لقد أصبح التطرف اليميني الذي تقوده حكومة "نتنياهو"، وحثالة المستوطنين، ضد المواطنين الفلسطينيين المسالمين، والاعتداء عليهم، وعلى أملاكهم ومزارعهم، وقذفهم بالحجارة من زعران المستوطنين، أصبح أسلوباً في غاية الخطورة، تحاول الحكومة اليمينية إعفاء نفسها من المسؤولية عن ما يجري ضد الفلسطينيين، هذه الزعرنة التي بدأت بقطع أشجار زيتون الفلسطينيين، وحرق مزارعهم، تحولت إلى اعتداءات إجرامية، مثلما حدث في قرية دوما، بحرق البيت مع ساكنيه، فإن تساهل سلطات الاحتلال معهم، وغض نظرها عن جرائمهم ضد الفلسطينيين شجعهم على التمادي في اعتداءاتهم، فإسرائيل التي تدعي بأنها دولة قانون، هي دولة مغتصبة تجاه الفلسطينيين، وبدلاً من معاقبة هؤلاء الزعران تقوم حكومتها بتغيير نصوص القوانين لحمايتهم من جرائمهم، وإذا عارضت المحكمة العليا أعمالهم، تقوم الحكومة بتغيير القوانين كي لا تصبح هناك إدانة لجرائمهم، وإذا عارضت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه المسلكية، تُشرع الحكومة قوانين جديدة لإعفائهم من تحمل المسؤولية عن جرائمهم، والمنطق يقول في ضوء هذه المعادلة أن الحكومة هي المجرمة وعليها أن تتحمل مسؤولية حماية الفلسطينيين تحت الاحتلال.
معهد "سميث" لاستطلاعات الرأي العام، نشر استطلاعاً حديثاً بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة العنصرية، كانت نتائجه أن 70% من المستطلعين يعتقدون أن الشبكات الاجتماعية تصعد الحوار العنصري، وأن 52%من المستطلعين يعترفون بأن العنصرية في إسرائيل تفاقمت، واتضح أن 64% من العلمانيين الإسرائيليين يقولون أن إسرائيل أصبحت أكثر عنصرية، مقابل 41% من التقليديين، و27% من المتدينين، وقال 94% من العلمانيين أن هناك عنصرية تمارس ضد العرب، فهذه النتائج التي تدين سياسة الحكومة الإسرائيلية، تثبت أن إسرائيل أصبحت دولة عنصرية، في طريقها إلى الفاشية وإلى الابرتهايد.
أنا لست مع التعميم، ففي إسرائيل من لا يقبلون سياستها العنصرية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فإن محرر جريدة "هآرتس "يوسف كلاين" كتب بتاريخ "13-4-2017"، مقالة عبارة عن وثيقة إدانة لحكومة إسرائيل على عنصريتها وديمقراطيتها المزعومة وحرية الرأي والتعبير، فمحرر الجريدة من مواليد عام 1948، هو الذي كشف عن قضية الحافلة (300) بقتل الأمن الإسرائيلي لشابين بعد إلقاء القبض عليهما، وهو من معارضي الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، فمقالته حملت عنوان "النخبة المتميزة لدينا"، أثارت هزة في إسرائيل، عسى أن يتعلموا منها، وأثارت ردود فعل غاضبة، لأن بها اتهامات لاذعة وحقيقية، وقد وصف في مقاله المتدينين الوطنيين بالخطرين، بل أنهم أخطر من حزب الله، ومن سائقي السيارات الذين لا يهتمون بدهس المارة، ومن طفل يحمل مقصاً، نحن قادرون على قمع العربي، أما هم فليسوا قادرين على ذلك وتساءل: "ما الذي يريدونه؟ يريدون السيطرة على الدولة وتنظيفها من العرب ونفيهم؟ فإنه من السابق لأوانه إبداء صراحة تامة في تعاملهم، ولا تصدقوا نفيهم، فشوفينيتهم الدينية، هي شوفينية متطرفة، ملفوفة بخشية السماء، وهذه الشوفينية تتغلغل في الجهاز التعليمي، وتتعزز في الجيش، وتؤثر على المحكمة العليا، وأنه لن يمضي الكثير من الوقت قبل أن تراهم يقتحمون علينا عالمنا، يطلقون على أنفسهم اسم الصهيونية الدينية، ينقط منهم الزيت والعسل، وهذه هي سترتهم الواقية، وتحت غطاء هذه السترة، يقومون بأعمال لا أخلاقية، وعيونهم تجول في السماء، وهم يركزون فقط على السيطرة والطرد، وإذا تحدثتم معهم عن أزمة السكان، سيبتسمون ساخرين، فلا توجد لديهم أزمة سكن، ولن يدعوا من لا بيت له للسكن في منازلهم الجميلة التي بنوا نصفها مجاناً، فهم لا يريدون الذين يفتقرون إلى منازل كجيران لهم، فهم النخبة والنخبة لا ترغب في مثل هذه الجيرة، لقد تغيرت النخبة، لكن الأسلوب لا زال باق على ما كان عليه، الاشكناز في الأعلى، والشرقيون في الأسفل، وهم لن يختلطوا بالشرقيين، حتى أن زوجاتهم لن تقبل بالولادة بجوار مثل هؤلاء الجيران في نفس المشفى، من السهل أن تشتروا أصواتهم في الانتخابات، اعطوهم ميزانيات، أعطوهم ترانسفير وستكسبون أصواتهم، وهم يجعلون رئيس الحكومة يرقص على أصبع صغيرة، وسيجعلون الوزراء دمى على خيط.
أنهم أصبحوا يدعون إلى ضم الضفة الغربية، ويفكرون بالترانسفير بهدوء، وغداً سيقولون بصوت مرتفع ترانسفير، ويفكرون بما فكر فيه أعضاء الحكومة الصهيونية السرية (التنظيم الإرهابي الذي اعتدى على رؤساء البلديات الفلسطينية عام 1980 ".
ردود الفعل الغاضبة على مقال "محرر هآرتس"، جاءت سريعة، فرئيس الوزراء "نتنياهو" ادان مقاله بشدة، منتقداً وصفه لليهود المتدينين بأنهم اخطر من حزب الله، واصفاً المقال بالمشين والمخزي، ووزير الجيش "ليبرمان" دعا لمقاطعة جريدة "هآرتس"، ووزير التعليم رئيس حزب البيت اليهودي "نفتالي بينت"، وصف المقال بمستوى جديد من الانحطاط، لكن كانت أيضاً هناك ردود فعل إيجابية على مقال محرر "هآرتس"، في هذه الاثناء يقوم اليمين الإسرائيلي، بتنظيم حملة لمنع أصحاب الأعمال والاقتصاد، من نشر إعلاناتهم في الجريدة.
العنف الإسرائيلي ليس ظاهرة، بل هو جزء من ترسانة اليمين الإسرائيلي، والديني القومي، وإن استخدامه ضد الفلسطينيين ينطوي على اعتراف بقوة المحتل، الذي يعيش في هذه المرحلة ذروة ممارساته، فتعابير التهديد والوعيد، لحقت بوزير الجيش السابق "موشيه يعالون"، ورئيس أركان الجيش "غادي ايزنكوت"، وآخرين، طالهم التلويح بعنف اليمين المتطرف، فهم يهددون أبناء جلدتهم، فكيف ستكون هذه التهديدات اتجاه الفلسطينيين تحت الاحتلال، وممتلكاتهم؟ فهذه التهديدات طالت أيضاً منظمات حقوق الإنسان، لدفاعها عن الفلسطينيين، مثل مدير عام منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية، فهذا اليمين لا يتردد بقيامه بالعنف في ظل حكومة تحميه من المساءلة، فمن يزرع العنف، يحصد الخوف، فملفات الاعتداءات على الفلسطينيين، تغُلق دون إجراء التحقيقات المطلوبة، حتى قبل إغلاقها، وفقا لتوجيهات سياسية عليا، فالعنف والتطرف والإرهاب، كان أول من مارسه التنظيمات اليهودية منذ سنوات الثلاثينات، أي قبل وبعد إقامة إسرائيل، فهو جزء من الأيديولوجية الصهيونية، ولا يترددون من ممارسته ضد الفلسطينيين يومياً، لحملهم على مغادرة الوطن.
هناك مطالبة من قبل اليهود العلمانيين، بمنع المنظمات الدينية اليهودية من دخول المدارس للتبشير دينياً وأيديولوجياً، بينما وزارة التعليم التي يقف على رأسها، الوزير "نفتالي بينت"، رئيس حزب البيت اليهودي المتطرف، يتعاون مع الجمعيات التبشيرية اليهودية، ويعمل على الحد من التعليم العلماني الليبرالي، مما يزيد من ظلامية إسرائيل وتطرفها، للتأثير على جيل الغد من اليهود، وتربيتهم على التطرف وكراهية الآخرين.
إن وجهات النظر الإسرائيلية، من القضية الفلسطينية، تظهر جلياً من استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، من تراجع لها علاقة بما أوردناه من أمثلة، ففي استطلاع الرأي العام الإسرائيلي عام 2005، أيد 55% من المستطلعين إقامة الدولة الفلسطينية، وحالياً هبط هذا التأييد ليصل إلى 29% حتى أن 69% من المستطلعين لا يؤمنون بأن المفاوضات ستؤدي إلى اتفاق في السنوات القادمة، وهذا دليل واضح، على أن سياسة التحريض والتطرف الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وتشويه صورة النضال الفلسطيني لنيل حقوقهم المشروعة، إضافة لأمور أخرى، كان من بين أسباب التراجع في الراي العام الإسرائيلي، بالتنكر لحقوق الفلسطينيين المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف