كما كان متوقعًا، صدرت الصحف الإسرائيليّة اليوم الأحد مع وجبةٍ دسمةٍ من التحريض المُنفلت على العرب في الداخل الفلسطينيّ بسبب العملية في القدس، كما شملت الوجبة، ضمن سياسة فرّق تسُد، مقالات وتحليلات عن أنّ منفذّي العملية هم من الطائفة الإسلاميّة، فيما الشرطيين اللذين قُتلا هم من أبناء الطائفة الدرزيّة، وذلك لإذكاء الطائفيّة داخل المجتمع العربيّ-الفلسطينيّ في الداخل، وتأليب الرأي العّام الإسرائيليّ ضدّ كلّ ناطقٍ بالضاد
وفي هذا السياق نعود ونّذكّر، وتحديدًا لأصحاب الذاكرة الانتقائيّة أوْ القصيرة، أوْ الاثنتين معًا، أنّ الإعلام العبريّ على مُختلف مشاربه، قنوات التلفزة، الصحافة المكتوبة، الإذاعة ومواقع الإنترنيت، هو إعلام مًتطوّع، وليس مُجندًّا، لصالح ما يُسّمى بالإجماع القوميّ الصهيونيّ، ويُشكّل رأس الحربة في نفث سموم العنصريّة والكراهية والحقد.
وإذا كانت الصحافة مرآة للمجتمع، فإنّ ما نُشر اليوم، أمس وأمس الأوّل، وما سيُنشر غدًا وبعد غدٍ يُنذر بالسوء حيّال تعامل الحكومة الإسرائيليّة العنصريّة مع الفلسطينيين في مناطق الـ48، وهم أصحاب الأرض الأصلانيين، وربمّا هذا المكان وأيضًا الزمان للتشديد على أنّ حكومة بنيامين نتنياهو غمرت الكنيست بـ94 قانون ومشروع قانون لاستهداف عرب الـ48 وتضييق الحيّز عليهم، وهو الضيّق أصلاً.
قوّات الشرطة الإسرائيليّة، وبإيعازٍ من المُستوى السياسيّ، داهمت مدينة أم الفحم، منها انطلق منفذّو العملية، وقامت بشكل همجيٍّ وبربريٍّ بإغلاق بيوت العزاء وطرد جميع مَنْ تواجدوا فيها، حتى الحزن على الشهداء، بات في واحة الديمقراطيّة المزعومة، ممنوعًا ويُعتبر “خطرًا أمنيًا”!.
مع ذلك، فإنّ إسرائيل ما زالت تُلملم جراحها من العملية، التي يُمكن تصنيفها بأنّها نوعيّة، فالشبان الثلاثة، هم من حملة الهويّات الزرقاء، وكان بإمكانهم تنفيذ العملية في أيّ مكانٍ داخل ما يُطلق عليه الخّط الأخضر، ولكن اختيارهم للقيام بها داخل المسجد الأقصى يحمل في طيّاته الكثير من الدلالات، كما أنّ استهدافهم لرجال الشرطة هو دليل آخر على أنّ العملية كانت نوعيّة بامتياز، بغضّ النظر وبصرف الطرف عن الموقف منها.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، رأى مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، أليكس فيشمان، رأى أن الثلاثة، أيْ مَنْ قاموا بتنفيذ العملية، تمكّنوا من اقتحام مواقع الحماية المُركّزة في المكان، والتي على حدّ تعبيره، هي من أكثر الأماكن حمايةً في الشرق الأوسط، وأكّدوا لكلّ مَنْ في رأسه عينان، تابع المُحلل، كَمْ كان سهلاً اختراق الحصار الأمنيّ المفروض على المنطقة. وزاد فيشمان قائلاً إنّ شعرة واحدة تفصل بين عملية القدس وبين العملية الإستراتيجيّة، التي من شأنها أنْ تُشعل منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي، شدّدّ على أنّ الإخفاق الأمنيّ الإسرائيليّ يصرخ للسماء، على حدّ وصفه.
وعاد المُحلل إلى السنة الماضية، عندما تمكّن الشاب نشأت ملحم، من قرية عارة في المثلث الشماليّ، من تنفيذ عملية فدائيّة داخل مدينة تل أبيب، ولم تتمكّن الشرطة من العثور عليه إلّا بعد أسبوعٍ من العملية، الأمر الذي يؤكّد، بحسب المُحلل، عمق المأزق الإسرائيليّ في معالجة العمليات التي يقوم بتنفيذها عرب يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة، إذْ أنّهم يضربون في “البطن الرخوة” للدولة العبريّة، على حدّ قوله.
وبرأيه، فإنّ هذه العملية تمّ التخطيط لها بعنايةٍ فائقةٍ، فقد قام المنفذون بجمع المعلومات الاستخباريّة، نصبوا الكمائن وراقبوا عن كثب تحركات الشرطة الإسرائيليّة في المكان، وبشكلٍّ خاصٍّ حرس الحدود، ثمّ قاموا بإدخال الأسلحة، وخططوا للهرب من المكان. وتابع قائلاً كلّ ذلك تمّ ولم يتمكّن الشاباك من رصد أيّ تحركٍ للثلاثة، وهذا يدُلّ على فشلٍ مدوٍ، على حدّ قوله.
من ناحيتها، حذّرت محللة شؤون الشرق الأوسط، سمدار بيري، من اندلاع انتفاضةٍ ثالثةٍ، لافتةً إلى أنّ الوضع خطير، لا بلْ خطير جدًا، وبات قابلاً للانفجار بسبب قدسية وأهمية المسجد الأقصى للمُسلمين، ليس فقط في فلسطين التاريخيّة، بل في العالم الإسلاميّ برمته. علاوةً على ذلك، أكّدت المُحللة على أنّه من التفاصيل التي سُمح بالنشر عنها، تُشتّم رائحة فشلٍ إسرائيليٍّ كبيرٍ من الناحية العملياتيّة. وجريًا على العادة الإسرائيليّة الممجوجة لم تنسَ المُحللة التحريض على القيادات العربيّة في الداخل الفلسطينيّ، لأنّها لم تقُم بإدانة العملية كما يجب، على حدّ قولها.
على صلةٍ بما سلف، نقلت صحيفة (هآرتس) العبريّة عن قائد الشرطة الإسرائيليّة السابق في منطقة الضفّة الغربيّة المُحتلّة قوله إنّ عملية القدس هي فشل ذريع للشاباك الإسرائيليّ، واتهمّ الجهاز بأنّه يُحاول الاختباء وراء الشرطة وتوجيه أصابع الاتهّام إليها ونحوها. وطالب الشاباك بالتحلّي بالشجاعة والإعلان رسميًا عن فشله الاستخباراتيّ في إحباط عملية القدس. وأضاف إنّ الحديث يجري عن عمليةٍ تمّ التخطيط لها بعناية وخلال فترةٍ ليست بقصيرةٍ، كما أكّد.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف