يديعوتلهفي على الدبلوماسيين الأجانب هنا. فحكوماتهم تتوقع منهم أن يبعثوا مرة كل بضعة ايام برقية طويلة، سرية للغاية، تصف الوضع السياسي في إسرائيل بعمق. فالحكومات عطشى للأجوبة البسيطة، التي لا تقبل التأويل: هل توجد أزمة أم لا توجد أزمة، هل توجد انتخابات أم لا توجد انتخابات. هل توجد تحقيقات أم لا توجد تحقيقات. من سيقود اسرائيل بعد سنة وعلى رأس أي ائتلاف، يمين – يمين، ام وسط – يمين. يقرؤون بعناية ترجمات لمراسلين ومقالات تنشر في وسائل الاعلام الاسرائيلية، ويلتقون بين الحين والآخر مع موظف في وزارة الخارجية، مع عضو كنيست، مع محلل دوري. يثقل الاسرائيلي في الكلمات؛ يهز الدبلوماسي رأسه ولكنه لا يفهم شيئا. يعرف بان البرقية التي سيكتبها بعد ذلك لن تقدم حياته المهنية العرجاء في الوطن قيد أنملة. البرقية، التي لن يكتبها، ستقول كالتالي، الى هذا الحد أو ذاك: اسرائيل دولة مثيرة للاهتمام. في معظم الدول الديمقراطية التي أعرفها يذهب الناس الى الانتخابات لثلاثة اسباب: الاول، ان يكون الموعد المحدد في القانون قد حل؛ الثاني، ان تكون نشبت أزمة سياسية خطيرة، من النوع الذي يفكك الحكومات؛ الثالث، ان يكون رئيس الوزراء قد شخص فرصة للانتصار بقوة وتعزيز قوته. أم في اسرائيل فقد اخترعوا سببا رابعا: يتوجهون الى الانتخابات كي يهربوا من القرارات. الانتخابات هي نوع من الهروب. سأحاول الشرح. في الولاية السابقة كان نتنياهو يقف على رأس حكومة وسط – يمين. وقد فككها بعد سنتين. وعلل التفكيك باعتبارات حسية: ملت نفسه من محاولات التآمر ضده من جانب شركائه في الائتلاف. والقشة التي قصمت ظهره كانت مشروع قانون خاص في موضوع هامشي، نال أغلبية مؤقتة، غير ملزمة، في الكنيست. ففرض انتخابات أقام بعدها حكومة يمين – يمين. الحكومة التي أقامها خانعة وطائعة. كل وزرائها يتحدثون بصوت واحد. وبين الحين والآخر تسمع تغريدة انتقاد، ولكن لا أحد يهدده ولا احد يتآمر ضده. وعلى الرغم من ذلك، بعد سنتين عاد واعلن أنه ملّت نفسه. والموضوع الذي يدور عليه الخلاف هامشي جدا، أفضّل ألا أتعبكم بتفاصيله. محرج جدا أن تسمى هذه المواجهة «أزمة».. ولكن النفس هي نفس والملل هو ملل. يحتمل أن يدحرج هذا اسرائيل الى الانتخابات. أنتم تهتمون بالجانب السياسي. لشدة الفرح، يوجد جانب سياسي. في الولايات المتحدة انتخب رئيس جديد. اسمه ترامب. والقوى التي تشكل حكومة اسرائيل الحالية علقت عليه الكثير من الأمل. رئيس «البيت اليهودي» بينيت تحدث عنه كما يتحدث عن المسيح: انتخابه أزاح عن اسرائيل كل القيود التي فرضها عليها رؤساء سابقون. يمكنها أن تضم، تستوطن، تشرع، كما تشاء. وعندها فتح ترامب فمه وقال، توصلوا الى أي صفقة تريدون. لم يقل، افعلوا ما تريدون، استوطنوا اينما تريدون. قال، اعقدوا صفقة. مبعوثه، محام مجال اختصاصه هو العقود العقارية في شركة ترامب، وصل الى هنا كي يعد الأوراق للتوقيع. وقد فوجئ جدا بأن يسمع بأنه لا توجد صفقة. توجد اضطرارات. اما ترامب فلا يعترف الا باضطراراته هو نفسه. وبالفعل، نشرت أنباء عن صفقة «عامونا» جديدة مقابل تجميد. نتنياهو سارع الى النفي: فهو لن يسمح لبينيت بان يسرق الاصوات منه في اليمين. القصة السياسية هي مجرد مثال. سألتم عن التحقيقات في ملفات رئيس الوزراء. لا تصدقوا المنشورات: في فترة الانتخابات من الصعب جدا التقدم في التحقيق، ومن المتعذر رفع لوائح اتهام أو ادارة محاكمة. فالاجواء تكون مشحونة جدا. تخيلوا ان تطلب الشرطة التحقيق مع أحد ما في الخارج. لا يمكن لاي حكومة أجنبية أن تسارع الى إقرار مثل هذا التحقيق خشية أن تتهم بالتآمر ضد اسرائيل. حملة الانتخابات ستذيب التحقيقات؛ والانتصار في الصناديق سيدفنها. يوجد فضل واحد آخر، لا بأس به، لفترة الانتخابات: من المسموح لرب البيت أن يجن جنونه. فالناخبون يحبون هذا؛ العالم يفهم. وأنتم لا بد تتذكرون ما قاله اردوغان عن ترامب بعد أن اعلن بانه سيطرد من اميركا كل المسلمين: في الانتخابات هذا مقبول. نتنياهو هو الآخر يريد أن يجن جنونه. الاسرائيليون لا يريدون تقديم موعد الانتخابات. فهم تعبون من السياسة. وحتى اولئك منهم ممن يريدون التغيير لا يصدقون بانه سيحصل الآن. يعرف نتنياهو كيف يتغلب على هذه المشكلة. من الاصعب عليه أكثر أن يجر خلفه حزبه وشركاءه في الائتلاف. لقد رتب نتنياهو لهم حكومة احلام. والآن هو يدفع الثمن.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف