على فرض أن يترك الفلسطينيون ذات مرة أحلامهم «العابثة» مثل عودة اللاجئين الى نطاق «الخط الاخضر»، وأن يتخلوا عن التحريض الوطني والديني، ورفض وجود الامة اليهودية في «بلاد اسرائيل»، وبشكل عام عن تأريخ «كاذب» يعرضهم كضحية على مدى الاجيال؛ وبشكل مشابه، على فرض ألا ينجح يميننا المتطرف في أن يملي علينا رؤيا عابثة كاذبة لـ»بلاد اسرائيل الكاملة» من البحر حتى النهر بسيطرة عبرية حصرية، مع 4 – 5 ملايين فلسطيني في نطاق سيادتنا - لعلنا نتمكن، نحن القوميتين في البلاد معا، من أن نخطط مستقبلا مشتركا افضل في ظل هجر اقانيم فكرية قديمة وفي ظل التقدم في طرق تفكير جديدة.
نقطة منطلق لطرق تفكير جديدة وضرورية كهذه قد تكون حقيقة أن البلاد من البحر حتى النهر أصغر من أن تقسم من خلال سور لا يمكن عبوره، من خلفه تسكن الامة الثانية التي نرغب في أن ننفصل عنها. إذ انه من الناحية العملية البسيطة لا يوجد مكان وإمكانية حقا لتقسيم كاتم كهذا بين دولتين، بلا تعاون بعيد الاثر بينهما. هكذا، مثلا، حتى من الناحية البيئية البسيطة لوحدة اقتصاد المياه، ومن ناحية شبكة الكهرباء، وباقي اشكال الطاقة، مطلوب في كل الاحوال تعاون كامل بين السلطات السياسية في كل اراضي بلاد اسرائيل «فلسطين». وهو الحكم ايضا في اقتصاد العمل المشترك والمخططات المختلفة للتنمية الاقتصادية. اضافة الى ذلك، فان مجال السياحة، المعتبر منذ الآن والذي قد يكون أوسع بكثير في مستقبل السلام، لن يوصف على الاطلاق دون تفعيل مشترك لكل ارجاء البلاد. اضافة الى ذلك، فان القدس بأحيائها المختلفة ومواقعها المقدسة للاديان التوحيدية الثلاثة وسكانها من القوميتين لا بد أنها تستوجب التعاون في اطار مدينة واحدة غير مقسمة. ويمكن ان نضيف أن ترتيبات الامن الحيوية، التي بدونها لن تقوم هنا اي تسوية سلمية، تفترض أطرا من التعاون الشامل، على الاقل بين النهر والبحر.
ومع ذلك فان الاسباب التي تستوجب اقامة اطار سياسي مشترك بين دولة فلسطين ودولة اسرائيل اعمق حتى من كل الاسباب العملية التي ذكرت أعلاه. هذه الاسباب، الاعمق، هي في جوهر الامر نفسية، وجدانية، وعاطفية. فقسم مهم من الامة اليهودية في «بلاد اسرائيل»، وربما كل الأمة العربية – الفلسطينية في البلاد، يرون في كل ارجاء «بلاد اسرائيل» (فلسطين) مجال الوطن، ويعتقدون ان لهم صلة كهذه او تلك بها كلها. ناهيك عن أنه في نطاق الخط الاخضر ايضا توجد أقلية فلسطينية جدية، وكذا خلف الخط الاخضر توجد اليوم اقلية يهودية ذات مغزى – ووجود هذه الاقليات القومية يعزز فقط الامكانية والحاجة الى خلق إطار أعلى يعطي تعبيرا لصلة الشعبين بوحدة عليا اقليمية واحدة لـ»بلاد اسرائيل». نضيف الى ذلك أنه لأسباب قومية – تاريخية ودينية، فان الضفة الثانية، الشرقية، من نهر الاردن هي ذات صلات عديدة مع الضفة الغربية. وجود دولة الاردن مضمون ومحمي بقدر كبير ليس فقط لاعتبارات دولية مختلفة، بل ايضا من جانب التأييد، الذي يصل الى عموم الضمانة لوجودها، من جانب دولة اسرائيل، ناهيك عن أن تفكك الدولتين البعثيتين ذوات القوة العسكرية من شمال الاردن – سورية والعراق – يعطل خطر الضغط العسكري العموم عربي ضد خلق اطار اعلى من «كونفدرالية القدس» على جانبي الاردن. وبالتالي، بدلا من الشعار القديم لليمين الاصلاحي عندنا «ضفتان للاردن – هذه لنا، وتلك أيضا» يأتي الشعار الحديث: «ضفتان للاردن – هذه معنا، وتلك أيضا».
وهاكم بضعة بنود أولية للمبنى الكونفدرالي المقترح:
• مواطنة عامة للكونفدرالية تقوم الى جانب المواطنات التفصيلية الثلاث.
• مواطنة عامة تمنح حقوق محددة، كحرية الحركة والتجارة في ارجاء الكونفدرالية لكل مواطنيها.
• تتحدد مجالات خاصة لكل قسم من اقسام الكونفدرالية، تكون متعلقة حصريا بقرارات ذاك القسم (مثلا: شراء الاراضي).
• شكل الحكم السياسي الداخلي يتقرر انفراديا من جانب كل واحدة من الدول الثلاث التي تتشكل منها الكونفدرالية.
• في كل مجالات التعاون الكونفدرالية (كالتنمية الاقتصادية والسياحة) تقام سلطات كونفدرالية مشتركة.
• القدس الموسعة تكون عاصمة الكونفدرالية، فيما يكون لكل واحدة من الدول الثلاث عاصمة خاصة بها، سواء في القدس أم في عمان.
• تحيي الكونفدرالية بروح الاخوة والاعتراف الثقافي المتبادل كل كنوز الثقافة والتاريخ لبلاد اسرائيل (فلسطين)، وتعرضها في ارجاء العالم.
• تقبل الكونفدرالية كعضو مرافق في الجامعة العربية وغيرها من المؤسسات الاقليمية.
• تكون للكونفدرالية قوات عسكرية معينة مشتركة وعلم خاص بها.
• تقيم الكونفدرالية سلطة خاصة لمكافحة الارهاب.
• مفهوم أن لغتي الكونفدرالية ستكونان العبرية والعربية، الى جانب الانجليزية لاغراض التمثيل.
• مثل حق هجرة يهود الشتات الى دولة اسرائيل، يكون لأنسال الفلسطينيين اللاجئين الحق في الاختيار بين بدل التأهيل في بلدان اقامتهم الحالية وبين حق التأهيل بالتدريج – وفقا لجدول زمني لخطط التنمية المقررة، في نطاق دولة فلسطين التي هي جزء في الكونفدرالية.
وأخيرا أشير (وآمل دون أن أقع في خطيئة الغرور) بانه منذ السبعينيات والثمانينيات حاولت، الى جانب البروفيسور اندريه شوراكي، رحمه الله (مترجم القرآن الى الفرنسية)، ان أنشئ في البلاد حركة أو مجموعة ضغط، من أجل الكونفدرالية، بل وعرضت هذه الفكرة باختصار في السنوات الأخيرة في سلسلة مقالات. كما أنه منذ السبعينيات حين كنت أدرس في اكسفورد، دعيتُ للمحاضرة عن فكرة الكونفدرالية امام المجتمع العربي لاكسفورد الذي قادته عدة شخصيات فلسطينية بارزة.
يسرني أن انطلقت، مؤخرا، في البلاد عدة اصوات تؤيد هذه الفكرة، بدءاً برئيس الدولة، روؤبين ريفلين وحتى شخصيات مختلفة كالعميد احتياط عوديد تيرا ود. دورون ماتسا. وبالذات في ايام الاشتعالات الامنية الجارية من المهم عرض حلول ممكنة للنزاع الوطني والديني القائم في البلاد منذ نحو 150 سنة.
*محرر مجلة «الآن» و»جيروزاليم ريفيو».

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف