"ألصقي العجينة، حتى تكوني خيراً في بيت زوجك" جملة قالتها أم ابراهيم في عرس ابنها البالغ من العمر 30 عاماً والمقام في غرفة صغيرة في إحدى البيوت القديمة في قريبة مجدل بني فاضل الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة نابلس، حيث لا تتجاوز مساحة الغرفة 45 متراً، وفيها يتسابق الحضور في الجلوس قرب منصة العريس والعروس" اللوج"، وكما العادة يجلس الأقارب في المقدمة، ومن ثم الحضور.
هنا تبدء أصل الحكاية، وقبل الدخول لاكتمال مراسم العرس المعتادة داخل الغرفة الصغيرة، ينتظر الحضور لحظة إلصاق العجينة، حينها تبدو الحياة الزوجية أمرا محسوما لديهم، ومرتبطا بتماسك العجينة أو انزلاقها. عادات قديمة، وما زال الكبار يحتفظون بها والصغار يطبقونها في أعراسهم.
"إلصق العجينة بتعيش عيشة هنية"
تسير العروس "سلمى" بخطى ثابتة، وهي تنظر لخطوات قدميها أثناء السير، دون أن يظهر وجهها للعموم، وهي بذلك تبتسم ابتسامة خفيفة من أسفل الطرحة البيضاء، وتمسك بيدها قطعة من العجينة، استعداداً للصقها على باب منزلها، فإن تماسكت العجينة ولم تنزلق استمرت الحياة الزوجية كما يعتقد أهالي القرية، وعاش الزوجين بسعادة، ولكن الكارثة العظمى إن انزلقت حينها يقال لها "فال سيء وقد تنتهي الحياة الزوجية بالطلاق".
وقالت سلمى:هي عادة قديمة ولا أعلم لماذا نقوم بها، ولكن والدتي قالت لي بأن التصاق العجينة في الباب قد يجعلني سعيدة مع زوجي، ولكن قد انزلقت العجينة وحاولت تثبيتها، فهل فعلا سيؤثر هذا على حياتنا الزوجية؟"
لصق العجينة قبل الدخول إلى عش الزوجية، هي عادة فلسطينية قديمة، وقد ظهرت في زمن تواجد الكنعانين في فلسطين، وقيل حينها بأن الخميرة مرتبطة بفعل الخير والرزق، حسب ما ذكر الشاعر و الفنان الشعبي موسى حافظ
وقال أحد مواطني القرية: "كان حظ زوجتي جميلاً عندما بقيت العجينة ملتصقة على الحائط في يوم زفافنا، والويل لنا إن سقطت فلن تفلت زوجتي من كلام أمي والأقارب الذين سيصفونها بالحظ العاثر".
العريس في قسم التعذيب
"قصف العريس"، "تعذيب العريس"، "ضرب العريس"، كلها أفعال لن يفر منها العريس قبل حفل الزفاف، وفي "حمام العريس" يباغته أصدقاءه خلسة بحمام من الكوكا كولا، والعصائر، والصابون، وأحياناً يبتكرون خلطة جديدة من البيض والطحين والملح واللبن، حسب ما ذكر المواطن حمزة محتسب من مدينة الخليل.
وقال محتسب :في البداية يدخل العريس إلى الحمام حتى ينتعش بالماء، ولكنه لا يعلم ما ينتظره في الداخل، ولا يعلم بوجود أصدقاء آخرين في الداخل ينتظرون قدومه حتى ينعشوه بالسوائل والعصائر والبيض. وللتمويه يقوم قسم من أصدقائه وكما جرت العادة "بزف العريس" وبالغناء وإطلاق الزغاريت حتى لا ينتبه إلى ما سيلحق به فيما بعد".
وأَضاف: "قسم من الأصدقاء يزفون العريس، وقسم آخر يحضرون له البدلة والملابس اللازمة، أما القسم الأهم فهو قسم التعذيب حيث يمارس الأصدقاء بعض الحيل التي يستمتع بها العريس وهو مغمض العينين".
وعند انتهاء العريس من جولة "الضحك" التي تلازمة فترة استحمامه بالمسحوق المبتكر، يتوجه العريس بعد الاستحمام لحلق ذقنه وشعره، ومن ثم يكمل مراسم الزفاف المعتادة.
وفي الحديث عن هذه العادة التي أصبح يتقنها بعض الفتية وينفذونها بحرفية و من باب "النكتة" على صديقهم "العريس". قال الفنان الشعبي موسى حافظ: "هذه العادة حديثة، ولم توجد في الزمن القديم، وهي ليست عادة شعبية ولا حتى موروثا اجتماعيا مرتبطا بعادات الزواج لدى المجتمع الفلسطيني، فهي تنفذ من باب النكتة والمرح فقط، وهي محببة لدى البعض".
وأضاف حافظ: "قديماً كان هناك من من يلقب بصديق العريس "الإشبين"، وهذا الوصف متواجد في الديانة المسيحية أيضاً، وهو أحد الحاضرين الذكور المُرافقين للعريس في حفلات الزفاف، وعادةً ما يتم اختيار "الإشبين" من قِبل العريس نفسه، ويكون غالباً من أصدقائه أو الأشخاص المُقربين له. وكان هذا " الإشبين" متواجدا بين القبائل البدوية أيضا، حيث تقع عليه مسؤولية القيام بدعوة الناس لحضور حفل الزفاف الخاص بصديقه".
واستكمل حافظ حديثه قائلاً: "قديما كان أصدقاء العريس، يشاركون العريس لحظة قيامه بـ "حمام العريس"، وكانوا يأخذون منه أشياء بسيطة مثل منديله الخاص، حينها يحاولون بذلك إجبار "الإشبين" على عمل وليمة لجميع الحضور، وهم بذلك يكسبون الرهان".
"العريس ممنوع يشبع"
"العريس ممنوع يشبع" هذا ما قاله المواطن حمزة محتسب عندما وصف فقرة غداء العريس. وقال: "فترة الغداء هي حكاية أخرى، حيث يقوم أصدقاء العريس بالالتفاف حول العريس، أثناء تناوله الطعام، ومن ثم يمسكون بيده خلسة ويفتحون فمه، ويدخلون الطعام في فمه، ويمنع أن يشعر بالشبع".
"الخارطة تدله على المفتاح"
عادة أخرى، قد يمارسها البعض، ولكنها مرتبطة بمدى العلاقة القوية التي تربط الأصدقاء، وبامتلاك العريس قلباً واسعاً لاستقبال هذه الحيل التي يعتبرها الأصدقاء مضحكة ومسلية في ذات الوقت.
قال محتسب : "نقوم بدهن غرفة النوم ببعض الألوان، ونخفي المفتاح الخاص بالغرفة، ونعلق بعض الورق ونرسم الخرائط عليها والتي تدلل على وجود المفتاح، وحينها نمارس لعبة القط والفأر، حتى يتمكن العريس من إيجاد مفتاح غرفته".
وأَضاف: "في بعض الأحيان نضع أكثر من منبه للساعة داخل الغرفة، ويتم توقيتها في مواعيد مختلفة، وينشغل العريس حينها في إغلاق المنبهات".
وكأس الماء والسكر
"شربت كأساً من الماء والسكر في عرس ابن عمي عام 1992"، هذا ما أكده أحد مواطني مدينة جنين ، وقال: "من العادات التي قد تمارس حتى هذه اللحظة، قيام العريسين وهما جالسين على اللوج بشرب كأس من الماء والسكر"
ولم تتوقف العادات عند احتساء كأس الماء والسكر، ولكن من المعروف أيضا قيام الأهل في مرحلة تسمى "طلبة العروس" بشرب فنجان القهوة، وهذه عادة موروثة وموجودة حتى اللحظة في القرى والمدن الفلسطينية، وتدل على حدوث اتفاق وعقد اجتماعي ما بين أهالي العريس والعروس.
بطاقة الزفاف ..ورد في الحناء
توزع الحناء المزينة بالورد للمنازل قبل العرس بيومين أو ثلاث، حيث يتم استبدال بطاقة الدعوة المعهودة للزفاف، بصحن من الحناء والورد، وهذه العادة موجودة في قريبة بدرس، الواقعة غرب محافظة رام الله والبيرة.
وتقول المواطنة دلال عوض من قريبة بدرس: "صحن الحناء الخاص بأهل العروس، عليه أن يكون مزينا بالورد، وإن لم يتوفر الورد، يتم جلبه من الجيران، وأحياناً يتم إرفاقه بالشمع، وهذه العادة مكلفة مادياً ويتذمر منها البعض، وقد يدفع البعض لأجلها مبلغاً يقارب الـ 300 شيقل".
عن موقع الحدث

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف