ميشيل بليتنيك/ سياسة نتنياهو الاستيطانية الجديدة، لا تعبد الطريق امام البناء الواسع في الضفة فقط- انها وبمباركة اليمين وترامب ايضا تحمل مخاطرة تجميد الفلسطينيين خارج العملية الدبلوماسية كليا.
في الثلاثين من آذار اعلنت الحكومة الاسرائيلية انها وافقت على ترخيص المستوطنة الاولى منذ عشرين عاما، المستوطنة الجديدة هي جزء من رزمة تعويض الحكومة عن اخلاء مستوطنة عمونا. لقد اصدرت المحاكم الاسرائيلية اوامر بهدم هذه البؤرة الاستيطانية “غير الشرعية” وكان اولها عام 2006. في شباط هذا العام تم هدم البؤرة.
لكن رغم الجدال حول المستوطنة الجديدة ، فهي ليست الاولى خلال عشرين عاما، صحيح انها المستوطنة الاولى في ذلك الوقت والتي خططت الحكومة لها علنا ولم تدع انها جزءا من مستوطنة قائمة اصلا . لكن في تلك الفترة فان البؤر التي كانت تعتبر غير قانونية حسب القانون الاسرائيلي اصبحت قانونية عندما اعلنت عن نفسها جزءا من مستوطنة مقامة في نفس المنطقة، وبهذا فان كثيرا من البؤر تم شرعنتها بهذا الاسلوب. ووفق القانون الجديد فانها “المستوطنة الجديدة الاولى” فقط في اكثر المفاهيم تقنية وبدون معنى.
الاكثر اهمية هي الخطوات التي اتخذتها الحكومتان الاسرائيلية والامريكية في ضوء الاعلان الاسرائيلي. انها المؤشرات الحقيقية على السياسة التي تتشكل في النقاش بين حكومتى ترامب ونتنياهو.
في اجتماع خلال الاسبوع الماضي ابلغ نتنياهو الكابينيت ان اسرائيل ستتبنى سياسة جديدة للتوسع الاستيطاني لارضاء الادارة الامريكية. هذه السياسة تتكون من اربع نقاط:
1. اسرائيلي ستبني في مناطق نخططة مسبقا
2. حيثما كان ممنوعا البناء ، فسوف تسمح اسرائيل بالتوسع في مناطق مجاورة للمناطق المخططة
3. في حال انتفاء اي من الخيارين السابقين بسبب القانون او الامن او الطوبوغرافيا، سوف تسمح اسرائيل بالبناء في اقرب نقطة الى مستوطنة قائمة
4. اسرائيل لن تسمح بانشاء اي بؤرة “غير قانونية”.
هذا ما عرضه نتنياهو كسياسة للتراجع، في الحقيقة فان السياسة تذهب نحو نمو غير محدد. وكما اشار حاجيت اوفران من السلام الان ” اذا كان جائزا البناء في المناطق المبنية ، او المجاورة او القريبة فهذا في الممارسة يعني انه بالامكان البناء في اي مكان”. لكن النقطة التي تتعلق بالبؤر هي الوحيدة التي تشكل تعديلا.
طالما استمرت اسرائيل بالادعاء ان الاستيطان لا يشكل خرقا لاتفاقية جنيف الرابعة والتي تمنع نقل سكان دولة الاحتلال الى المناطق المحتلة .
ورغم ان معظم دول العالم ( بما فيهم ايضا الغالبية العظمى من الحقوقيين والقانونيين الدوليين يعارضون مثل هذا الموقف الاسرائيلي ، وبسبب اهداف اسرائيلية داخلية يرى القانون الاسرائيلي ان المستوطنات المعاقبة هي مستوطنات قانونية.
البؤر غير القانونية هي قطة برية ، حيث تبدأ بالعادة بكرفانات متحركة على قمم الجبال. وفي بعض الاحيان تنحدر الى اسفل، وفي احيان اخرى تتحول الى بلدات صغيرة . هذا ما عناه نتنياهو باعلانه ان اسرائيل لن تسمح باعمال غير قانونية ، والتي لم تسمح بها حكومته فقط بل انها رخصتها وشرعتها باثر رجعي وهو ما يكشف سخافة السياسة الجديدة.
اهداف السياسة الجديدة
ان التوجه الاكثر بروزا في اعلان نتنياهو ها ما ليس موجودا فيه: اي ذكر للكتل الاستيطانية، فمنذ سنوات ومنذ تبادل الرسائل عام 2004 بين بوش الابن وشارون ، كان هناك تفاهم ضمني بينهما ان اسرائيل تستطيع دون نقاش ان تستمر في بناء ما يسمى الكتل الاستيطانية. مهما كان عدد الكتل، ومهما كان تصنيف هذه الكتل حيث ان تصنيف الكتل لم يكن واضحا لكن المبدأ الاساس كان موجودا.
في السنوات الاخيرة دعت اصوات في اسرائيل والولايات المتحدة امثال دينيس روس، اليوت ابرامز، ويتسحاق هيرتصوغ وآخرين الى اتفاق رسمي امريكي حول توسع الكتل الاستيطانية بحث يفرق بينها وبين المستوطنات الاخرى ، هذا وحده يعيق التطور كما شرحت مسبقا، لكن الان وتحت شعار سياسة التراجع يعود للماضي وبقيود قليلة.
ربما كان القصد من اعلان نتنياهو هو خلق اطار للتوسيع المستوطنات في عهد ترامب، ونادرا ما واجه نتنياهو شيئا من ادارة اوباما ابعد من تصريحات فاترة حول عدم موافقة الولايات المتحدة على السياسات الاسرائيلية ، لذا كان ممانعا للذهاب بعيدا في تحدي اوباما في الاستيطان خوفا من ان يؤدي ذلك لرد فعل اقوى ناتج عن الاستفزاز.
مع ترامب يريد نتنياهو ان يضع اطارا في الشهور الاولى للادارة الجديدة والذي يمكنه من استخدامه لتمديد حدود المستوطنات وتوسعها، وبعمله هذا يسمح لترامب ان يظهر بانه يضع اسرائيل تحت المراقبة فيما يهديء حلفاءه من اليمين.
في انشاء هذا الاطار يعرف نتنياهو انه لن يظهر كمبدع. لذا يعلن انه سياسة جديدة وبيان حسن نوايا تجاه واشنطن وليس اتفاقا مع ترامب. وهذا يسمح لترامب ان ينتزع تنازلات اكثر في الطريق.
على المستوى الداخلي، لم يحظ نتنياهو بنكسة من ائتلافة وهذا مفاجيء. اذا قامت اسرائيل طوعا بفرض قيود على الاستيطان والبناء بدون اي تنسيق مع الولايات المتحدة ، فان اليمين الاسرائيلي سيرى مثل هذه الحركة تنازلا رئيسيا يمكن ان تجلب البغض والاحتجاج. ولكن هذا لم يكن رد الفعل، لان السياسة الجديدة لم تضع حدا للتوسع الاستيطاني باي شكل.
تناغما مع ترامب
كان رد الولايات المتحدة هو العمل يدا بيد مع الاستراتيجية الاسرائيلية ، معتبرة انه رغم ان اعلان اسرائيل كان احادي الجانب، الا انه يمكن ان يكون جزءا من خطة منسقة. مع الاخذ بعين الاعتبار الزيارة الاخيرة لمبعوث ترامب جاسون غرينبلات للمنطقة وهذا احتمال وارد. كان تصريح البيت الابيض في آخر آذار في الرد على الاعلان الاسرائيلي الجديد مغادرة واضحة للموقف الامريكي المعهود عبر التصريح ” ان وجود المستوطنات بحد ذاته ليس عائقا امام السلام”، ولاحظت ادارة ترامب ان الفي عطاء استيطاني قد نشرت قبل ان يدخل ترامب مكتبه وقبل ان يأخذ فرصة لوضع اي توقعات.
ان التبعات هنا واضحة ، وقد ظهرت اكثر من مرة في تصريح ترامب ، فقد قال ان الاتفاقات مع الادارة السابقة هي امر قيد التنازع، وبالسماح بتوسع المستوطنات على اساس انها خطوة جاءت في ظل الادارة السابقة هو مغادرة فاضحة للاعراف في الدبلوماسية الدولية . نعم يمكن للرؤساء الجدد ان يغيروا سياسات لكن الالتزامات السابقة والتوقعات لا تختفي ببساطة وتذروها الرياح عندما تصل ادارة جديدة للسلطة.
الان وضع نتنياهو معاييره للبناء الاستيطاني رغم ان الكثيرين اشاروا ان هذه المعايير زائفة، ورأى تصريح ترام بقوة ان هذه المعايير ستكون الارضية التي يمكن لترامب ان يطلب من نتنياهو المزيد. ربما يضغط ترامب باتجاه قصر البناء داخل كتل المستوطنات المقامة وربما شيء آخر ومثل هذه الطلبات يمكن ان تستدعي ردود فعل اكثر من ائتلاف نتنياهو.
لكن كل هذا يمكن ادارته، ليست اصناف الاعتراضات هي التي تهدد نتنياهو وحكومته، وذلك لان الاطار يسمح للتوسع الاستيطاني اكثر بحيث ان اي تنازل هامشي لن يترجم الى تحديد حقيقي، وسيفهم حزب نتنياهو وائتلافه هذا جيدا.
رد فلسطيني؟
كل هذا لم يجد اذنا صاغية عند محمود عباس،والسلطة الفلسطينية، ربما يكون هذا مفهوما، ولكنه خطير، يبدو ان عباس يفهم ان رئيسا امريكيا يمينيا مثل ترامب يمكن ان يسهل الدفع باتجاه اتفاقية سلام، فترامب اقل هشاشة تجاه الهجوم عليه من اليمين واذا بدأ خطة بأمل النجاح وتضمن الحد الادنى من مصالح اسرائيل ، فلن يكون على الاغلب مثل الديمقراطيين ، فخارطة الطريق التي وضعها بوش الابن ومؤتمر انابوليس يشكلان مثلا في هذا الموضوع ، لذا فان عباس يحاول ان يبني نوعا من العلاقة الايجابية مع ترامب.
ولكن يبدو ان ما يتشكل الان هو نهاية اللعبة : اظهار اسرائيل كمتخذ لخطوات احادية وتظهر الولايات المتحدة كداعم ودافع للعملية وفي هذه الاثناء تضاعف الجهود في واشنطن، عمان والقاهرة للضغط لمبادرة اقليمية توسع الحوار العلني مع اسرائيل. الامل هو في ان يقود ذلك الى ضغط عربي على عباس ليقبل ” افضل اتفاق يمكن ان يصل اليه” والذي يتضمن ترتيبات لبقاء الاردن في الاغوار، ضم الكتل الاستيطانية، والاعلان عن دولة فيما تبقى.
لقد تم اعداد اطار الحل واعادة تعريفه بدون اي مشاركة فلسطينية، لقد حدث هذا في الماضي لكنه لم ينجح، فقد اضعفت رسائل بوش شارون اسس التسوية الاقليمية الى درجة انه عندما استلم اوباما الحكم عاد الى منطق حدود عام 1967، التي اصبحت موضع جدال مكثف بعد هذه الرسائل، لقد كان من المفروض ان تحتفظ اسرائيل بما تسميه الكتل الاستيطانية وكان السؤال الوحيد في ضوء ذلك هو ما المقابل الذي سيحصل عليه الفلسطينيون.
المثال الآخر هو مفهوم الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، وهو مفهوم غير مسبوق في الشؤون الدولية. لقد تم نقاشه سنوات عدة، ولكن عندما وافقت ادارة اوباما ان يكون ذلك جزءا من اتفاق الحل النهائي تغيرات مفردات التفاوض وواجه الفلسطينيون شرطا لا يمكن تلبيته داخليا ولا يمكن التهرب منه دوليا.
يحدث الان نفس الشيء، فالفلسطينيون معزولون سياسيا ، والضفة الغربية مقطعة الاوصال بالمستوطنات ، ويبدو ان ترامب على نية البدء باجندته الجديدة الخاصة . ضم بعض اراضي الضفة بات احتمالية اكبر في اسرائيل.
الفلسطينيون سواء كانوا من السلطة او حماس او اي طرف آخر يخسرون تدريجيا حتى نصف الموقف العربي التاريخي الداعم. نهاية اللعبة الان تملى عليهم . بدون احتجاج ، سوف يجدون ان هناك مسلمة اخرى للصراع يمكن ان تكسر ، وربما يجدون انفسهم امام حل فجائي مفروض عليهم.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف