:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/19215

السبيل الوحيدة لاستبدال نتنياهو

2019-07-08

في دولة اسرائيل ضجة اضطرابات، الكثيرون يتجندون لمعركة على مستقبل الديمقراطية: رجال اقتصاد ابتعدوا عن التدخل في السياسة يتركون كل شيء ويستعدون لمعركة من اجل انقاذ “الديمقراطية الموجودة في خطر”؛ أرباب مال ورجال هايتيك، الذين تركوا التصريحات السياسية، يوقعون على عرائض ضد “خراب الديمقراطية”؛ رجال قانون غاضبون يلتقون وبحذرون من نية المس بمكانة محكمة العدل العليا؛ سياسيون يجتمعون في ميدان المدينة وهم يرتدون الطرابيش ويصرخون بشدة ضد عهد الاردوغانية الذي نزل علينا. جميعهم يقوم بخدمتهم صحافيون معينون. والتجديد الاخير – على رأسهم يسير اهود باراك القائد، الذي يحمل على ظهره كيس فيه قضايا فساد.

سألت بدهشة صديق لي تجند للنضال: ما سبب الضجة ولماذا ثار الغضب؟ واجاب: رئيس الحكومة نتنياهو يتآمر من اجل سن قوانين مناوئة للديمقراطية من اجل أن تخلصه من رعب القانون. ما هو الامر بالضبط؟ شددت سؤالي. “أين أنت تعيش الآن؟”، وبخني صديقي. “قوانين الحصانة وفقرة الاستقواء. اذا لا سمح الله نجح نتنياهو في سنها فالديمقراطية ستنتهي. وأنا مثل الطفل في قصة “ملابس الملك الجديدة” همست “إن قوانين الحصانة وفقرة الاستقواء توجد في كتاب القوانين منذ سنوات كثيرة. والديمقراطية ما زالت على حالها”. “هذا هراء”، اجاب صديقي. اقترحت عليه أن يهدأ وأن يسمح لكتاب القوانين بأن يتحدث.

قانون الحصانة تم تعديله في 2005 بمبادرة من اعضاء الكنيست من الليكود روني براون (رئيس لجنة الكنيست في حينه)، وميكي ايتان (رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في حينه). من جهة التعديل قلص جدا الحصانة الاجرائية ونص أنه يجب على عضو الكنيست الطلب من الكنيست المصادقة على حصانته.

من جهة اخرى، التعديل وسع سريان الحصانة الجوهرية لاعضاء الكنيست. مثلا، المادة 14د من قانون الحصانة ينص على أن الحصانة لا ترفع اذا “تسبب ضرر حقيقي بسبب اجراء المحاكمة الجنائية… لتمثيل جمهور الناخبين”. المادة وكأنها كتبت لصالح نتنياهو، اذا تقرر تقديم لائحة اتهام ضده.

جواب صديقي لم يتأخر. “أنا مندهش منك. أنت تعرف أن بيبي شخص منظم وذكي وهو ليس بحاجة الى سن قانون جديد للحصانة… ولكن بيبي سيقوم بتشريع فقرة الاستقواء وبمساعدتها سيتغلب على حكم محكمة العدل العليا اذا قامت المحكمة العليا بالغاء قرار الكنيست عدم رفع الحصانة”. “مرة اخرى أنت مخطيء ومضلل”، قلت له. “فقرة الاستقواء اصبحت مشمولة في قانون سنته الكنيست في تشرين الثاني 1993 وأنا كنت أحد مهندسيه”.

ما حدث هو التالي: شركة تجارية قدمت التماس للمحكمة العليا ضد المصادقة على استيراد لحوم الخنزير. المحكمة العليا قررت أنه يجب الموافقة على الالتماس لأن منع الاستيراد يخالف القانون الاساس: حرية التجارة، الذي تم سنه في آذار 1992. ومع ذلك قرر القاضي ثيودور أور، الذي انضم اليه في رأيه القاضي مشيل حشين والقاضية داليا دورنا، أن “المنع الذي يعارض قانون اساس: حرية التجارة، من الحيوي أن تتم الموافقة عليه بأغلبية 61 عضو كنيست. أي المحكمة العليا قررت بأنه تكفي اغلبية 61 عضو كنيست من اجل التغلب على حكمها (المحكمة العليا 93/3872، 22 تشرين الاول 1993).

تلك الفترة كانت في ايام اوسلو. اسحق رابين كان رئيسا للحكومة وأنا كنت وزير الصحة والوزير الذي يربط بين الحكومة والكنيست. ائتلاف رابين كان مكون في معظمه من العلمانيين والاقلية كانت من شاس. على الفور بعد نشر قرار الحكم اندفع آريه درعي الى مكتبي في الكنيست وقال غاضبا “لقد وعدتني في حينه عندما تم سن قوانين الاساس، بأنها لن تضر بالوضع القائم للمواضيع الدينية. لذلك لم نضع الفيتو على سنها. معك مهلة اسبوع من اجل تعديل القانون بالطريقة التي حددتها المحكمة العليا أو أنني…”. خلال اسبوع ركضت مثل الفأر من اجل تجنيد اغلبية تلغي حكم المحكمة العليا. الجوزات القاسية من بين اعضاء الكنيست العلمانيين، الذين رفضوا توسلاتي لتأييد القانون، ارسلتها الى رابين، الذي شرح لهم: “بدون تعديل القانون هناك خطر ألا يكون لدينا اتفاق سلام”.

في نهاية المطاف تم تعديل القانون بأغلبية أكثر من 61 عضو كنيست وشمل فقرة الاستقواء. حسب ما أذكر لم يتظاهر أحد ولم يقل أحد إن الديمقراطية قد انهارت بسببها. بعد سن “قانون اللحوم ومنتجاتها” وضمنها فقرة الاستقواء، قدمت الشركة التجارية مرة اخرى التماس لمحكمة العدل العليا وقالت إن فقرة الاستقواء هي غير قانونية. المحكمة العليا بتشكيلتها الواسعة من تسعة قضاة رفضت الالتماس بالاجماع وقالت “فقرة الاستقواء تسمح للمشرع بأن يجسد بواسطة التشريع اهداف اجتماعية وسياسية… فقرة الاستقواء التي تحصن القانون هي قانونية رغم أن القانون يمس بقوانين الاساس”. ومن صاغ اقوال “الكفر غير الديمقراطية؟”، رئيس المحكمة العليا القاضي اهارون براك بجلاله (المحكمة العليا 94/4676). القرار صدر في 25/11/1996 بعد أن اعلن براك عن الثورة القانونية.

في العام 2006، وبصفتي وزير العدل، اقترحت سن قانون اساس: التشريع، الذي شمل ايضا فقرة استقواء. مشروع القانون كان من شأنه أن يعزز مكانة المحكمة العليا، وفي المقام الاول، خلق اتفاق وطني على أن المحكمة العليا يمكنها الغاء قوانين الكنيست التي تناقض حسب رأيها قوانين الاساس، وهو الامر المختلف عليه الآن بصورة كبيرة. اقتراحي في حينه كان أن الاغلبية المطلوبة من اجل التغلب على قرار المحكمة العليا يجب أن تكون 65 عضو كنيست بدلا من 61. وفترة التغلب على قرار المحكمة العليا ستكون فترة زمنية محدودة. الاقتراح جاء كي يحسن جدا الوضع الذي كان قائما في حينه. لقد تفاوضت مع الرئيس براك، لكني لم أتمكن من استكمال هذا التشريع.

على أي حال، نتنياهو لا يحتاج الى أي تشريع جديد من اجل البقاء على قيد الحياة من الناحية القانونية. القانون الحالي بنى له “حصن قانوني” مبني جيدا. إن الضجة حول مستقبل الديمقراطية في اسرائيل ليست سوى “ضجة شديدة على لا شيء”. من يثيرونها يعرفون الحقيقة، لكن لشدة يأسهم من عدم القدرة على الانتصار على نتنياهو في صناديق الاقتراع، هم يطلقون غضبهم على النيابة العامة والمحاكم، حتى تنفذ المهمة بدلا منهم، وازاحة رئيس الحكومة عن الحكم. وهذا لن يحدث.

في الحملات الانتخابية الثلاثة الاخيرة وضعت احزاب اليسار والوسط شخصية نتنياهو في مركز الحملة، وهزمت مرة تلو الاخرى. الآن هي تنوي فعل ذلك مرة اخرى، وتتوقع نتائج مختلفة. الدليل البارز على ذلك هو أنه عندما عرض اهود باراك حزبه الجديد ركز فقط على موضوع فساد نتنياهو (هذا مضحك جدا عندما تأتي الاقوال من فم شخص كان نجم في عدد لا بأس به من قضايا الفساد). ومن أجل ازالة الشك، اعتقد أن الطريق السياسية لنتنياهو تقود الى نهاية دولة اليهود وتقرب دولة الابرتهايد ثنائية القومية. هذا هو الخطر الوجودي الوحيد الذي يهدد اسرائيل كدولة يهود ديمقراطية.

الطريق الوحيدة التي ربما تؤدي الى استبدال نتنياهو هي طرح بديل امني وسياسي لطريقه. ولكن احتمالات ازرق ابيض في أن يفعل ذلك، ضئيلة. لأن اليسار والوسط لم يتعلموا أي شيء ولم ينسوا أي شيء. بديل مناسب لاحزاب اليسار والوسط يجب أن يركز على مواضيع سياسية وامنية: الحاجة الى انقاذ القدس اليهودية وفصل القرى الفلسطينية عنها، التي لم تكن في أي يوم جزء من المدينة؛ ضرورة تأمين سلامة المنطقة الجنوبية ضد هجمات حماس. وفي المقام الاول ضعضعة التحالف الذي عقده نتنياهو مع حماس (بدلا من تدميره كما وعد) والذي هدفه السماح بضم الضفة لاسرائيل، نضال لا يلين ضد رفض نتنياهو للالتقاء مع أبو مازن بدون شروط مسبقة، في الوقت الذي يجري فيه مفاوضات غير مباشرة مع حماس ومع الجهاد الاسلامي، ادانة يومية لنتنياهو على أنه ضاعف في فترة ولايته عدد المستوطنين الذين يعيشون خارج الكتل الاستيطانية المتفق عليها، من 65 ألف شخص الى 130 ألف شخص، من اجل منع الانفصال عن الفلسطينيين واحباط حل الدولتين.

ايضا الآن أكثر من 60 في المئة من الجمهور الاسرائيلي يؤيدون الفصل بيننا وبين الفلسطينيين واقامة دولة فلسطينية مع ترتيبات امنية مناسبة. في استطلاع اجري قبل الانتخابات الاخيرة، مصوتون لليكود يعادلون 6 مقاعد اجابوا بأنهم يؤيدون اقامة دولة فلسطينية. معنى ذلك واضح: فقط مواجهة مع هذه المواضيع يمكن أن تحول ناخبين من كتلة اليمين – الحريديين الى كتلة الوسط – يسار.

في ثلاث حملات انتخابية متواصلة، احزاب الوسط – يسار هزمت لأنها تجاهلت المواضيع الوجودية التي تحسم مستقبلنا وركزت على تسويد صورة نتنياهو. لقد حان الوقت لتغيير الاتجاه. ما الذي يمكن للوسط – يسار أن يخسره؟ فقط الهزيمة المؤكدة في انتخابات ايلول 2019.