في 27 حزيران 1967، قبل ثلاثة اسابيع من انتهاء حرب "الايام الستة"، صادقت الكنيست على ثلاثة قوانين: تعديل أمر انظمة السلطة والقانون، تعديل أمر البلديات، وقانون حماية الاماكن المقدسة. ورغم الاسم البيروقراطي التقني، شق التعديلان الاخيران الطريق لضم شرقي القدس الى اسرائيل. جاء في التعديل الاول أن "القانون، الحكم، والادارة في الدولة تسري على كل ارض اسرائيل التي حددتها الحكومة في الامر". والتعديل الثاني يسمح لوزير الداخلية بتوسيع مجال سيطرة البلدية حسب تقديره.
كانوا في وزارة الخارجية قلقين من رد المجتمع الدولي على هذه الخطوة. وقبل يوم من النقاش في الكنيست تم اعطاء ممثليات اسرائيل في العالم توجيهات لمواجهة هذا الامر: "على خلفية الوضع في الجمعية العمومية للامم المتحدة يجب علينا أن نظهر في الدعاية الخارجية لنا قانون الاماكن المقدسة وأن نقلل من شأن أ و ب". هذا ما تمت كتابته للسفراء، لكن من كتب البرقية لم يكن متفائلا. "ليس واضحا الى أي درجة سننجح في ذلك"، كتب وأوصى بأن يتم عرض اجراء الضم كـ "ضرورة نابعة من الرغبة في ادارة كل المدينة بشكل سليم. ولا يجب وصف الامر على أنه ضم بل صهر يُمكن من تقديم الخدمات مثل المياه والكهرباء والعلاج والتعليم. واذا سُئلتم قولوا إن العملة في القدس الموحدة ستكون اسرائيلية".
في ذلك اليوم أرسل موظف وزارة الخارجية، اوري غوردون، رسالة الى عادي يافه، رئيس مكتب رئيس الحكومة ليفي اشكول جاء فيها: "لقد اقترحت على د. هرتسوغ (حاييم، الحاكم العسكري في شرقي القدس والضفة الغربية) أنه وعلى الفور بعد سن قانون توحيد مناطق البلدية أن يتم ضم عدة قرى في نابلس أو بيت لحم وغيرها من اجل النجاعة الادارية، وهذا لتمويه النية الاساسية. وقد عبر د. هرتسوغ عن اهتمامه بهذه الفكرة وطلب مني أن اعرضها عليه".
هذه الرسالة، إضافة الى وثائق اخرى كثيرة، تم الكشف عنها مؤخرا من قبل معهد "آثار"، الذي أراد استخدام المواد الأثرية من اجل حقوق الانسان. ولم تكن هذه الحالة الوحيدة التي حاولت فيها اسرائيل تمويه افعالها في شرقي القدس، خشية من رد المجتمع الدولي الشديد. "السابقة التي كانت أمام ناظريهم هي الانسحاب من سيناء في العام 1957"، كما قال المؤرخ د. امنون رامون من معهد القدس لبحث السياسات. "في حينه، ورغم تصريحات بن غوريون عن مملكة اسرائيل الثالثة، اضطرت اسرائيل الى الانسحاب بسبب انذار القوتين العظميين".
في العام 1967، في المقابل، امتنعت الولايات المتحدة عن الطلب من اسرائيل الانسحاب الفوري، لكنها أوضحت لها بأنها لن توافق على خطوات احادية الجانب في القدس. ومن هنا جاءت الحاجة الى كبح وتعويق الاجراءات في المدينة، الامر الذي يجد تعبيره في محاضر جلسات الحكومة وتبادل الرسائل في تلك الفترة. هنا لعبت وزارة الخارجية دورا رئيسيا برئاسة آبا ايبان. رامون قال إن قائد المنطقة الوسطى، عوزي نركيس، اضطر الى وقف عملية هدم المنازل في الحي اليهودي بعد الشكوى التي قدمها صاحب مصنع ارمني تضرر من الامر. "قوموا بوقف الهدم"، قال اشكول لنركيس، "صحيح أن آبا ايبان يوجد في نيويورك، لكنه يجلس على كتفي ولا يتركني أرتاح. هذا يكفي في هذه المرة".
بعد ذلك بثلاثة اشهر، في أيلول 1967، قررت الحكومة ترميم الحي اليهودي. وأعلن وزير المالية، بنحاس سبير، مصادرة اراضي الحي. وقد عاش في ذلك الحي في حينه 3.500 شخص عربي بقوا من الفترة الاردنية، معظمهم من لاجئي القرى التي تحيط بالقدس من العام 1948. وفي هذه المرة قدمت وزارة الخارجية ايضا الدواء للداء: "يمكن أن يفسر المجتمع الدولي هذا القرار على أنه مصادرة للاراضي واخلاء اصحاب الاملاك في الحي اليهودي، وخاصة على خلفية النقاشات في الامم المتحدة"، كما جاء في البرقية للممثليات في العالم. "وهذا الامر يحتاج الى رد دعائي في حال نشرت لديكم أخبار سلبية".
في السياق فسرت البرقية كيف يمكن تفسير المصادرة. اولا، تم الطلب من ممثلي اسرائيل ابراز البُعد الصحي – هناك حاجة الى علاج مشكلات المجاري والمياه بشكل سريع. والبند الثاني سعى الى التمييز "بين السيطرة – التي تعني التجميد المؤقت لحقوق الاملاك الى أن يتم الاتفاق مع اصحابها، وبين المصادرة". وسعت وزارة الخارجية الى التوضيح بأن قانونا واحدا يسري على اصحاب الاملاك اليهود والعرب. وتمت الاشارة في البرقية ايضا الى أن المسجدين في الحي اليهودي تم استثناؤهما من المصادرة. واختتمت البرقية بأنه اذا طرح مستقبلا موضوع اخلاء المنطقة فسيتم اعطاء كل من يتم اخلاؤه شقة بديلة.
وقد تم ارفاق ملخص لتقرير اردني مع البرقية، حول وضع الحي والصور التي تؤكد الحاجة الملحة. وقد استمر اخلاء الحي اليهودي مدة عامين. اقترحت الحكومة على المخلين مكانا آخر للسكن في العيزرية، لكن عددا قليلا منهم حصل على الشقق، ومعظمهم توزعوا في أحياء شرقي المدينة. بعد ذلك بثلاثة اشهر، في كانون الاول 1967، تدخلت وزارة الخارجية مرة اخرى من اجل القدس. وهنا كان مطروحا على الجدول نقل هيئة القيادة الوسطى الى المدرسة المهنية في بيت حنينا. وقد حذر عاموس غانور، ممثل وزارة الخارجية في الحكم العسكري من أن "ردود الفعل لن تقتصر على القدس والضفة الغربية فقط. فهذا موضوع سيجذب انتباه وسائل الاعلام الدولية". ويبدو أن الحل في هذه المرة كان العمل اثناء انشغال العالم في شؤون اخرى. وأضاف شخص ما لرسالة غانور بخط اليد كلمات "ليس قبل عيد الميلاد".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف