:مصدر المقال
https://ajalia.com/article/26692

يا باراك، عُف عني

2020-05-18

هآرتس –

إن نشر الوثيقة التي كانت فيها مسودة للاتفاق بين سوريا واسرائيل في “هآرتس” ليس هو السبب الذي أفشل المفاوضات، بل الامر يتعلق بباراك نفسه الذي قال حسب شهود عيان بأنه يحتاج الى المزيد من الوقت وأنه أدرك في حينه بأنه يجب الانسحاب من لبنان. لذلك، يجب عدم القاء المسؤولية عليّ أنا شخصيا والى الأبد لأن الهرب من لبنان بدون انجاز سياسي هو وحده الذي يتحمل مسؤوليته “.

خلال مسيرتي الصحافية في “هآرتس” كتبت مئات المقالات “اليسارية” تماما، مؤيدا انهاء الاحتلال وحل الدولتين لشعبين على اساس حدود حزيران 1967. أيدت الانسحاب من هضبة الجولان مقابل السلام مع سوريا ولبنان، وحتى قمت بالانضمام الى مجموعة “اسرائيل تبادر” التي تعمل من اجل الدفع قدما بسلام اقليمي على قاعدة مبادرة السلام العربية من العام 2002. مدى الصفات التي راكمتها يتراوح بين انهزامي وحتى كاره اسرائيل ومرورا بـ “خائن”. ولكن في تاريخ النزاع الاسرائيلي العربي يشار الى اسمي بالتحديد كعائق للسلام بين اسرائيل وسوريا وباعتباره متهم بالانسحاب احادي الجانب من لبنان في أيار 2000. في السطور التالية سأحاول أن ازيل عن كتفي المسؤولية الثقيلة التي يصعب حملها عن احد الاخفاقات الاستراتيجية الكبرى في تاريخ الدولة.

في مقابلة مع المؤرخ اوري ملشتاين في ذكرى مرور عشرين سنة على الانسحاب من لبنان، التي نشرت في 1 ايار في “معاريف”، يقر رئيس الحكومة في حينه اهود باراك بأنه “من الواضح أن الانسحاب من لبنان كان يرتبط بالتسوية مع سوريا”. وهكذا فان القرار بسحب الجندي الاخير من لبنان والتخلي عن جنود جيش لبنان الجنوبي وتركهم لمصيرهم، اعتمل في قلب باراك بعد أن فشلت المفاوضات مع سوريا. وقد كان هناك نشر في “هآرتس” لمسودة اتفاق السلام بين اسرائيل وسوريا والتي وصلت الي بعد عدة ايام من جولة المحادثات الاخيرة في شباردستاون في امريكا. “التسريب لهآرتس افشل استمرار العملية”، قال باراك، “هذا النشر اوقف الاسد تماما واغلق الاوراق ولم يتحرك”. وحسب قوله، في ذاك اليوم ادرك بأنه يجب علينا الخروج من لبنان بدون اتفاق.

مؤسس حزب “اسرائيل ديمقراطية” يدرك بالطبع أن حرية الصحافة هي من اللبنات الاساسية لمجتمع ديمقراطي. لهذا فانه حذر من أن لا يقتل المبعوث ويكتفي بتحويله الى كبش فداء. وشرح باراك “في نهاية المطاف، الدار لشديد الاسف فعل ما يفعله المراسل”. حقا، شكرا. وبهذه المناسبة اقوم بارسال باقة ورود الى منزل من منازله الفخمة. المحررون في “هآرتس” وأنا اعتدنا كما هو متوقع من صحيفة عقلانية ومن مراسل عقلاني. لشديد الاسف، باراك لم يفعل ما يفعله الزعماء. لقد فوت فرصة نادرة، وربما أخيرة، لضم سوريا ولبنان الى دائرة السلام وتغيير وجه الشرق الاوسط.

في كتابه “اليد التي تجمدت” وصف الجنرال احتياط اوري ساغي الذي قاد المفاوضات مع سوريا، سلوك باراك في اللقاء الحاسم الذي جرى في شباردستاون مع الوفد السوري بأنه “جنون”. “الرئيس الامريكي وكل طاقمه يجلسون هناك لساعات طويلة وأنت لا تقول أي شيء” (في المسألة الاقليمية)، انتقد وزير الخارجية السوري فاروق الشرع باراك قائلا “أنت خدعتنا، خدعت رئيسنا، هدرت وقتنا. ماذا سنقول للاسد؟ فقط أنت ستكون المسؤول اذا فشلت هذه المفاوضات”. ساغي قال إن الرئيس الامريكي بيل كلينتون وقف مع الشرع وقال “اسوأ شيء هو أن الشرع لم يكن مخطئا”.

اعضاء طاقم السلام الامريكي دنيس روس ومارتن انديك قالا ايضا بأن التسريب لهآرتس أغضب السوريين، لكنهما يشهدان بأن الانسحاب أحادي الجانب لباراك من مسار السلام مع سوريا بدأ قبل النشر. ليس هذا فقط، بل إن احد كبار الشخصيات في البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية، لم تتهم السوريين (خلافا لاتهام ياسر عرفات بافشال مؤتمر كامب ديفيد في تموز 2000). انديك كتب بأن باراك نفسه اعترف امامه بأنه بحاجة “الى مزيد من الوقت”. ومصدر كبير في طاقم باراك قال لي في هذا الاسبوع بأن السبب الحقيقي للانعطافة في موقف باراك يكمن في استطلاع اشار الى الصعوبة في تجنيد دعم الجمهور للانسحاب من هضبة الجولان وليس مرض الاسد أو مسألة تواجد اجنبي على حدود بحيرة طبرية أو التسريب.

إن تسريب الوثيقة لهآرتس تم ابلاغ مكتب رئيس الحكومة بها قبل يوم من النشر. باراك رفض اقتراح رئيس مكتبه داني يتوم بأن يأمر باجراء تحقيق للشباك. بعد ذلك سألته لماذا لم يحاول اقناعنا بتأجيل النشر من اجل عدم الاضرار باحتمالات السلام التي جميعنا ايدناها. وهو قال بأنه لا يتذكر. وأنا آمل أن هذه السطور ستنعش ذاكرته وتريحني منه الى الأبد. الهرب من لبنان بدون انجاز سياسي هو كله أمر يرجع اليه، فقط هو المسؤول عنه.