حالة من السُّعار السياسي تنتاب المجتمع الغربي ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني؛ من الإنجاز العسكري للجيش السوري وحلفائه في مدينة حلب، فالانتصار لا يقتصر على عودة هذه المدينة التاريخية والعاصمة الاقتصادية لسوريا إلى ربوع الوطن مجددًا، بل يتخطاها إلى أبعاد أعمق وأكثر تطورًا على المستويات العالمية والإقليمية.
على الصعيد الدولي يعد حسم الجيش السوري لمعركة حلب انهاء للتفرد الأمريكي وسياسة القطب الواحد في المنطقة العربية، خاصة أن واشنطن لم تكن تريدا طلاقا ان يتمكن الجيش السوري من تحرير المدينة، والأدلة على ذلك كثيرة؛ فمبعوث الأمم المتحدة لسوريا، دي مستورا، حاول جاهدًا وبرعاية من أمريكيا وفرنسا وبريطانيا إنقاذ المسلحين المتواجدين في حلب، الذين ينتمون إلى فصائل إرهابية مثل فتح الشام، من خلال مبادرات عدة لخروجهم بأسلحتهم إلى مناطق أمنة، كما طلب في آخر مبادرة له بإعطاء المسلحين الذين كانوا يسيطرون على أحياء حلب الشرقية ميزة الحكم الذاتي لهذه المناطق، الأمر الذي لم تقبله الحكومة السورية، وباقي المبادرات الأممية تم رفضها من قبل روسيا أيضًا.
كما لوحت الولايات المتحدة برفع الحظر على بعض الأسلحة، مثل مضادات الطيران التي تحمل على الكتف ومنحها للفصائل المسلحة قبل معركة حلب، وبعدما تمكن الجيش السوري من إطباق سيطرته على كامل المدينة، وبدأت واشنطن وحلفاءها بالتذرع بالأوضاع الإنسانية في حلب، رغم أنها لم تفتح الملف ذاته عندما سيطرت داعش على مدينة تدمر الأثرية، ولم تفتحه أيضًا في غارات التحالف الدولي على الموصل العراقية في مواجهتها "لداعش"، كما لم تفتحه في اليمن، رغم أن كل 10 دقائق يموت طفل هناك بسبب العدوان والحصار السعودي المبارك من قبل أمريكا.
ولا يمكن هنا إغفال سيطرة "داعش "على تدمر كردة فعل تعبر عن غضب أمريكا من عودة حلب لكنف الدولة السورية، فمن المفترض أن داعش محاصرة من قبل الولايات المتحدة في الرقة ودير الزور، وبالتالي سيطرة التنظيم الإرهابي على تدمر جاء بتسهيلات أمريكية كنوع من التعويض ولو كان بسيطًا لخسارتها حلب.
وتمثل ضعف واشنطن على الساحة السورية في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بحلب، فأمريكا لم تكن طرفًا فيه كما عودتنا في الاتفاقات المبرمة السابقة، فجاء هذه المرة بين موسكو والفصائل المسلحة وبوساطة تركية، وبالتالي انتصار حلب مؤشر على تراجع الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وبروز طرف روسي يقابل النفوذ الأمريكي في المنطقة.
إقليميا انتصار حلب يعطي مؤشرا مهم على فشل المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وكشف وحدة المسار بين بعض دول الخليج والكيان الصهيوني، فبالتزامن مع دعوة قطر لعقد اجتماع طارئ في جامعة الدول العربية حول حلب، يطالب وزير داخلية إسرائيل بعقد اجتماع أممي عاجل بشأن أوضاع حلب، ما يعكس المخاوف الإسرائيلية من انتصار الجيش السوري في حلب.
يذكر أن الطيران الإسرائيلي شن العديد من الغارات العسكرية على مواقع تابعة للجيش السوري على مدار الخمس السنوات السابقة، كما دعمت تل أبيب المسلحين ومحاولاتهم الهادفة لإسقاط النظام في سوريا، وقامت أطراف من المسلحين مؤخرًا بزيارة شكر لإسرائيل على دورها الداعم لهم في الأزمة السورية.
إعلاميا أثبت معركة حلب زيف الادعاءات الإنسانية التي سوقت لها القنوات الخليجية مثل الجزيرة، بعدم وجود مواد غذائية للأهالي في حلب، فبعد زوال غبار المعركة تبين وجود العديد من مخازن السلع الغذائية والأماكن المزودة بالأجهزة الطبية، كانت الفصائل المسلحة تحتكرها، وقد وجد الجيش السوري العديد من الأسلحة والذخائر التي قدمت للمعارضة من أمريكا ودول خليجية عبر الحدود التركية.
التزييف الإعلامي الذي قدمته القنوات القطرية والسعودية لتجميل صورة المسلحين الارهابين في سوريا وإضفاء الصبغة الإسلامية عليها سقط في معركة حلب أيضًا، فالجامع الأموي في حلب تم تدمير مئذنته التي طالما صدحت بصوت الأذان من 1400 سنة، وتوقفت فقط في زمن التتار، واليوم توقفت عن العمل بسبب قصف المسلحين لها، كما استولى المسلحين على منبر صلاح الدين في الجامع الأموي واخذو إلى مكان مجهول، كما سرقت 750 ألف مخطوطة أثرية من الجامع ونقلتها إلى متحف أزمير في تركيا، كما أنها حولت الجامع لثكنة عسكرية.
ويرى مراقبون أن جميع أبعاد انتصار حلب لم تتكشف بعد، فلانتصار حلب أبعاد عالمية جديدة قد تتكشف ملامحها قريبًا، خاصة بعد تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل رسمي مهامه كما أن لها أبعاد إقليمية في ظل تحول تركيا التدريجي للمحور الروسي، وتقارب القاهرة مع موسكو وإعلانها صراحةً دعم الجيش السوري والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وبعد تبني "داعش" لعملية تفجير الكنيسة البطرسية في القاهرة، ستصبح القاهرة أقرب لموقف دمشق بضرورة القضاء على التنظيم الإرهابي حتى لا يتمدد في الدول العربية المجاورة، وانتصار الجيش السوري في معركة حلب يثبت أنه بات طرفا قويا ومهم في مكافحة التنظيمات الإرهابية.
بانتصار الجيش السوري في حلب تكون قد سقطت المشاريع الخليجية والغربية والإسرائيلية لإسقاط الرئيس بشار الأسد كمقدمة لإسقاط سوريا وضرب محور المقاومة ،وفتح المنطقة امام المشاريع الصهيونية والأمريكية لتفتيت المنطقة واغراقها في حروب داخلية ونهب ثرواتها.
انتصار حلب وضع المجموعات المسلحة وداعميها في مأزق فبدأت الاتهامات والصراعات فيما بينها وكذلك الانشقاقات وتغير الولاءات والتحالفات .فالمتابع لتطورات الازمة السورية وسير العمليات في الميدان يلاحظ ان المجموعات المسلحة وحلفائها يعاودون ترتيب اوراقهم والاعداد لمشاريع جديدة لمحاولة تحقيق أهدافهم في سوريا بعد فشل كل مشاريعهم السابقة نتيجة الانتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفاءه الروس والإيرانيين .

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف