يعترف وزير الحرب الإسرائيلي السابق موشي يعلون في أحدث تصريحاته بأن إسرائيل أصبحت دولة فاسدة، واقترن تصريحه هذا باعتراف لا يقل أهمية عن مسؤولية دولته عن مجزرة عائلة دوابشة.
يعلون هو صهيوني يميني أميل للتطرف، وابن نموذجي للمؤسسة السياسية والعسكرية الحاكمة في إسرائيل، ويداه ملطختان بدماء كثير من الفلسطينيين والعرب. لكن اعترافه الصارخ، وإن جاء في سياق حملته على نتنياهو وسعيه لإعادة تقديم نفسه كسياسي نظيف، يشير إلى المدى الذي بلغه الفساد في إسرائيل. كما يقرّ ضمنا بالارتباط الوثيق بين ممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وبين الفساد الذي ينخر أجهزة الدولة العبرية، ويهدد أحد أركان قوتها.
وقد عرفت السجون الإسرائيلية نزلاء من وزن موشي كاتساف رئيس الدولة الأسبق، وايهود أولمرت رئيس الوزراء السابق، والوزراء اسحق مردخاي، وأرييه درعي، وشلومو بينيزري، وغونين سيغيف، ومؤخرا مودي زاندبرج، وكلهم أدينوا وحوكموا بتهم جنائية تتراوح بين التحرش الجنسي والرشوة وخيانة الأمانة. والآن تتراكم الأدلة وتتجمع لتضيّق الخناق على بنيامين نتنياهو في تهم الفساد، مع أن زوجته سارة تطوعت لحمل جزء من هذه التهم، كما فعل عومري ابن أرييل شارون سابقا.
هذه الوقائع بحد ذاتها تشير إلى قوة القضاء الإسرائيلي، وسريان القانون على الجميع من دون استثناء، لكنها من جهة أخرى تؤكد أن الفساد في إسرائيل بات ظاهرة ومنظومة معقدة، ولم يعد مجرد حالات فردية، ما دفع بعض الإعلاميين وناشطي حقوق الإنسان إلى القول إن إسرائيل تحولت إلى جمهورية موز جديدة على غرار النظم الديكتاتورية التي كانت تحكم معظم دول أميركا اللاتينية.
وللفساد في إسرائيل أسباب كثيرة ومتداخلة، أبرزها تاريخ الاحتلال الطويل القائم على السلب والنهب والقتل والتزوير، واستباحة حقوق الإنسان، والعنجهية ونزعة الاستعلاء العنصري، والاستخفاف بقيمة حياة البشر من غير اليهود، والتمتع بعذابات الآخرين، وتقديس العنف، كل ذلك لا بد له أن ينعكس على سلوك الأفراد الذين يمارسون هذه الممارسات، والقادة الذين يبيحون لهم ذلك، ولا بد لكل ذلك أن ينعكس على ممارسات الإسرائيليين تجاه بعضهم البعض، بدءا من الخصوم السياسيين والأيديولوجيين، وصولا للعنف الممارس داخل العائلة وضد المرأة على وجه الخصوص، وكثيرا ما يردد ناشطو السلام الإسرائيليون مقولة مفادها إن الاحتلال يدمر حياة الفلسطينيين ويفسد حياة الإسرائيليين.
إلى جانب الاحتلال ثمة تغيرات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، يصفها البعض بالأمركة، اي انتشار النمط الأميركي في الحياة، أبرزها تراجع الدولة عن مسؤولياتها في مجالات الخدمات الاجتماعية، والتفاوت الواسع بين القلة القليلة التي تملك كل شيء والأكثرية التي تكابد لتأمين قوت يومها. وظهور طبقة جديدة من الأثرياء الذين كونوا ثروات سريعة من اعمال المضاربة والسمسرة وعمولات تجارة السلاح، وتحول إسرائيل إلى ملاذ لتبييض الأموال وخاصة أموال المافيات الروسية واليهودية، واقتران كل ذلك بفساد الحياة الحزبية التي بات يديرها مقاولو الأصوات والقبضايات بدلا من الناشطين الحزبيين والنقابيين. وقد ولّى إلى غير رجعة ذلك الزمن الذي برزت فيه نماذج وصفت بأنها "صهيوينة طلائعية" مثل دافيد بن غوريون الذي ترك السياسة ومناوراتها وتفرغ للعيش في مزرعة، وحتى مناحيم بيغين الذي كان الإسرائييليون يتندرون على بدلته المهترئة.
ولم يعد الفساد يقتصر على السلوك الشخصي للساسة والمسؤولين، فها هو يمتد ويتسلل إلى مناطق كانت منيعة ومستقلة، وبخاصة الجهاز القضائي، لا سيما وأن التعيينات في المحكمة العليا، ومنصب المستشار القضائي للحكومة يوصي بها سياسيون على شاكلة وزيرة القضاء اييلت شاكيد، ويقرها نتنياهو الغارق في الشبهات والاتهامات، كما أن السلطة التشريعية (الكنيست) بكليتها تنجرف هي الأخرى إلى ألاعيب الساسة الفاسدين ومناوراتهم، وتتبنى قوانين اقل ما يقال فيها أنها فاسدة.
استفحال الفساد في إسرائيل، مقرونا بالعنصرية والتوجه إلى بناء نظام الأبارتهايد، سوف يضعف إسرائيل بلا شك، ويقلل من جاذبيتها سواء في نظر اليهود أو الغرب المأخوذ بالديمقراطية، وربما في نظر بعض العرب المبهورين بإسرائيل، وفي كل الأحوال فإن الحديث عن إسرائيل الفاسدة لا يخفف على الإطلاق ولا يبرر الفساد العربي الذي ارتبط دائما بالاستبداد، وكان السبب الأهم لهزائمنا.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف