نحن مستعدون لأن نضع القدس على رأس فرحتنا وليس فقط حصريتنا فيها وسيطرتنا عليها؟
د.مئير كراوس
باحث في معهد السلام هرتمان، مدير معهد القدس للبحوث السياسية سابقاً