قبل الانتخابات الرئاسية بأشهر معدودة استدعى ترامب الى مكتبه في برج ترامب عدداً من المراسلين الصحافيين من وسائل الاعلام الاسرائيلية في الولايات المتحدة. وبعد نقاش قصير سأل أحد الصحافيين مرشح الرئاسة: ماذا يسمي المنطقة التي توجد وراء نهر الاردن: الضفة الغربية، المناطق المحتلة أو «يهودا» و»السامرة»؟ بدا ترامب محرجا: «يوجد هنا شخص يعرف ذلك أكثر مني، فاسألوه». قال ذلك وأشار الى جيسون غرينبلات، الذي كان يجلس في الغرفة. وفي المناسبة ذاتها أعلن ترامب أن غرينبلات، رئيس الطاقم القانوني التابع له لشؤون العقارات، سيكون من الآن فصاعدا مستشاره لشؤون اسرائيل واليهود. وبعد فوز ترامب في الانتخابات حصل غرينبلات على منصب آخر، وهو مبعوث الرئيس الى الشرق الاوسط والمسؤول عن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال غرينبلات في حينه لاصدقائه المقربين: «لقد فوجئت، لكنني أشعر بأنني كنت مستعدا طوال حياتي لهذه المهمة.اسرائيل مقربة من قلبي وأنا سأكون مسرورا اذا كنت شريكا في صنع السلام».

غرينبلات، الذي يبلغ (50 سنة)، يهودي ارثوذكسي، من الجيل الثاني لعائلة هاجرت من هنغاريا الى الولايات المتحدة. وهو خريج «معهد يونفرسيتي» ومدرسة القانون في جامعة نيويورك، متزوج، وأب لستة أولاد. وحين أنهى تعليمه في العام 1992 بدأ غرينبلات العمل في مكتب للمحاماة في شؤون العقارات في نيويورك، لكنه مل وقرر اقامة شبكة مقاه. وقام بافتتاح عدة فروع في نيويورك. ولكن في تلك الفترة بالضبط بدأت شبكة «ستاربيكس» تعمل في المنطقة، فلم يستطع المنافسة. فقام غرينبلات باغلاق الشبكة والعودة الى مهنة المحاماة. وقد كانت هذه الخطوة مربحة جدا: عندما مثل زبوناً في نقاش صفقة أمام ترامب لفت انتباه رجل العقارات بسبب قدرته القانونية، فاقترح عليه ترامب العمل معه. ولم يمر وقت طويل حتى قام ترامب بتعيينه رئيسا للقسم القضائي التابع له ووضعه في المكتب الملاصق لمكتبه، فأصبح الشخص الأكثر قربا من الرئيس. وفي مكتبه الجديد وضع غرينبلات تمثالاً لرأس ترامب، وكان يقول إنه عندما يقترب يوم السبت كان ترامب يحثه على الذهاب الى البيت للاستعداد لليوم المقدس.

ضم ترامب يهودياً آخر للطاقم القضائي الرفيع وهو ديفيد فريدمان، الذي تم تعيينه محاميا له لشؤون الافلاس. فريدمان الآن هو سفير الولايات المتحدة في اسرائيل، ومسؤول الى جانب غرينبلات عن المهمة الاساسية في السياسة الخارجية لترامب: التوصل الى اتفاق سلام بين اسرائيل والفلسطينيين. الاثنان يقومان بتقديم التقارير مباشرة الى جاريد كوشنير، زوج ابنة الرئيس ترامب ومستشاره، وهو ايضا يهودي.

غرينبلات، الذي كان مواظبا على أخذ عائلته لزيارة اسرائيل في كل صيف، وقام بتأليف مرشد السياحة «اسرائيل للعائلات: مغامرة من 12 يوماً»، يوجد الآن ايضا على خط العمل. وقد وصل، أول من أمس، الى البلاد، وفي الاسبوع القادم سيبدأ جولة المحادثات الثانية له في المنطقة مع هدفين: تحديد لقاء ثلاثي بين نتنياهو وعباس وترامب لتحريك العملية السلمية، وبلورة مبادرة ترامب للسلام، حيث نجح الرئيس نجح في ابتزاز عدد من التنازلات من الطرفين بعد زيارته للرياض والقدس ورام الله.

يقول مقربو ترامب إنه حسب مبادرته التي سيتم طرحها بعد تهيئة الاجواء، سيتم تحديد موعد للقاء ثلاثي وتبدأ العملية – الحل سيكون دولتين تعترفان ببعضهما. وستكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وسيتم الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لاسرائيل، وشرقي القدس سيكون عاصمة لفلسطين، وسيكون هناك حرية وصول للأماكن المقدسة لجميع أبناء الديانات. لم يقم ترامب باختراع العجلة. فقد قدم كلينتون وبوش واوباما صيغة مشابهة قبله. ولكن ترامب يراهن على قدرته غير العادية في ادارة المفاوضات وادراكه بأن اسرائيل والفلسطينيين لن يقولوا له «لا». وهو يؤمن أن الخوف من غضبه سيردعهم، وهكذا يستطيع التقدم.

سيقول ترامب للطرفين بأنه لا يفرض عليهما أي شيء، ويمكنهما تقديم الملاحظات والتحفظات، لكنه يتوقع منهما التعهد بالاطار ومناقشة الامور المختلف فيها، وليس فقط التقاط الصور للذكرى.

ليس صدفة أنه قبل قدومه الى الشرق الاوسط ببضعة اسابيع قرر ترامب عدم نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس. «هذا سيضر بالآلية»، قال عندما تحدث عن سبب الغاء تعهده لاسرائيل. وقد أيد غرينبلات الخطوة، أما المستشار الرفيع للرئيس، ستيف بانون، فقد عارضها وزعم أن الوعد أعطي ليس فقط لاسرائيل، بل ايضا لناخبيه الافنغلييين الذين يؤيدون اسرائيل، والذين لم يكن سينتصر بدونهم. إلا أن ترامب فهم أن نقل السفارة سيغضب ليس فقط الفلسطينيين، بل ايضا السعودية ودولاً عربية اخرى، الامر الذي سيضر بفرص تحقيق السلام الاقليمي. ولسبب مشابه رفض أن ينضم اليه رئيس الحكومة نتنياهو في زيارته لحائط «المبكى».

قبل ذهاب ترامب الى الشرق الاوسط بيوم شاركت في لقاء مع أحد المسؤولين في البيت الابيض. وردا على سؤالي قال المسؤول إن «ترامب لا يعتبر المستوطنات عقبة في طريق السلام، لكنه قلق من البناء خارج حدود المستوطنات القائمة. وفي زيارته يتوقع الحصول على إشارة من نتنياهو تفيد بأن القدس أدركت قلقه». يمكن القول إنه لو لم يحصل ترامب على هذه الاشارة لما كان سيعبر عن التفاؤل حول امكانية انجاز الصفقة.

وحول ما حدث في الغرف المغلقة قال وزير الخارجية الاميركي، ريكس تيلرسون، للمراسلين في هذا الاسبوع في بروكسل إن «ترامب ضغط بشدة على اسرائيل والفلسطينيين وحثهم على اتخاذ الحلول الوسط. ويجب على الطرفين التنازل». وسمع من عباس أنه مستعد للمشاركة في لقاء ثلاثي، فقط ليقل أين ومتى. وحسب مصادر في البيت الابيض، قال للسعودية إنه سيتبنى اجزاء كبيرة من مبادرة السلام العربية، بما في ذلك حدود 1967، مع بعض التعديلات وتبادل الاراضي. السعودية من ناحيتها حدثته عن امور مريحة للأذن، وجعلوه يفهم أنه اذا تم حل الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني فستكون على استعداد لحلول وسط سياسية تشمل انشاء علاقات مع اسرائيل. ترامب ومساعدوه يعتقدون، خلافا لموقف اسرائيل، أن السلام بين اسرائيل والفلسطينيين هو لب الموضوع: عند تحقيقه يمكن التوصل الى السلام الاقليمي الشامل، وهذا هو طموح ترامب الأكبر.

عند مغادرته الشرق الاوسط بدأ ترامب العمل بجدية لتحريك العملية السلمية. فقد قام بارسال غرينبلات الى المنطقة على الفور، وأمره بالعودة مع تاريخ للقاء القمة. «تفاؤل الرئيس ذخر»، قال، هذا الاسبوع، أحد المسؤولين في البيت الابيض، «هذا يساعد في احضار الاطراف الى الطاولة».

غرينبلات هو عكس الرئيس تماما: صوته ناعم، يتحدث بهدوء ولديه قدرة على الاستماع. ويحترم من يتحدث معه ولا يقاطعه. عندما قام بزيارة الشرق الاوسط في آذار التقى مطولا أبو مازن ورجاله من اجل ازالة الاشتباه في كونه وسيطا غير نزيه كونه يهوديا. وقد قام بخطوة استثنائية وذهب لزيارة مخيم للاجئين في الضفة الغربية للاستماع إلى مشكلات وطموحات الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال منذ عشرات السنين. «لم يفعل ذلك أي مبعوث اميركي سابق»، قال في هذا الاسبوع دنيس روس، الذي كان مبعوث الشرق الاوسط. وقال أحد اصدقاء غرينبلات، هذا الاسبوع، «إنه يؤمن بأن هذه اللحظة هي فرصة تحقيق السلام مرة واحدة في الحياة. وهو يؤمن بذلك بسبب قدرة ترامب الاستثنائية على التفاوض، وايضا لأن ما يوحد الجميع هو الخوف من تهديد ايران».

منذ تعيينه للمنصب انتقل غرينبلات للسكن في واشنطن، التي تنتظره مع فضائح كثيرة. وقد تم استعراض اليومين الأولين لزيارة الرئيس في المنطقة في وسائل الاعلام الاميركية بشكل واسع، بسبب انتظار انكشاف جهل الرئيس بالعلاقات الخارجية أو اهانته لأحد القادة الاجانب. ولكن عدم حدوث ذلك دفع وسائل الاعلام الى الاهتمام بالعلاقة مع روسيا، الامر الذي دفع رجال البيت الابيض الى الاستعداد قضائيا لامكانية استغلال الديمقراطيين للازمة للمطالبة بمحاكمة اقالة للرئيس.

في بداية الاسبوع يتوقع حدوث دراما عندما سيقوم جيمس كومي، رئيس الـ «اف.بي.آي»، الذي أقاله ترامب، بتقديم شهادته أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ في نقاش مفتوح. وستكون هذه هي المرة الاولى التي سيفتح فيها كومي فمه بعد أن كشف من خلال مقربيه أن ترامب طلب منه وقف التحقيق في علاقة مستشار الامن القومي السابق، مايكل فلين، مع روسيا. «كومي سيكون جيدا، فهو شخص لا يضيع وقته في تعزية نفسه»، قال أحد اصدقاء كومي للموقع السياسي «بوليتيكو». «توجد له قصة ليرويها، وهو يريد أن يعرف الجمهور. ولو كنت في مكان ترامب لكنت أقلق جدا من هذا».

اذا تبين أن ترامب طلب من كومي وقف التحقيق، فان الحديث يدور عن تشويش التحقيق. وهذا البند قد يؤدي بالرئيس الى محاكمة اقالة. وقد يحاكم الرئيس محاكمة اقالة بسبب كشفه أسراراً حساسة أمام روسيا؛ اذا توفرت الأدلة على ذلك بالطبع.

محاكمة الاقالة تتم في الكونغرس، ومن اجل عزل الرئيس من منصبه هناك حاجة الى أغلبية عادية في مجلس الشيوخ واغلبية ثلثين في السنات. وفرصة أن يحدث ذلك محدودة لأنه توجد اغلبية جمهورية في المجلسين لن يصوتوا ضد ترامب طالما أن الاستطلاعات تظهر أن 96 في المئة من ناخبيه راضون عن أدائه.

من المحتمل أن لا تتم اقالته، الآن على الأقل، لكن العلاقة مع روسيا تسحق مكانة الرئيس وترافقه كغيمة سوداء. وهذا سبب آخر يجعله يسعى الى التوصل الى سلام بين اسرائيل والفلسطينيين. «ستكون هذه لحظة تاريخية، موثقة بشكل جيد، حيث سيكون ترامب هو المهندس والمضيف والمُخلص. وهذا ما يسعى اليه».




لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف