تَزْدَحِم الصُّحف وبَرامِج مَحطّات التَّلفزة الإسرائيليّة هذهِ الأيّام بالتَّقارير التي تُشيد بـ”بُطولات” أجهزة الأمن الفِلسطينيّة في حِماية المُستوطنين الإسرائيليين، ومُساعدة نَظيراتها الإسرائيليّة في اغتيال الشهيد أحمد نصر جرار، مُنفِّذ عمليّة قَتل الحاخام في مُستَوطنةٍ قَريبةٍ من مَدينة نابلس قبل شَهر.
أفيغدور ليبرمان، وزير الحَرب الإسرائيلي، انْضم إلى جَوقَة المَدّاحين لقُوّات الأمن الفِلسطينيّة، والمُشيدين باستمرار التَّنسيق الأمني ودَورِه الفاعِل في إنقاذ حياة جُنديين إسرائيليين ضَلّا الطَّريق إلى مدينة جنين المُحتلّة، وإعادة بُندقيّة كانت في حَوْزَة مُجنّدة تَسْتقِل السَّيارة نَفسها بعد أقل من 24 ساعة.
الرئيس عباس من المُفتَرض أن يُوقِف هذا التَّنسيق الأمني قَبل عامٍ على الأقل، وكادَ أن يبكي أمام المجلس المَركزي الفِلسطيني وهو يَتحدّث عن الإذلال الذي تُواجهه سُلطته على أيدي رِجال الاحتلال وقِواه الأمنيّة، وكَرّر مَقولته الشَّهيرة بأنّه يَرأس سُلطة بلا سُلطة، وتَعهّد بمُطاردة مُجرِمي الحَرب الإسرائيليين أمام مَحكمة الجِنايات الدوليّة، ليَخرج عَلينا ليبرمان بأنٍ التَّنسيق الأمني يَعيش أحلى أيّامه، وتَعاون قوٍات الأمن الفِلسطيني فاقَ كل التوقّعات.
الإسرائيليون الذين يَمْلِكون مَعلوماتٍ عن السُّلطة أكثر ممّا يَعلمُه أفرادها، ناهيك عن أنّهم بَدأوا يَتحدّثون هذهِ الأيّام عن بدائِل الرئيس عباس، ويَطْرَحون أسماءً عَديدة، مثل الدكتور رامي الحمد الله، ومحمود العالول، وماجد فرج، وجبريل الرجوب، وصائب عريقات، ويَقولون أن القاسِم المُشترك بين هؤلاء جميعًا هو تأييدهم للمُقاومة الشعبيّة، ونَبْذ المُقاومة المُسلّحة، وحَلْ الدَّولةِ الواحِدة.
اتفاقات أوسلو كانت من أجل الحُلول الأمنيّة وليس السياسيّة، وتَوظيف الأمن الفِلسطيني في خِدمة الاحتلال، وحِماية الاستيطان والمُستوطنين، وحَقّقت مُعظَم أهدافِها، إن لم يَكُن كلها بعد ما يَقْرُب الرُّبع قرن، ومن المُؤسِف أن الطَّرف الفِلسطيني، والرئيس عباس مُهندسها، ما زال مُتمسِّكًا بِكُل بُنودِها، ويُطبّقها بحَماسٍ غير مَسبوق، رغم إقدام الطَّرف الإسرائيلي على تَمزيقها والإلقاء بِها إلى أكثر سِلال النِّفايات عُفونةً.
وطالما أن المِعيار الأمني هو الذي يَتقدٍم على غيره من مَعاييرٍ أُخرى، فإنّ البَديل للرئيس عباس سَيكون قائِد امني حتما، يكون اكتسب ثِقَة الإسرائيليين، واجْتاز كل اختباراتِهم العَمليّة في الإقدام على تنفيذ الأعمال المُدانة فِلسطينيًّا، وآخرها تقديم المَعلومات التي أدّت إلى تحديد مكان الشهيد أحمد نصر جرار واغتيالِه، وكذلك الهَرولة لإنقاذ الجُنديين الإسرائيليين.
هذا التَّنسيق الأمني “المَجٍاني”، وهَرولة ضُبّاط الأمن الفِلسطينيين وقِيادتهم بِشقّيها، السياسي والأمني، على التَّنافس لإرضاء ليبرمان ونتنياهو، يُشكّل وَصمة عارٍ في تاريخ الشَّعب الفِلسطيني لن تَمحوه مِياه البَحر المُتوسّط وفَوقها المُحيطين الهِندي والأطلسي.
أهل قِطاع غزّة يَظلّوا أفضل حَظًّا من نُظرائِهم وأشقائِهم في الضفّة الغَربيّة، ورَغم الحِصار والجُوع ونَقص الأدوية والكَهرباء والماء، لأنّهم لا يَعيشون تحت مِظلّة قوّات أمن تَخدِم الاحتلال وتَتواطأ مَعه ضِد شَعبِها وشُرفائِه، ولهذا قوّات الأمن غير مرحب بها في القِطاع لأنها سَتكون الوَجه الآخر لاحْتِلال اخرج بالقُوّة، ودَفع ثمنًا غاليًا من الدماء والارواح لتَحقيق هذا الإنجاز المُشرِّف.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف