في النقاشات التي جرت في السنة الأخيرة في مكتب رئيس الحكومة تم طرح توقعات متكدرة من قبل الخبراء في الاجهزة الاستخبارية ومنسق شؤون الحكومة في «المناطق»، حيث قالوا إن قطاع غزة سينهار بشكل كامل في العام 2020. وفي الصيف الحالي قام الخبراء بتعديل هذه التوقعات، وقالوا للمستوى السياسي إن سنة 2020 موجودة الآن. عملية الانهيار في قطاع غزة تحدث بسرعة، وهي أكثر خطورة من توقعاتنا. ومن شأنها أن تدفع «حماس» الى مواجهة اخرى مع اسرائيل.
اسرائيل تتردد، رغم ذلك، في تقديم تسهيلات لتخفيف صعوبة الوضع، وخط نتنياهو – ليبرمان أوقف مبادرة الجزيرة الاصطناعية، رغم موقف الجيش الايجابي منها. ويبدو أن شهر العسل المفاجئ بين ليبرمان والجيش قد انتهى، مثلما تؤكد اختلافات اخرى بين الوزير وبين ضباط رفيعي المستوى، فيما يتعلق بالخطط التنفيذية في القطاع.
في الوقت الحالي يتقدم بناء العائق في الجنوب، والذي سيشكل رداً على التهديد من القطاع. ولكن سياسة ضبط النفس التي تتبعها «حماس» بالنسبة للعائق يحتمل أن تكون مؤقتة.
نأمل أن تقوم إسرائيل بعلاج القضايا الأخرى بذات التصميم والنجاعة والسخاء في تقديم الموارد التي تنفقها على المشكلات الامنية. علاج خطر الانفاق الهجومية من قطاع غزة تم اهماله لسنوات. وقد تفاجأت اسرائيل من تقدم خطة «حماس» الهجومية في عملية «الجرف الصامد» في العام 2014. ولكن في الأشهر الاخيرة، وبعد أن تم ايجاد الحل التكنولوجي لتهديد الانفاق، فان الجرافات تعمل بكل طاقتها على طول الحدود مع القطاع. المسنون في المستشفيات والآباء القلقون على مستوى أولادهم في المدارس يستطيعون الانتظار والحلم فقط باهتمام كهذا.
زيارة ثانية على حدود القطاع خلال ثلاثة اشهر تشير الى أن مشروع بناء العائق، الذي تبلغ تكلفته 3 مليارات شيكل، يتقدم حسب الخطة. في تشرين الثاني سيعمل في هذا المشروع حوالي ألف عامل في 40 موقعا على طول الخط الذي يبلغ طوله 65 كم. عندما سيستكمل البناء – موعد الانتهاء في منتصف العام 2019 – سيكون لإسرائيل اجابة مناسبة، سواء على الانفاق أو على محاولات التسلل من الحدود فوق الأرض. جدار من الاسمنت على عمق عشرات الامتار مع عدد كبير من المجسات المختلفة يهدف الى سد الانفاق القديمة، ومنع حفر انفاق جديدة. جدار مرتفع عليه كاميرات كثيرة وأجهزة انذار مبكر ووسائل لإطلاق النار عن بعد – كل ذلك سيصعب امكانية التسلل.
حتى هذا الوقت تظهر «حماس» اللامبالاة تجاه بناء الخط الجديد. صحيح أن الاعمال التي تتم واضحة ومكشوفة، لكن قادة «حماس» في غزة لا يتحدثون، الآن، بشكل علني عن البناء الاسرائيلي، ويقللون من التصريحات التهديدية، وهم يستمرون في العمل على منع اطلاق الصواريخ من قبل التنظيمات الاخرى التي يعمل بعضها بالهام من «داعش». تفسير الهدوء الحالي لـ»حماس» يوجد كما يبدو في المجال الاستراتيجي. تحاول قيادة المنظمة في غزة تحسين علاقتها مع مصر، بل هي مستعدة لإجراء مفاوضات من اجل اعطاء صلاحيات لرجال دحلان في معبر رفح، إذا كانت هذه التنازلات ستخفف قليلا الخناق على غزة. قادة «حماس» قلقون جدا من امكانية فقدان الدعم المالي من قطر، التي ضخت ملايين الدولارات من اجل اعادة اعمار القطاع بعد الحرب الاخيرة. الازمة بين السعودية وقطر والضغط الذي تستخدمه الدول السنية الاخرى على الدوحة تضع علامة استفهام على استمرار تقديم المساعدة لـ»حماس».
لكن سياسة ضبط النفس التي تنتهجها «حماس» يمكن أن تكون مؤقتة. بنية الانفاق الهجومية، كذخر استراتيجي اساسي، أمر حيّر اسرائيل وهددها أكثر من آلاف الصواريخ التي يمكن إسقاطها بوساطة «القبة الحديدية». عندما تتعرض الانفاق لخطر حقيقي بسبب بناء العائق، فقد تعيد «حماس» النظر في خطواتها. الجيش الاسرائيلي مستعد لإمكانية العمل في ظل احتمال حدوث عمليات من قبل القناصة أو العبوات الناسفة، وهو يعلن عن استمرار البناء في جميع الحالات لأنه حيوي ولأنه يقام في الاراضي الاسرائيلية (هذا امر مشروع في نظر المجتمع الدولي). هل يمكن أن يؤدي جدار الدفاع الى اندلاع الحرب؟ قائد المنطقة الجنوبية، ايال زمير، قال في لقاء مع مراسلين على حدود القطاع، قبل أيام، إن «الجدار سيبنى. والمفارقة تنتقل الآن الى الطرف الثاني». اسرائيل ستستمر في العمل حتى لو اعتبرت «حماس» أن هذا سبب للعودة الى المواجهة.
تدريب عسكري
في ذروة حرارة تموز وآب وفي الوقت الذي تهتم فيه وسائل الاعلام بالتحقيق مع نتنياهو يستمر جنود الاحتياط في الذهاب الى الموقع العسكري «تساليم»، كتيبة وراء الاخرى، ويتدربون على امكانية اندلاع الحرب مع غزة.
في الساعة التاسعة صباحا كانت درجة الحرارة 30 درجة مئوية. وفي «تساليم» في الصيف يتدربون بشكل عكسي. فهم يتدربون في الليل وينامون في النهار في خيام كبيرة مكيفة. واذا تمكنوا من التغلب على الرائحة التي تنبعث من الخيام فسيكون جنود الاحتياط راضين.
الشخص المسؤول عن التحضيرات لغزة هو العقيد ساعر تسور، ضابط مدرعات يضع قبعة مزدوجة: قائد المركز القومي للتدريبات البرية وقائد كتيبة للاحتياط. في صيف 2014 كان تسور قائدا للكتيبة 401، وقد التقينا في حينه في شمال القطاع على مدخل بيت حانون. وقد بحث تسور وجنوده عن الانفاق التي حفرتها «حماس» في المنطقة الزراعية المحيطة ودمروها.
في ذلك الصيف تحدث الضباط عن تحسن قدرة القوات البرية مقارنة مع حرب لبنان الثانية في 2006. وتبين فيما بعد أن هذا لم يكن كافيا. وبتوجيه من المستوى السياسي عمل الجيش الاسرائيلي في منطقة محددة داخل الاراضي الفلسطينية قرب الجدار. ونجح تدمير الانفاق جزئيا فقط، وبشكل أقل مما قاله الجيش للجمهور. 51 يوما من الحرب في القطاع انتهت مع الشعور بالتعادل. تسببت اسرائيل بدمار غزة، وأصيب اسرائيليون كثيرون، لكن لم يحدث أي تغيير حقيقي في الواقع. الانجاز الرئيس الذي يستطيع الجيش الاسرائيلي تسجيله في اعقاب عملية «الجرف الصامد» هو الحفاظ على قدر معين من الردع. ومثل «حزب الله» في لبنان فان «حماس» تدرك الاضرار التي قد تصيب غزة في حالة اندلاع مواجهة اخرى. وهذا كاف في الوقت الحالي.
بقي تسور شخصا عقلانيا يتحدث بحذر بعيدا عن الرجولية التي تميز كثيرا من زملائه في الجيش عندما يتواصلون مع المدنيين.
الطاقم القتالي، الذي يتدرب في كتيبة المظليين، يشمل قوة من دبابات «المركافاه 3» لكتيبة احتياط، وقوة من الوحدة الهندسية التي تختص بعلاج الانفاق. وخلافا لعملية «الجرف الصامد»، فهم الآن يهتمون ليس فقط بالانفاق الهجومية العابرة للحدود، بل ايضا بالدفاع تحت الارضي الذي بنته «حماس» تحت المناطق البلدية في غزة. وعدد من الوحدات الخاصة يتم تدريبها من اجل علاج الانفاق تحت الارضية فقط، لكن يجب على جميع وحدات الجيش أن تعرف الخطر الذي يكمن في الانفاق، ومن المهم التدرب على السير في النفق مثلما قال تسور: «يجب علينا أن نفهم ماذا يعني هذا: الاكتظاظ، الظلام وصعوبة في الحركة». الوسائل الكثيرة التي تم تخصيصها للانفاق والتي تظهر في التدريبات لم تكن موجودة عشية الحرب الاخيرة. والتدريبات في «تساليم» تشمل الآن القتال في الاماكن المأهولة.
عندما تولى افيغدور ليبرمان منصب وزير الدفاع قبل سنة تقريبا، طلب من قادة الجيش تنفيذ خطة طموحة بخصوص قطاع غزة. وقبل توليه منصبه أكثر ليبرمان من تهديد قادة «حماس». ومنذ ذلك الحين انخفضت هذه التهديدات، لكن النوايا بقيت كما هي. واذا اندلعت حرب اخرى في غزة سيرغب ليبرمان في اسقاط «حماس». أما العقيد تسور فهو لا يتطرق لأهداف الحرب القادمة في غزة، فهذا ليس من شأنه. واذا اندلعت الحرب فهو يأمل بأن «لا يتركونا مرة اخرى على بعد 2.5 كم من الجدار، وأن لا نقف مدة اسبوعين في المكان ذاته من اجل البحث عن الانفاق الهجومية. اذا كان علينا الدخول فيجب أن يكون ذلك حتى النهاية». وهو يؤكد بشكل حاسم على أنه في هذه الحالة ستكون اصابات كثيرة في أوساط الجيش الاسرائيلي.
عندما جاء الصيف عادت الاجواء العاصفة بخصوص غزة. يعزو تسور ذلك لـ»الجرف الصامد». «الناس حساسون من هذا الامر، خاصة في الصيف. ولا توجد هنا اجواء تدل على أن الحرب ستندلع غدا، والانطباع هو أن الطرفين لا يرغبان في الحرب، لكنها من المحتمل أن تندلع. اخفاق هنا واخفاق هناك والامر قد يتدهور في زمن قصير».
غزة 2020
التهديد الذي يفوق اقامة العائق على حدود القطاع يتعلق بالبنية التحتية المدنية في القطاع. خلال النقاشات التي جرت في السنة الماضية في مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تم طرح توقعات متكدرة من الاستخبارات عن الوضع في غزة في العام 2020. انهيار كامل لشبكة المياه العادمة، وصعوبة كبيرة في توفير مياه الشرب، وعمل جزئي لشبكة الكهرباء. وكل ذلك على خلفية استمرار البطالة ونسبة الفقر المرتفعة. في هذا الصيف قام المختصون بتعديل التوقعات. سنة 2020 موجودة الآن، كما قال مساعدو منسق شؤون الحكومة في «المناطق» والاستخبارات العسكرية (أمان).
قبل عملية «الجرف الصامد»، في ظل ظروف اقتصادية أقل صعوبة، امتنعت حكومة نتنياهو عن القيام بتسهيلات لتخفيف الوضع في القطاع. ومنذ ذلك الحين تم تقييد حركة البضائع في معبر كرم أبو سالم بخمسة اضعاف.
اسرائيل مترددة في تقديم تسهيلات للقطاع، وخط نتنياهو – ليبرمان أحبط مبادرة الوزير اسرائيل كاتس وهي اقامة جزيرة اصطناعية، رغم موقف الجيش الايجابي.
دخول ليبرمان الى وزارة الدفاع كان مقرونا بشهر عسل مفاجئ مع قيادة الجيش الاسرائيلي. الضباط الذين اعتادوا على العمل مع يعلون كانوا قلقين من التصادم مع الوزير الجديد. إلا أن هذا القلق تلاشى عندما تبين أن ليبرمان يمنح هيئة الاركان هامشا للعمل ولا يتدخل بشكل كبير في الأمور المهنية. ويمكن أن تنتهي هذه الفترة، كما تدل على ذلك الاختلافات في الرأي حول غزة، وايضا التوتر حول طلب تخفيف حكم اليئور ازاريا من قبل رئيس هيئة الاركان.
لم يتحدث ليبرمان بشكل علني عن هذا الامر في الاسبوع الماضي، لكن ألمح في السابق الى أنه يتوقع من رئيس الاركان مراعاة هذا الجندي، الذي بدأ أول أمس، في قضاء حكمه في سجن 4. وفي الخلفية نلاحظ تطرف الاجواء السياسية. وإلا كيف يمكننا فهم الهجوم الفظ من وزير الدفاع على الصحافي رفيف دروكر. إن تقدم التحقيق مع نتنياهو أدخل الساحة السياسية الى دوامة من شأنها أن تؤثر على عملية اتخاذ القرارات الامنية. والامر الصحيح بالنسبة لليبرمان صحيح بالنسبة لنتنياهو، الذي يتعاطى بحذر مع موضوع استخدام القوة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف