التفاؤل الذي ظهر في اقوال الرئيس ترامب حول امكانية عقد صفقة سلام كبيرة، أكبر من اتفاق سلام "صغير" مع الفلسطينيين، يبدو كأمنية تم شراؤها من نتنياهو، أكثر من كونها خطة قابلة للتحقق. هل ينوي ترامب احياء المبادرة العربية التي تعود للعام 2002 وتبني صيغة "جميع المناطق مقابل السلام الشامل مع الدول العربية"؟ لأن هذا هو في الوقت الحالي الاقتراح الواقعي الوحيد الذي يضمن تحقيق حلم الرئيس الأميركي. ليس معروفاً إذا كان ترامب يعرف جميع شروط المبادرة العربية، لكنها تشمل شرطا ضروريا واحدا وهو الانسحاب الاسرائيلي قبل التطبيع مع الدول العربية. صحيح أنه يمكن إجراء مفاوضات حول الانسحاب، لكن هذه المفاوضات يجب أن يتم اجراؤها بين اسرائيل والفلسطينيين حسب شروط اسرائيل. وهذه الشروط رفضها الفلسطينيون حتى الآن، ومنها الاعتراف باسرائيل على انها دولة قومية للشعب اليهودي، والسيطرة الاسرائيلية الكاملة على الأمن في "المناطق". "الصفقة" التي يتسلى بها ترامب ونتنياهو يمكن أن تكون موجهة نحو السلام "من الخارج الى الداخل"، أي خطوات تبني الثقة بين اسرائيل وبعض الدول العربية كمرحلة تمهيدية للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين. إلا أن خطة كهذه يجب أن تتعهد بمقابل حقيقي للفلسطينيين، أو على الاقل تقديم تعهد اسرائيلي رسمي حول الاستعداد للانسحاب من مناطق والسماح باقامة الدولة الفلسطينية. عند هذه النقطة سينتهي هذا الخيار. ولكن نتنياهو يتمسك بالموقف الرافض لأي شروط مسبقة للمفاوضات، ومن هنا فان اقامة العلاقات مع الدول العربية قد تعتبر شرطا مسبقا، وهذا قبل دخول الجهات السياسية الداخلية في اسرائيل الى المعركة. عندما يتحدث نتنياهو وترامب عن صفقة شاملة فهما يقصدان عددا من الدول التي تسمى "الدول السنية المقربة من الغرب"، ومنها السعودية وقطر والامارات والبحرين وعُمان، ويحتمل ايضا تونس. مع بعض هذه الدول توجد اتصالات صدفية واحيانا يتم تبادل المعلومات والتنسيق. ولكن المسافة بين ذلك وبين الاتفاق الرسمي كبيرة جدا. ايضا الدول التي توجد لاسرائيل علاقات دبلوماسية كاملة معها، مثل مصر والاردن، يغيب عنها التطبيع بسبب الصراع مع الفلسطينيين، وكيف سيكون الوضع مع الدول التي توجد فيها معارضة جماهيرية عميقة للسلام مع اسرائيل؟ هذه المعارضة تعتمد في الاساس على المطالبة بمنح الفلسطينيين الحقوق القومية والسياسية وطرد الاحتلال الاسرائيلي من "المناطق" العربية. هذا مبرر ايديولوجي وليس أمرا إلهيا. ففي ظروف مناسبة اكثر كان يمكن تليين المواقف مقابل انجاز يوافق عليه الفلسطينيون. هذه الامور غير موجودة، الآن، واسرائيل ترفض اعطاء أي مقابل للفلسطينيين. خلافا لمصر والاردن فإن دول الخليج لا تعتمد ماديا على المساعدات الأميركية. بل العكس. في المقابل هذه الدول بحاجة الى دفاع الولايات المتحدة في مواجهة ايران. وهنا ايضا هناك فرق بين السعودية التي تحارب ايران من اجل التأثير الاقليمي وبين قطر والكويت والامارات التي توجد لها علاقات سليمة وتجارية مع ايران. وحتى اذا اقترح ترامب صفقة دائرية مثلا بالضغط على ايران مقابل تقدم العلاقات مع اسرائيل، فان هذا الاقتراح لن يغري معظم هذه الدول، لأن السلام مع اسرائيل لا يقدم لها البدائل لسياستها في مواجهة ايران، أو حتى أي أداة دفاعية اخرى ضدها، ولا يوجد مقابل اقتصادي (التكنولوجيا الاسرائيلية يتم شراؤها بطرق غير مباشرة الآن ايضا)، وبسبب عدم وجود تهديد اسرائيلي لهذه الدول. هل سترغب هذه الدول في السير في الطريق السياسية مع اسرائيل فقط من اجل ارضاء ترامب؟ نظريا هناك امكانية كهذه، مثل تركيا التي غيرت مواقفها شيئاً ما بالنسبة للأسد من اجل مصالحة روسيا، بعد أن فرضت الأخيرة على تركيا العقوبات بسبب اسقاط الطائرة الروسية. ولكن العلاقة بين دول الخليج والولايات المتحدة ليست كذلك. ومن المشكوك فيه وجود صفقة مناسبة يمكن أن يقترحها ترامب على الدول العربية دون الطلب من اسرائيل دفع الثمن الكامل. يمكن مسامحة ترامب على أحلامه، لكن ليس باستطاعة نتنياهو التمتع بهذا. فهو يعرف جيدا أن بضاعة الاتفاق الاقليمي لن يشتريها أحد في المنطقة. فهي نوع من البضاعة التي يجب دفع المال من اجل تسويقها. وهذه البضاعة يمكننا أن نسجل عليها "لن يكون هناك شيء لأنه لا يوجد شيء".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف