نور بعلوشة... كاتبة فلسطينية من غزة، درست في جامعات قطاع غزة تخصص برمجة، وشاركت في العديد من الأمسيات الشبابية، وتعتبر صوتا مهما له أيقاعا خاصا، هاجرت إلى ماليزيا ومن ثم إلى أوربا حيث تسكن بين الثلج والجبال والطبيعة، لكن الحنين يحاصرها.
وكان معها هذا الحوار الذي اجراه معها لـ (أمد) الروائي هاني السالمي عبر الشبكة العنكبوتية :
س: نور بعلوشة متى بدأت حكايتك مع غول الشعر، ومن هو بطلك في غزة، ومن هو بطلك الأن ؟
ما يربطني بالشعر ليست حكاية لتبدأ، علاقتي به علاقة توحد كامل وربما هي العلاقة الحقيقية التي تكون بينه وبين الجميع في حين أن ما يحدث في عصر التكنولوجيا يختلف قليلاً فنحن بتنا نستغله لنرضي نزقنا وهوسنا الخاص وحالاتنا المنفردة، بدأت الشعر حين كنت في المرحلة الابتدائية، حدث هذا لأني كنت في عائلة تخلّق فيها شاعر ما ، ربما بإمكانه أن يكون جيناً يورّث ، تطورت علاقتي به حتى أعلنت عن وجوده في حياتي لأستاذي في المدرسة وكان هو المستمع الأول لقصائدي. بطلي في غزة، البحر وبطلي الآن أمي.
س: يقال أن النصوص طفل صغير لا تكبر إلا إذا نامت بين دفتي كتاب، متى سوف نرى كتابك الأول؟
النصوص لا تكبر إلا حين تصل مع تحفظي على أن النص الكبير هو كبير بذاته حتى لو تم ردمه للأبد، وفكرتي عن النشر مختلفة بعض الشيء، أصدرت كتابي الأول في أدب المسرح حين كنت في أول العشرين، واكتشفت أني من أولئك الذين يحترمون القارئ أكثر من هوسي بالنشر والانتشار.
ولا أود أن تأتي لحظة ما أندم فيها على أي نص أقدمه في كتاب، عوضاً عن الخدمات الجليلة التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات. لكن هذا كله لا ينفي أهمية أن ننام نحن -في هذا البرد الذي تبثه مروحة الحياة في قلوبنا- بين دفتي كتاب معنون باسمنا الذي سيضيع يوماً ما..
في بداية ٢٠١٧ سأصدر ديواني الأول لأن كتابي الأول أصدرته في ٢٠١١.
س : كل كاتب له طقوس خاصة في الرقص مع الكلمات... ما هي عتباتك وطقوسك في الكتابة ؟
أنا أجد أن النص يكون داخل رأسك لأيام وربما شهور أو سنوات وحين تكتبه هو فقط يولد. والمخاض أعسر من أن تخطط له، لا طقوس خاصة لي، الكاتب إنسان طبيعي وعادي والكتابة فعل جميل لكني أكتب وأنا أطبخ، أو أشاهد التلفاز وأحياناً أكتب وأنا في القطار أو الشارع أو أي مكان.
س : هل نور بعلوشة تكتب نفسها أو الكتابة تكتبها ؟
دوماً نحاول أن نثبت أننا لا نكتب أنفسنا فقط، لكن الحقيقة هي أن كل نص يكتب شيئاً ما عنا.، لكني أجد أن النص، هو تنزيل خاص، يسقط على رأسي مثل كرة ، وأحياناً أكون آخر من يفهمه.
س : أنت الأن تملكين خبرة كبيرة في السفر، هل يمكن أن نرى نصوص سردية طويلة حول السفر ؟
حتماً.. معظم ما أكتبه في السنوات الأخيرة كانت نصوص نوستالجيا وعن تجربة السفر بشكل أو بآخر، تجاربنا هي من تأخذنا دائماً. عن السفر والسفر من السفر ، المنفى يربي فينا النصوص الموحشة التي اذا ما خرجت أذابتنا.
س : غزة دائما تنبض في نصوصك، هل مازلت غزة هكذا ؟
المكان الذي توجد فيه أمي سيبقى نابضاً فيّ للأبد. عوضاً عن أن غزة هي من صنعت كل هذا التوتر الشعري داخلي، وهي الاجتياح الاول في مخيلتي.، فالأماكن التي نولد فيها ونعيش فيها تصبح مثل غراء يلتصق بكل مراحلنا القادمة.
س : ما رأيك بالمشهد الثقافي الفلسطيني وخاصة غزة ؟
فلسطين صدرّت مبدعين لكل العالم، خلقت شخصيات وكتاب ومثقفين على طراز عالٍ، وبرأيي المتواضع نحن نمتلك مثقفين لكن لا نمتلك الوعي بما نمتلكه. لا نمتلك المساحة، دور نشر، جسم قوي باستطاعته استثمار هذه الثروة الفكرية خصوصاً غزة في ظل التحديات السياسية التي قد تصيب اتحاد الكتاب بالوهن والضعف. وبرأيي أن نمتلك جسماً واحداً قوياً وله احترامه، خير من التعددية التي لا تورثنا شيئاً الانقسام لم يعد سياسياً بل فكرياً وثقافياً.
نصوص نور بعلوشة
[أعلّقُ الكثير من الأسئلة التي سأسألها لنفسي حين أصبح في الخمسين]
سأسأل نفسي: لماذا تركت أمي وهاجرت بعيداً؟ وأنا القريبة أكثر من كأس مائها على الطاولة.
سأسأل نفسي: لماذا لم أرتد فستاناً صاخباً في مناسبة عامة؟
لماذا لم أفتح الباب الخلفي للعصافير التي أكلت مناقيرها و هي تدق باب الخزان؟
في الخمسين
وأنا أقلب الكتاب الذي سأقرأه بعينين مُنوَّستين وباهتتين، سأسأل : لماذا لم أكتب فكرتي كاملة، لماذا لم أصرخ بها، فكرتي التي ستموت معي ولن ألفظها!
لماذا خبأت ملابسي الجميلة للوقت الذي سأرتديه فيها؟ ولماذا لم يأت الوقت؟ لماذا نسيت؟
في ذلك الوقت، ستكون "كرمل ابنتي " قد كبرت وربما سأتساءل: لِمَ تركتها وحيدةً، علقتها بأنانية في صدري ومشيت، لماذا لم أشعل لها عود الثقاب بيدي، كي تحرق ما لم أحرقه؟
لماذا لم أنجُ من الحرب الدامية مع الحنين، ولماذا بقيت أقطف ال ورد حتى صرت في الخمسين، ولماذا يجف الورد تماما مثلي!
صحيح!
سأسأل نفسي: لِمَ لَمْ أرتدِ الكعب العالي، ولِمَ كنت حين أمشي، أمشي على عجلٍ بخطى واسعة وعملاقة، كأني سأعبر الكون من فوهته الأخرى!
وحتماً سأسأل: لماذا سأموت وفي يدي خيطُ يوجعني ويرجعني..
‎في استوكهولم
‎كنت أستمع لأغنية سويدية عمرها خمسين عاماً، صادفت عجوزاً أنيقاً أوقفني وسأل :هل أنت من الشرق الأوسط؟
‎:صحيح
‎هل تسمعين الموسيقا السويدية
‎:أحاول أن أتعرف عليها
‎الدموع تسقط من وجهه الذي ما نمت عليه تجاعيد، وجهه الذي يحكي ترفاً مدقعاً، بكى وقال : تذكرني بوقت طويل مضى
‎تبسمت وقلت: لم تعش حرباً صحيح؟
‎أجاب: صادفت حرباً كانت قد مرت من هنا، حين استعملنا الجيش الألماني كممر في حرب طاحنة قديمة، وأتذكر جيداً حين قدّم لنا الجنود حلوى مذاقها لا يزال طرياً في فمي
‎ضحكت ضحكت لأن هذا الرجل لم يجد شيئاً يتذكره سوى المرور، مرور الأشباح من حوله دون أن تلمسه، ودون أن تردم شيئاً في عمقه، بل قدمت له حلوى لا يزال مذاقها طرياً في فمه.
‎سألني : تضحكين؟ من أين أنتِ؟
‎أجبت : فلسطين
‎قال : لم تضحكين؟
‎قلت: لنفس السبب الذي يجعلك تبكي لأنك لا تمتلك ذكرى تعيسة وحرب أو خراب، لنفس السبب الذي يجعلني الآن هنا وأستمع لموسيقا سويدية، وأتحدث معك عن حرب المرور
‎سأل: هل هناك شيء ناقص هنا؟
‎أجبت : الكون ليس هنا، أمي ليست هنا.
‎تعاسة نصف الكون يبررها سعادة نصفه الآخر.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف