ليس هناك اليوم رئيس دولة في العالم (باستثناء دول العدو) يرفض استقبال رئيس حكومة اسرائيل. وليس هناك تقريبا دولة في العالم، بما في ذلك اغلبية الدول العربية والاسلامية، تنفي شرعية وجود دولة اليهود. وليس هناك في برنامج العمل أي تقليص للمساعدات لاسرائيل أو التعاون التجاري معها، لا في الاتحاد الاوروبي ولا في الولايات المتحدة، بل حتى قرار الاتحاد الاوروبي وسم المنتوجات التي تصل من المستوطنات لا يتسبب بأضرار فعلية. وحسب معطيات بنك اسرائيل فان التصدير الى اوروبا انخفض بنسبة 10 في المئة في العقدين الاخيرين، و3 في المئة الى الولايات المتحدة، لكن التعويض عن ذلك يوجد في دول آسيا ودول جديدة. صحيح أنه توجد جامعات لا تتحمس لاستضافة الباحثين الاسرائيليين الى المؤتمرات الدولية، وبعض شبكات الطعام ترفض شراء المنتجات الاسرائيلية، لكن في السنة الماضية وصلت الاستثمارات الاجنبية في اسرائيل الى 285 مليار دولار، ثلاثة اضعاف ما كان في العام 2005، وهو العام الذي بدأت فيه حركة الـ «بي.دي.اس» نشاطها. وقد تم سن قانون في ولاية الينوي في آذار الماضي يمنع عقد صفقات مع الشركات التي سحبت استثماراتها من اسرائيل، اضافة الى 20 ولاية اخرى في الولايات المتحدة تنوي سن قانون مشابه. عندما تكون هذه هي المعطيات، فانه يصعب اقناع الجمهور الاسرائيلي بالضرر السياسي الذي تتسبب به سياسة الحكومة في المناطق واقناعه بنجاعة الـ بي.دي.اس، أو تخويفه مما يتوقع في مستقبلا. من يريد يمكنه أيضا الادعاء أن دول العالم «المتنور» تمنح اسرائيل رخصة غير مقيدة لفعل ما تشاء. بناء المستوطنات؟ مصادرة الاراضي؟ تجميد الجثث؟ اعتقال اداري بأعداد قياسية؟ ما هو حجم كل ذلك مقارنة مع المذبحة ضد 300 ألف انسان في سورية، وعملية التطهير في تركيا، وقطع الرؤوس في العراق والعمليات التخريبية في بلجيكا وفرنسا؟ صمت مطبق تقريبا. وهناك من يتحمسون الى نسبة هذا النجاح لنتنياهو، لكن المنظمات الاسلامية المتطرفة هي المسؤولة عن ذلك أكثر من حكمة رئيس الحكومة. لكن أمام هذا الوضع الجيد، من المهم القول إن مكانة اسرائيل تستند الى بطاقة الاعتماد التي حصلت عليها في السابق. وليس على تصنيفها كدولة هاي تيك، بل كدولة لضحايا الكارثة الفظيعة، ولكونها دولة حقها في الوجود لا يعتمد على أسس عقلانية بل على أسس اخلاقية والشعور بالذنب من قبل معظم دول العالم. تصنيف اسرائيل الاستثنائي الذي منحها الاعتماد الكبير، هذا هو الاعتماد السياسي الذي ضمنت أمنها بواسطته، والقطارات الجوية التي انقذتها في الحروب، والدعم الكبير في مؤسسات الامم المتحدة والاستثمارات والمساعدة وتجند المجتمع الدولي ضد ايران والتسامح في العقود الاولى للاحتلال. إن الاعتماد، كالعادة، يدفع الى الغفوة ويمنح الشعور بأنه لا توجد حدود الى أن يتم تجاوز الاطار المسموح به. وما زالت اسرائيل على ثقة بأن الاعتماد الذي حصلت هو اعتماد أبدي، وأن ما كان هو الذي سيكون، لكنها قائمة الآن، عمليا، على السحب على المكشوف سياسيا دون إذن، وعلى قروض البالون غير السخية التي منحتها إياها الدول التي تنشأ فيها الآن أجيال جديدة. هذه هي الاجيال التي سيواجهها الجيل الاسرائيلي القادم في المجتمع الدولي. فهي ستكون غير قادرة على ضبط النفس والفهم. ومنذ الآن هي تقوم بتسخين المحركات باتجاه الوقاحة والتعالي والاستخفاف، التي تميز من تم اعتبارها ذات يوم اخلاقية وتعتبر اليوم الدولة الاستعمارية الاخيرة. والجيل الاسرائيلي القادم هو الذي سيدفع الديون السياسية التي تتسبب بها الحكومة الحالية. تستمر اسرائيل في تخويف نفسها من الاعداء الذين ليست لديهم القوة الحقيقية لمحاربتها، لكنها لا تفعل أي شيء من اجل الحفاظ على زبائنها واصدقائها، هذا هو جبل الجليد الضخم الذي ينتظرها من وراء الزاوية في الوقت الذي يرقص فيه القبطان والملاحون فوق السفينة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف