تحرر، هذا الاسبوع، من السجن في الأردن الجندي أحمد الدقامسة، الذي قتل قبل 20 سنة في جزيرة السلام في نهرايم سبع تلميذات إسرائيليات من بيت شيمش لأنهن "ازعجنه أثناء الصلاة"، مثلما ادعى في الدفاع عن نفسه. ليس ما حصل قبل عشرين سنة هو موضوع هذا المقال؛ ولا حتى مجرد الفرحة العظيمة التي استقبله بها الجمهور الاردني ووسائل الاعلام في الدول العربية؛ ولا حتى أقواله لوسائل الاعلام بأن "الاسرائيليين هم قمامة بشرية"، يجب إزالتها عن أرض فلسطين المقدسة. فليس في كل هذا ما هو جديد. فقد اعتدنا على العناقات لدى الفلسطينيين، والتي يحظى بها محطمو جماجم الرضع ووابل الحلويات التي تتطاير في الهواء بين الجمهور الفلسطيني لمجرد سماع "بشرى" مقتل طفل يهودي. ولكن بودي أن ألفت الانتباه الى علاقة هذه الظاهرة العادية بموضوع يبدو ظاهرا مختلفا تماما الا وهو التسوية الاقليمية. فنهج رئيس وزراء اسرائيل، وعمليا نهج كل سياسي يسارع الى عرض خطة للتسوية مع الفلسطينيين (وعددهم أكثر من عدد أصابع اليدين)، هو أن التسوية مع الفلسطينيين يجب أن تكون جزءا من تسوية اقليمية مع الدول العربية السنية المعتدلة. والحجة المركزية هي أن الفلسطينيين سيكونون مستعدين للحلول الوسط، اذا ما ضغطت الدول العربية عليهم وأعطت شرعية لتنازلاتهم. نهجي هو أن هذه افكار عابثة. فمن يعتقد مثلا ان السعوديين سيشجعون الفلسطينيين على الاعتراف بدولة قومية يهودية، او ان الاردن سيحثهم على التنازل عن حق العودة للاجئين، يعيش في عالم من الاوهام الحلوة. واذا كان لا بد، فان الدول السنية المعتدلة "ستقيد" فقط، برأيي الفلسطينيين ولن يتحركوا قيد أنملة عن المبادئ التي تقررت في حينه للفلسطينيين في الخطة السعودية. لماذا؟ اولاً، يجب أن نرى نموذج الجندي الاردني كما يعكس باخلاص الشارع العربي في الاردن، في مصر، في السعودية، في قطر، في الكويت وغيرها. فهذا ليس فقط شارع السوق، بسطاء الشعب. هذا ايضا شارع النخب في الدول العربية: المحامين، الاطباء، المهندسين. فهل يتصور أحد ما فقهاء الدين في السعودية يؤيدون التنازلات لليهود على أرض فلسطين؟ اليوم كل الانظمة السنية تعيش صراع بقاء وتوجد في مواقف ضعف امام الشارع. وبالتالي أن يساعدوا اليهود وأن يقلبوا عليهم الشارع العربي، الذي جمع قوة في السنوات الاخيرة، هو خطوة تكاد تكون انتحارا. فضلا عن ذلك فان الانظمة السنية، تعيش صراعا دينيا وحشيا ضد الشيعة بقيادة ايران. والعقل يقول انه سيكون من الجنون من جهتهم اعطاء الذخيرة لايران وذيولها من خلال الضغط على الفلسطينيين لتقديم التنازلات. ثانيا، في المجال العلني، لم أرَ حتى الان أي تصريح عربي علني فيه نوع من الاعتدال في المواقف العربية والاستعداد للضغط على الفلسطينيين. العكس هو الصحيح، فالجامعة العربية هي التي تؤيد كل خطوة فلسطينية ضد اسرائيل ومقاطعتها في المنظمات الدولية، وهي التي تؤيد كل القرارات السخيفة للجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة ضد إسرائيل. يحتمل أنه في الاتصالات السرية مع مندوبي السعودية وغيرهم توجد وعود ايجابية. لديّ تجربة شخصية من لبنان، هذه كلمات لا تصمد في لحظة الاختبار. وبشكل عام، فمن يؤمن بان الدول العربية المعتدلة ستبدأ بتطبيع العلاقات معنا قبل أن تتحقق تسوية مع الفلسطينيين، حسب كامل المطالب الفلسطينية، يعيش في عالم من الجنون. ليتني أكون مخطئا، وفكرة التسوية الاقليمية تتم بالتأكيد. من الجيد دوما أن تكون هناك فكرة وأمل في مستقبل افضل.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف