عادت قضية اللاجئين الفلسطينيين لتتصدر الواجهة بسبب موقف إدارة ترامب بشأن كل من اللاجئين وعملية السلام في الشرق الأوسط. يُذكر أنّ هذه الأزمة قد نشبت منذ إعلان استقلال إسرائيل في 14 أيار/مايو 1948 واستمرت مذّاك. وقد أدت إلى القتال على المستوى المحلي وبعدها إلى الغزو العربي منذ ذلك الحين. وفي الوقت عينه، كانت قد انتهت الحرب العالمية الثانية، وكان العالم عامةً يواجه مشكلة اللاجئين الدوليين. وفي هذا الصدد، تم تأسيس عدد من وكالات الأمم المتحدة لمعالجة أزمات اللاجئين هذه، ولكن تم دمجها في ما بعد. وفي النهاية، تأسست وكالتان تابعتان للأمم المتحدة لمعالجة أزمات اللاجئين هذه. الأولى هي "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" وتُعنى بمعالجة ملايين اللاجئين الأوروبيين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والثانية هي "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (الأونروا) وقد أنشئت خصوصًا لأكثر من 700 ألف لاجئ فلسطيني. ومن الصعب التمييز بين وكالات الأمم المتحدة التي تخدم أغراضًا مماثلة. ويوضح إطار هاتين الوكالتين وتاريخهما سبب وجود وكالة فريدة للأمم المتحدة معنية باللاجئين الفلسطينيين والأثر الذي تخلفه هذه العمليات على هؤلاء الأشخاص. وفي إطار "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، يحق لبعض الفلسطينيين الحصول على الحماية القانونية والمادية والتقليل من خطر العنف كالاعتداء الجنسي إلى أدنى حد وتقديم المساعدة، أي الخدمات التعليمية والصحية. ويندرج بعض الفلسطينيين ضمن ولاية "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، في حين أن البعض الآخر قد يقع ضمن "ولاية انعدام الجنسية". وهؤلاء مؤهلون للحصول على المساعدة من الأونروا. ومن الواضح أن موقع الفلسطينيين بموجب هاتين الوكالتين متعدد الأوجه. ولا يحاول هذا المقال معالجة كل تعقيدات أزمة اللاجئين الفلسطينيين. يتمتع اللاجئون الفلسطينيون وحدهم بوكالة إغاثة تابعة للأمم المتحدة تعمل حصريًا لهم. فالأونروا لا تعمل ولا تقوم بأي مهام تحت الولاية أو التعاريف ذاتها التي تعمل بها "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين". وقد أدى ذلك إلى تزايد عدد الفلسطينيين الذين يندرجون تحت تعريف الأونروا للاجئ. هناك وجها اختلاف رئيسيان بين "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" والأونروا. أولًا، يشير النظام الأساسي لـ "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" صراحةً إلى توفير الحماية القانونية لهم، بينما تكتفي الأونروا بتقديم المساعدات. ويكمن الاختلاف الثاني في التعريف القانوني الذي تستخدمه كل من الوكالتين لتحديد مصطلح "اللاجئ"، الذي يحدد نطاق كل وكالة، ويحدد إلى حدّ ما الأزمة نفسها. بدأت المفوضية عملياتها في الأول من كانون الثاني/يناير 1951، وتضمنت ولايتها "حماية وإيجاد حلول دائمة للاجئين". ويستند تعريف الوكالة للاجئ على جزئين أساسيين تنص عليهما التشريعات الدولية. تُعرّف اتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين اللاجئ بأنه "شخص لديه خوف مبرر من الاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى مجموعة اجتماعية معينة أو الرأي السياسي، وهو خارج بلده الأم وغير قادر أو غير راغب في الاستفادة من حماية ذلك البلد أو العودة إليه خوفًا من الاضطهاد". كما أنّ بروتوكول عام 1967 الخاص بوضع اللاجئين، وهو مستقل عن اتفاقية عام 1951 ولكنهما مرتبطان ترابطًا لا انفصام فيه، "يرفع الحدود الزمنية والجغرافية الواردة في تعريف الاتفاقية للاجئين ". وأثناء تشكيل المفوضية، دارت مناقشة مستفيضة حول موقع اللاجئين الفلسطينيين. فقد عارض عدد كبير من الحكومات العربية بشدّة إدراجهم تحت ولاية المفوضية نظرًا لاعتقاد أنها ستقلل من أهمية المحنة وأي أمل في العودة إلى ديارهم. ونتيجةً لذلك، استبعدت اتفاقية عام 1951 أي مجموعات تتلقى "الحماية أو المساعدة" من أي وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة، أي الفلسطينيين. ويتمثّل أحد الاختلافات الرئيسية في القانون الدولي بين ولايتي الوكالتين في أن الأونروا تقدم المساعدة صراحةً، ولكنها لا توفر الحماية للفلسطينيين الخاضعين لولايتها. ولذلك، لا يخضع الفلسطينيون الذين يتأهلون للحصول على مساعدة الأونروا للحماية الدولية. فقد تدعو الأونروا إلى حمايتهم، ولكنها لا تتمتع بأي سلطة قانونية أو وسائل لتوفير الحماية الفعلية للفلسطينيين. استهلّت الأونروا عملها الميداني في الأول من أيار/مايو 1950، موجّهةً برامج الأعمال والإغاثة نحو أماكن عملها، أي لبنان والأردن والجمهورية العربية السورية والضفة الغربية (التي تشمل القدس الشرقية) وقطاع غزة. وتم توسيع ولاية الأونروا بعد حرب عام 1967، أو الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة، عندما صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قيام الأونروا "بتقديم المساعدة الإنسانية ... على أساس طارئ وكتدبير مؤقت، للأشخاص الآخرين في المنطقة، أي النازحين الذين في حاجة ماسة إلى مساعدة فورية". أمّا المفوضية، فهي مسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين خارج نطاق عمليات الأونروا والمؤهلين للحصول على الحماية الدولية المتوفرة للاجئين مثل أولئك الذين يعيشون في العراق أو مصر أو ليبيا أو غيرها. وتعرّف الأونروا حاليًا اللاجئ الفلسطيني على أنه " الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال الفترة ما بين الأول من حزيران/يونيو 1946 و15 أيار/مايو 1948 وفقد منزله ومورد رزقه نتيجة الصراع الذي دار عام 1948. ويحق للاجئين الفلسطينيين وذريتهم التي تضم الأطفال المتبنين بشكل قانوني، الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الأونروا ". وقد تم إسقاط كلمة "الحاجة" من التعريف الأصلي لكلمة لاجئ عام 1993، وذلك لصالح الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، ألغي شرط هروب اللاجئ الفلسطيني بدايةً إلى بلد ضمن مناطق عمليات الأونروا. وأدّى هذان التغييران إلى توسيع نطاق عمل الأونروا عن طريق فتح التسجيل أمام الفلسطينيين الذين كانوا غير مؤهلين في السابق. وتقدم الأونروا مساعدات إلى جميع الفلسطينيين المسجلين والموجودين ضمن مناطق عملياتها، ما يؤدي إلى "الإغاثة القائمة على الوضع وليس الحاجة". لذلك، يعتبر أي فلسطيني مصنف تحت تعريف الأونروا، أو أي مواطن ينتمي إلى بلد ضمن نطاق عملها، لاجئًا ويحق له الحصول على الإعانات.
تسمح كلا من "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" والأونروا بالمطالبة بوضع اللاجئ المشتق لأفراد الأسرة.
وتعاقبًا، فإن لاجئي المفوضية الذين يحق لهم الحصول على وضع لاجئ مشتق من "مقدم الطلب الرئيسي"، وهو اللاجئ المعترف به رسميًا لدى "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين"، يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، الزوج أو الزوجة والأبناء غير المتزوجين دون سن الثامنة عشر" أو "أولياء أمر مقدم الطلب الرئيسي الذي هو دون سن الثامنة عشر، أو الأشقاء القاصرين "لمقدم الطلب الرئيسي" دون سن الثامنة عشر. ويتم سحب وضع اللاجئ إذا انفصلت الأسرة أو "بلغ الطفل سن الرشد"، وبالتالي يتم إيقاف الدورة المتوارثة بين الأجيال. وبحسب أنظمة الأونروا، يعتبر نسل الآباء اللاجئين، فضلاً عن المتحدرين منهم الذين لا يتناسبون تمامًا مع تعريف الأونروا، لأنهم لم يخسروا منزلهم ومورد رزقهم في آن واحد، مؤهلين للتسجيل لدى الوكالة. ويمكن للمنحدرين من سلالة الذكور الذين يعيشون خارج أماكن عمل الوكالة أن يتقدموا بطلب للحصول على صفة لاجئ لدى الأونروا، ما داموا يقدمون وثائق داعمة. وبحسب الأونروا، إنّ مجموعة "اللاجئين الفلسطينيين" الذين يستحقون المساعدة هي مجموعة متنامية قد ارتفع عددها من 700 ألف إلى أكثر من 5.3 مليون بحلول عام 2016. قد يتم سحب صفة اللاجئ واللاجئ المشتق بطريقتين: الإلغاء والانتهاء. وبالرغم من ذلك، لا يبدو أن أيًا منها تنطبق على الأونروا لأن اللاجئين الذين يحصلون على الجنسية في بلد ضمن نطاق عمليات الأونروا لا يزالون يعتبرون لاجئين. وقد أقصت اتفاقية عام 1951 أولئك اللاجئين الذين يحصلون على الجنسية أو ما يعادلها من بلد مضيف، من وضع اللاجئ الدولي. وفي حين أن الحصول على الجنسية سيستبعد اللاجئين الآخرين من الحماية الدولية للمفوضية، لا تزال الأونروا تساعدهم وتعتبرهم لاجئين. تورد المفوضية ثلاثة "حلول دائمة" للاجئين المشمولين بولايتها. وهي العودة الطوعية إلى الوطن، وإعادة التوطين في بلد آخر والاندماج داخل المجتمع المضيف. وخلافًا لـ "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، لم يتم تكليف الأونروا بالتوصل إلى حلول دائمة للاجئين الفلسطينيين، إنما تقدم المساعدة وتدعو المجتمع الدولي إلى الالتزام بتوفير حل عادل ودائم لهؤلاء الأفراد. ولا تعمل هذه الحلول الثلاثة لصالح اللاجئين الفلسطينيين، ليس لعدم تمكنهم من العودة إلى موطن المنشأ فحسب، بل لأن الدول المضيفة مثل لبنان وسوريا والعراق والأردن رفضت استيعاب جميع الفلسطينيين. ويعيش في الوقت الحالي 1.5 مليون لاجئ فلسطيني في 58 مخيمًا رسميًا للاجئين، والتي تصنف عادةً على أنها رديئة. وفي حين منحت الأردن الملايين من اللاجئين الفلسطينيين الجنسية الأردنية، وقدّمت سوريا للفلسطينيين وضعًا مماثلاً للجنسية، تم تجريد الفلسطينيين في الكثير من الحالات من الحقوق السياسية والاقتصادية في بلدان مضيفة مثل العراق ولبنان. ويقاوم الكثير من الفلسطينيين فكرة إعادة التوطين وهم يسعون جاهدين للعودة إلى فلسطين. وثمة مجموعة من الأسباب الداعية إلى أن يجد الفرد نفسه مصنّفًا كلاجئ لعدم قدرته على العودة إلى وطن المنشأ. والجدير بالذكر أن اللاجئين الفلسطينيين، الذين يشبهون إلى حد كبير معظم اللاجئين في أي من هذه الحالات غير قادرين وممنوعين بصورة مطلقة من العودة إلى ديارهم أو ديار أسلافهم. وهناك حالات أخرى من اللاجئين لا تتناسب مع نموذج "الحلول التقليدية"، وعلى سبيل المثال لا الحصر مجموعات أذربيجان العرقية في إقليم ناغورنو كاراباخ والبوسنيين، وهم ضحايا التطهير العرقي على يد جماعات وطنية صربية متطرفة. وبالرغم من هذه الصراعات التي أسفرت عن أزمات نزوح ولجوء طال أمدها، لم يتم تأسيس أي وكالة خاصة تابعة للأمم المتحدة لمساعدتها. بالإضافة إلى ذلك، تظهر أمثلة عدّة أخرى على الشعوب العديمة الجنسية. وعلى سبيل المثال، تستضيف ميانمار نحو 810 ألف شخص عديم الجنسية، بينما يستقبل ساحل العاج 700 ألف، وتايلندا 506197 فردًا، إلاّ أنه لم يتم تأسيس لهم أي وكالة خاصة. فلماذا لم يتم تأسيس منظمات أخرى مثل "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" لمجموعات معينة أخرى من اللاجئين؟ قد يعزى ذلك إلى النقص في التمويل اللازم لإنشاء وكالات إضافية. وهناك أيضًا تفسير آخر، وهو أن اللاجئين الفلسطينيين دخلوا حيز الوجود نتيجة قرار متعمد اتخذته الأمم المتحدة، وهو القرار 181 الذي يعلن عن قيام دولة إسرائيل في 14 أيار/مايو 1948، مع "إدراك تام لتداعيات القرار". واليوم، تستخدم الدول العربية عدد اللاجئين المرتفع الذي يصل إلى 5.3 مليون لاجئ كوسيلة للضغط على إسرائيل للسماح للفلسطينيين بإقامة دولة خاصة بهم. وإن كان ذلك لصالحهم أو لغير صالحهم، تؤدي التعاريف القانونية المنطبقة عليهم بموجب إطار الأونروا إلى إنشاء فئة من اللاجئين سريعة النمو وأكثر اتساعًا من أي وقت مضى وأكثر تنوعًا من الناحية الاقتصادية
معهد واشنطن...إيما كولبران

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف