الأسبوعان الأولان من عام 2018 كانا هادئين نسبيًا. إسرائيل قتلت فيهما فقط خمسة فلسطينيين، منهم ثلاثة أطفال وفَتيان. وقتل مستوطن واحد، وسلاح الجو الإسرائيلي قصف غزة أربع مرات وأطلق النار 13 مرة ورش الحقول أربع مرات، أربع قذائف سقطت في إسرائيل، 115 شجرة اقتلعت على أيدي المستوطنين، تم إصدار 13 أمر هدم لمنازل فلسطينيين، 261 فلسطينيا اعتقلوا من قِبل إسرائيل.
19 شخصا في المتوسط تم اعتقالهم في كل ليلة في الأسبوعين الأولين. هذه المعطيات التي يحرص على نشرها عضو الكنيست موسي راز كل أسبوعين في حسابه في تويتر، تتحدث فقط عن جزء من الروتين اليومي تحت الاحتلال. في هذين الأسبوعين ذاتهما إسرائيل قامت أيضا بتمديد، إلى حين الانتهاء من الإجراءات القضائية، اعتقال الفتاة إبنة الـ 16 سنة، التي صفعت الجندي، وقامت بتمديد اعتقال والدتها التي قامت بتصويرها. طفلة أخرى، ابنة 13 سنة، حكم عليها بالسجن ثلاثة أشهر بسبب رشق الحجارة. اعتقال عضوة المجلس التشريعي تم تمديده بنصف سنة من دون محاكمة. 16 سيارة فلسطينية تمت تحطيمها على أيدي المستوطنين. 2 مليون شخص استمروا في العيش داخل قفص قطاع غزة. آلاف من سكان الضفة الغربية مرت عليهم كوابيس في الليل بسبب الدهم الدائم من قبل الجيش الإسرائيلي لقراهم ومنازلهم. روتين يومي.
عندما حدث كل ذلك، إسرائيل كانت تنشغل بشؤونها. ليس لها علاقة بقائمة الموجودات هذه، التي عن معظمها لم تكلف وسائل الإعلام نفسها عناء الابلاغ عنها. أيضا عدد من كتاب اليسار ـ وسط كانوا ينشغلون بشؤونهم. سامي بيرتس، مثلا، أوضح أنهم في اليسار ـ وسط أخذوا اجازة من دون راتب مما يجري («هآرتس»، 17/1)، أوري مسغاف كتب أن روجر ووترز هو شخص يصر على النبش («هآرتس»، 18/1)، وفضل بول مكارثي، الذي غنى «يستردي». مسغاف يريد العيش حسب «قيم ليبرالية ـ ديمقراطية»، لذلك هو لا يريد العيش مع العرب. نوع من اليسار الإسرائيلي.
من السار معرفة أن اليسار يأخذ إجازة من دون راتب، دائما من الجيد الذهاب في إجازة. يمكن أيضا أن نتفهم من يريد العيش من دون العرب الهمجيين، الذين ليسوا ليبراليين ـ ديمقراطيين مثلنا، المتنورين. يوجد للإسرائيليين كل الوقت المتاح، ليس هناك ما يجعلهم متسرعين. المحتل لم يكن في أي يوم متسرعا.
ولكن في الوقت الذي تجري فيه هذه النقاشات، فإن الفلسطينيين يستمرون في العيش للسنة الـ 51، هذا هو الجيل الثالث والرابع، في واقع الأسبوعين الأولين من عام 2018. بالنسبة لهم انتهى الوقت منذ زمن بعيد. أيضا هم كانوا يتوقون لأخذ إجازة من دون راتب من الاحتلال، لكن هذا الأمر لم يتحقق. وهم أيضا كانوا يتوقون للعيش من دون الإسرائيليين المتنورين إلى جانبهم، لكن هذا ايضا لم يتحقق.
النقاش العام في إسرائيل الآخذ في النقصان، يمتاز بالانكار الكبير: هذا النقاش يتجاهل وجود الشعب الآخر، ويتجاهل معاناته غير المفهومة، ومخاوفه ودمه الأرخص من المياه، والثمن الفظيع الذي يدفعه في كل ليلة ويوم، ووقته الذي نفد منذ زمن بعيد. الاحتياجات الأمنية هي دائما احتياجات أمنية للإسرائيليين. عندما يتحدثون عن المخاوف، فقط هذه تعود لهم. في سنته الـ 51 فإن الإسرائيليين يريدون إجازة من دون راتب من الانشغال بالاحتلال. فترة زمنية لبضع سنوات، ربما بضعة أجيال، إلى أن تتم «تسوية الأمور». الانشغال بالاحتلال يتعبهم. لا يوجد لهم وقت للانشغال بمن يصرون على النبش والذين يذكرون بوجوده ـ هم يكررون أنفسهم جدا، هؤلاء المصرون على النبش، المرة تلو الأخرى، مثل روجر ووترز.
لا توجد وقاحة وغطرسة أكبر من ذلك. الانشغال بالاحتلال يقض المضاجع. الاحتلال يقض المضاجع بشكل أكبر. الاحتلال يصيب الإسرائيليين بالملل، لقد أصبح هذا مملا للمحتل حقًا، لكن في هذا الوقت ونحن متعبون ومصابون بالملل فإن الفلسطينيين ينزفون الدماء ومهانون ومقموعون في كل يوم وكل ليلة، في ساحتنا الخلفية. لا يوجد لديهم وقت، فقد نفد منذ زمن. لقد قضى أباؤهم في ظروف حياة غير إنسانية، هم يريدون في الأقل أن يعيش أبناؤهم أياما أخرى. ربما أحفادهم. يجب وجود أناس يصرون على النبش لا يمكن احتمالهم من اجل التذكير بذلك، أيضا حتى لو خرقوا هدوء المحاضرات حول البيتلز وشوشوا احتفال الاحتجاج في جادة روتشيلد.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف