مقبول علينا موقف القضاء الدولي الذي يقضي بأن الحق الأساسي في الحياة يستوجب إجراء تحقيق عندما يتم استخدام قوة قاتلة من قبل من يعملون باسم الدولة، خارج قتل مقاتلين في الحرب، حيث أنه كيف يمكن معرفة أن السلطات الحاكمة تصرفت بالاحترام المطلوب مع الحق في الحياة إذا لم يحققوا بصورة ناجعة وموضوعية؟.
حسب رواية الجيش ففي عدد من حالات الموت التي حدثت في القطاع أمس لم يكن مخربون متورطين فيها. من هنا يجب التحقيق في الظروف التي تم التسبب فيها بموتهم، ويا ليت أن التحقيق يظهر أن كل شيء تم وفقا للقانون. أيضاً انتماء شخص لمنظمة إرهابية لا يعطي الحق لاستخدام سلاح فتاك ضدهم. السؤال الرئيس هو كيف تصرف قبل اطلاق النار عليه: هل كان مشاركا بصورة مباشرة في أعمال معادية ضدنا في الوقت الذي أصيب فيه؟ هل عرض للخطر بشكل مباشر حياة انسان؟.
إن واجب التحقيق يكتسب أهمية لأن الأمر يتعلق بسلسلة أحداث ما زالت في بدايتها. لذلك، يجب إجراء تحقيق جدي وسريع من أجل أن يتم توجيه القوات للعمل في إطار القانون، ومن أجل استخلاص الدروس المطلوبة. الامر لا يتعلق فقط بواجب قانوني واخلاقي، حيث توجد لإسرائيل مصلحة واضحة ومفيدة بعدم سفك دماء الفلسطينيين غير المقاتلين ضدها.
ضمن أمور أخرى يجب العودة لفحص أوامر اطلاق النار كما هي مكتوبة وكما أعطيت وكما تم تفسيرها من قبل من أخذها. وبشكل خاص هذا مطلوب عندما يتعلق الامر بأحداث لها طابع مختلط ومركب ويوجد فيها خلط بين مخربين يحاولون ضرب قواتنا وبين مدنيين متظاهرين. ولمن يهمه سفك الدماء من السهل في هذه الظروف أن يظهر كل الصورة كهجوم لمخربين ضد إسرائيل خلافاً للحقيقة التي هي مركبة أكثر. على سبيل المثال، إذا كان مجرد الاقتراب من الجدار أو المس به من قبل مدنيين متظاهرين غير مسلحين، يعتبر سلوكاً يبرر استخدام النار الحية ضدهم، فإن هذا التوجيه يجب إلغاؤه بسبب عدم قانونيته. رغم أن الجدار يمثل الحدود، إلا أنه ليس أكثر قدسية من حياة الانسان، حتى لو كانوا فلسطينيين يعيشون في غزة. بالاحرى، يجب عدم إطلاق النار على جسم إنسان قبل أن يتم استخدام البدائل غير القاتلة لتفريق التظاهرات التي تمثل إخلالاً بالنظام.
إن الدفاع عن الحياة يقضي بأن تعريض حياة انسان للخطر من قبل العاملين باسم الدولة، يتم فقط عندما لا يوجد خيار آخر، كمخرج أخير، وبعد أن تم استخدام كل الطرق البديلة. الدولة يمكنها بالطبع اعتقال متظاهرين قاموا بالاخلال بالنظام، وحسب الحاجة أن تستخدم لهذا الغرض قوة معقولة وأن تقدمهم للمحاكمة. إن من يمنع إجراء التحقيق الآن يتحمل المسؤولية عما يمكن ويجب منعه في المستقبل. على خلفية المعارضة المؤسساتية للتحقيق وهوية التحليل التي تم ختمها فإن تحقيقاً ناجعاً وموضوعياً يجب أن لا يكون تحقيقاً عسكرياً ـ داخلياً. يجب اجراء تحقيق رغم أن سلوك الجيش الإسرائيلي ليس هو الاساس، بل فشل المستوى السياسي الذي ساهم في «تمرد الشعب» في قطاع غزة، وفي أعقاب ذلك إلقاء مهمات غير ممكنة على الجيش. بالتحديد من يريدون مصلحة الجيش يجب عليهم التركيز على الحفاظ على حصانته القيمية في ظروف صعبة جداً، إذا كان لا يمكن الحفاظ على الحصانة القيمية للجيش، لا سمح الله، في ظروف كهذه، فمن المهم أن نعرف ذلك.
مطلوب اجراء تحقيق بالضبط لأن وزير الدفاع استخدم سلاح يوم القيامة، الموجود في أيدي سياسيين يثيرون المشكلات، ضد من طلب إجراء التحقيق (ميرتس)، بقيامه بإخراجهم خارج الدولة ونقلهم إلى معسكر العدو. المعسكر الذي يرى نفسه ليبرالياً وضع أمام اختبار، الذي في المرحلة الحالية فشل فيه بشكل كبير بوقوفه إلى جانب ليبرمان في معارضة التحقيق. هل هو ملتزم بقيم ليبرمان أو القانون الدولي والقيم الإنسانية لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، وعلى رأسها قدسية حياة الانسان، دولة لا تبتهج بقتل الانسان ولا تعطر نفسها عند معرفتها بالاحداث التراجيدية، والتي نتائجها تتمثل في زيادة العداء لدولة إسرائيل في أوساط الفلسطينيين والعرب والإضرار بمكانتها الدولية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف