بعد قبول "دولة فلسطين" عضوا في منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول)، طرأ في الأفق سؤال جديد بحاجة إلى إجابة: ما هو أكبر تهديد قانوني لإسرائيل حاليا؟ هل هو الإنتربول أم محكمة الجنايات الدولية؟ علما أن كلا المؤسستين تملكان السلطة لإصدار مذكرات توقيف دولية ضد إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ويبدو للوهلة الأولى أن الإنتربول يشكل التهديد الأكبر.
تعتبر المتطلبات والإجراءات القانونية التي يجب أن يمر بها المشتكي قبل إصدار المذكرات والأوامر التنفيذية في منظمة الشرطة الدولية أقل مما هي عليه في المحكمة الجنائية الدولية. وهذا يعني أن العملية يمكن أن تكون أسرع إذا أراد الفلسطينيون مهاجمة إسرائيل بالوسائل القانونية. وخلافا لما هو الحال في المحكمة الجنائية الدولية، يمكن للإنتربول إصدار أمر بإلقاء القبض دون إجراء تحقيق جنائي أولي أو كامل.
ومع ذلك، فإن المؤسسة القانونية في إسرائيل ليست معنية أو مكترثة بشكل كبير بالإنتربول. يرجع ذلك بالأساس لأن المنظمة الشرطية لا تستطيع أن تلزم دولها الأعضاء بتنفيذ أوامر ومذكرات الاعتقال بالطريقة التي يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تلزم بها أعضاءها، لأن الأعضاء في محكمة الجنايات الدولية ملزمون قانونيا.
فعلى سبيل المثال، يحتوي ميثاق الإنتربول على شرط يمكن بموجبه إعفاء الدول الأعضاء من إصدار الاعتقالات تحت مسمى "اعتقالات سياسية" أو القيام باعتقالات تنتهك حق "الحياد". وعلى وجه التحديد، يذكر الموقع الإلكتروني للإنتربول ما يأتي: "يحظر دستورنا أي تدخل أو أنشطة ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو ذات طابع عنصري".
صحيح أن الإنتربول يمكن أن يتخذ تفسيرا محببا للفلسطينيين، وعدوانيا تجاه إسرائيل، هنا أو هناك، ويمكن بالتالي أن يتجاهل اعتراضات إسرائيل وحلفائها. لكن النظام القانوني الإسرائيلي يستبعد ذلك، استنادا إلى سجل الإنتربول، بالإضافة إلى العواقب السلبية التي قد تترتب على ذلك من قبيل إحجام إسرائيل وحلفائها عن التعاون مع الإنتربول.
الجنايات الدولية ..خطر يتهدد اسرائيل
أما على الجانب الاخر، فإن المحكمة الجنائية الدولية مختلفة وتشكل خطرا كبيرا. والسبب هو: أنه في العام 2015، وبعد أن نجح الفلسطينيون في الانضمام إلى المحكمة الجنائيةت الدولية، قرر مدعي عام محكمة الجنايات الدولية، فاتو بن سودا، فتح تحقيق أولي في مشاريع الاستيطان، وفي جرائم الحربلجيش الاحتلال الإسرائيلي إبان حرب غزة عام 2014، والمعروفة أيضا باسم "الجرف الصامد ".
ومنذ ذلك الحين، كانت إسرائيل تتابع الوضع عن كثب، معربة عن قلقها من أن تقوم بن سودا بتحويل التحقيق الأولي بخصوصها إلى تحقيق جنائي كامل، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار. وعلى الرغم من هذه المعطيات، قال بنسودا لصحيفة "جيروساليم بوست"، في شهر شباط 2016، أن الأمر قد يستغرق عدة سنوات لاتخاذ قرار.
وفي هذا السياق، قامت النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية بزيارة إسرائيل في شهر تشرين الأول 2016، ومنذ ذلك الحين لم يكن هناك الكثير من المؤشرات الدالة على نشاط المحكمة. ومع ذلك، وبينما يبدو أن التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية يسير ولكن ببطء، فينبغي ألا يفسر هذا التأخير والتقدم البطيء بطريقة خاطئة. أي أن إسرائيل خارج السرب أو أنها خارج المحاسبة.
وعندما قالت بن سودا ل "جيروساليم بوست" أن التحقيق الذي تجريه سيستغرق بعض الوقت، كان هناك في ذات الوقت مؤشرات من المحكمة الدولية على أنها لن تمنح إسرائيل براءة مجانية، وأنها ستتبع بالتالي نهجا أكثر صرامة من ذلك الذي اتبعته إسرائيل في تحقيقاتها الذاتية حيال حرب غزة.
وفي حين بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي سريعا التحقيق في جرائم الحرب (بعد نحو ثلاث سنوات)، إلا أنه ما يزال هناك ثلاث قضايا معلقة بانتظار قرار المدعى العام العسكري بشأن إغلاقها أو فتح تحقيق جنائي، وهي تتعلق بمناطق رفح، والشجاعية، وخان يونس. إلا أن جيش الاحتلال لم يفرج عن أية معلومة حول نتائج تحقيقاته في الحوادث التي وقعت في رفح، والشجاعية، وخان يونس منذ بدء التحقيق الأولي بعد الحرب.
المحكمة الجنائية الدولية غير مخولة بفتح تحقيقات عندما يكون البلد قيد التحقيق ذو نظام قانوني مستقل وقوي، وقد حقق واستطلع بنفسه وبما فيه الكفاية. وفي الحقيقة، فإن القضايا الثلاث ما تزال معلقة، وقد تكون لها تداعيات خطيرة لأن من الصعب على إسرائيل الدفاع عن نفسها في هذا الملف دون أن تثبت أن تقدما ملموسا يجري حيال هذه الحالات.
ولم يقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي إطارا زمنيا محددا حول متى سيتم حل هذه القضايا، ولكنه أصدر الرد التالي على استفسارات "جيروساليم بوست": "ينظر الجيش الإسرائيلي بأهمية كبيرة إلى ضرورة فحص الادعاءات بانتهاكات معينة لقانون النزاعات المسلحة، أو أي سوء سلوك آخر من جانب الجيش الإسرائيلي وفرقه المقاتلة أثناء الأعمال القتالية خلال النزاع في غزة عام 2014، وما زال التحقيق مستمرا. ومنذ ذلك الحين، قام المدعي العام العسكري للجيش بمراجعة الادعاءات والتقارير الأخرى المتعلقة بمئات الحوادث التي يدعى أنها وقعت خلال النزاع".
وأضاف رد جيش الاحتلال: "...وقد أمر المدعي العام العسكري بإجراء تحقيقات جنائية في (30) من تلك الحوادث. وقد أنجزت معظم تلك التحقيقات، وتم اتخاذ قرارات بشأن معظمها من جانب المفتش العام. وفيما يتعلق بالعديد من الحوادث المدعاة الأخرى، تبين أنه لا توجد أسباب لإجراء تحقيق جنائي".
وأضاف البيان: "...هناك حوادث أخرى ما زالت قيد المراجعة. ويخصص الجيش الإسرائيلي موارد كبيرة لفحص تلك الادعاءات والتقارير الواردة بشأن حرب غزة عام 2014 والتحقيق فيها. وبطبيعة الحال، فإن الفحص والتحقيق والتدقيق في الحوادث المزعومة التي وقعت خلال أعمال عدائية مكثفة وطويلة كتلك، وفي مناطق لا تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي، بما يشمل سكان وأرض تحت سيطرة حركة حماس مثل قطاع غزة، تعتبر عملية معقدة جدا وتستغرق وقتا طويلا".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف