ما أن اطلقت الشائعة ان ارسالية من بضع مئات النسخ لكتاب "نار وغضب" وصلت الى محل الكتب في ميدان دبونت في واشنطن أجنحتها، فاذا بعشرات المشترين الفضوليين يتجمعون في منتصف الليل بين الخميس والجمعة امام مدخل المحل. ملتفون من اخمص القدم وحتى الرأس بالمعاطف، باللفحات وبقفازات الايدي، اصروا على أن يكونوا أول من يحصلوا على الكتاب الذي يكشف النقاب عن ادارة ترامب. ومع ان الكثير منهم واجهوا ببطولة درجة الحرارة المجمدة التي هبطت الى دون 20 درجة تحت الصفر، غير قليل منهم عادوا الى بيوتهم مجمدين وخائبي الامل: ففي غضون ساعة نفدت كل النسخ.
أنا الاخرى ما كان بوسعي أن أصبر وسارعت الى شراء نسخة. وكان هذا مجديا. فالكتاب مشوق ومليء بالمكتشفات. وكان الاحساس الذي يعطيه هو أن الكاتب، مايكل وولف، كان كالذبابة على الحائط في الايام العاصفة لسنة ترامب الاولى في البيت الابيض.
ومنذ المقدمة يمكن ان نفهم أهمية الشرق الاوسط بالنسبة للادارة الجديدة. ففي وليمة عشاء حميمة تمت في منزل وولف قبل اسبوعين من اداء اليمين القانونية بسط ستيف بانون، مهندس انتصار ترامب ومستشاره السابق، خطة السلام الاقليمية. "هل يفهم ترامب أين وضعه التاريخ؟"، سئل. "هو يفهم، او أنه يفهم ما يفهمه". اجاب بانون. "لدينا خطة. في اليوم الاول ننقل السفارة الى القدس. نتنياهو مع، شيلدون ادلسون مع. السعودية على الطرف. مصر على الطرف. تعطى الاردن الضفة الغربية ومصر غزة، وينشغلون بهذا. الكل يخاف الفرس خوفهم من الموت: اليمن، سيناء، ليبيا. وعليه فروسيا هي المفتاح".
في الايام الاخيرة يدير بانون، الذي اقيل من البيت الابيض في آب، حربا لفظية بل وصراعا قانونيا مع ترامب. فبعد ان انكشف في الاسبوع الماضي ان بانون وصف ابن الرئيس بـ "الخائن" رد ترامب: "لقد جن". ومع ذلك، في الكتاب يتخذ بانون صورة المحرك من خلف السياسة في الشرق الاوسط. فمثلا: اعتقد بانه يمكن بناء حلف بين اسرائيل والسعودية، مصر والاردن – ضد ايران، وخلق "جبهة" مع الملياردير اليهودي شيلدون أدلسون في مواجهة صهر ترامب اليهودي، جارد كوشنير، الذي عين لقيادة جهود السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. "لقد رأى ترامب في أدلسون يهوديا متصلبا. أدلسون من جهته استخف بكوشنير، بتعابيره وبقدراته. ولفرحة بانون قال ترامب لكوشنير بينما ان يعد استراتيجية عن اسرائيل ان "يفحص مع ادلسون". ومع ذلك، زعم في الكتاب ان ترامب عين زوج ابنته ايفانكا للمنصب الحساس اذ ادعى بن "الكوشنيريين يعرفون كل الاشخاص الافضل في اسرائيل".
اضافة الى التفاصيل والحميمة التي انكشفت في الايام الاخيرة – وتضمنت محبته لتشيز بيرغر، العلاقات الباردة مع ملانيا و"العملية الجراحية لتقليص الجمجمة" التي اجتازها – يكشف الكتاب عن صراعات القوى بين جارد وافينكا من جهة وبانون من جهة اخرى. لدرجة أن التوتر بات ملموسا ولاحظه وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر إذ قال: "في البيت الابيض تدور رحى حرب بين اليهود بدون اليهود".
عندما عمل بانون على تعيين السفير السابق جون بولتون وزيرا للخارجية، فإن الرئيس، على حد قوله، استخدم الفيتو لسبب مفاجئ. "شنب بولتون مشكلة"، شرح. "ترامب يعتقد ان بولتون لا يبدو في صورة جيدة". والصين شبهها بانون بالمانيا عشية صعود النازيين الى الحكم: "اذا لم نعالج الصين على نحو سليم فلا شيء يحسب. الصين هي مثل المانيا النازية".
ايفنكا وجارد يلعبان دور النجم ايضا: وولف يدعي بانهما كانا في قلق دائم من تحقيقات الـ اف.بي.آي لا سيما بعد أن كشفت وسائل الاعلام العلاقة بين عائلة كوشنير وابناء شتاينمتس. ويقتبس بانون بان "افينكا كانت هائمة" بل وادعى ان كوشنير "ليس مع اسرائيل بما يكفي". وعندما نشرت صور العري لايفنكا في اثناء الحملة سألت اباها بغضب "هل سيكون هذا هكذا ايضا بعد أن تفوز؟" فهدأها ترامب: "استمر قليلا. اعدك لا يوجد أي احتمال في ان افوز". بل ويكشف وولف النقاب عن ان ابني الرئيس، دون جونير واريك، يسمان في البيت الابيض من خلف ظهريهما "عدي وقصي" على اسمي نجلي صدام حسين.
يتبين أنه كان للرئيس ما يقوله تقريبا عن الجميع. بعد أن حاضر الجنرال مكماستر له عن الاستراتيجية قال لمقربيه: "الشاب ممل حتى الموت". وفي وقت لاحق عينه مستشارا للامن القومي ولكن ليس قبل ان يهزأ بمظهره في البدلة وقال انه "يبدو كبائع بيرا".

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف