لم يكن يفترض بمسألة طالبي اللجوء أن تفصل بين اليسار واليمين. فبعد كل شيء فان الـ 35 الف افريقي الذين تسللوا الى هنا لم يطالبوا بالملكية على ارضنا المقدسة. وهم لا يهددون الاغلبية اليهودية، النظام الاجتماعي، سلامة اولادنا وبناتنا وحكم اليمين. كل ما يطلبونه هو الابتعاد عن الانظمة الاجرامية والعيش من عمل كد في شروط الحد الادنى.
الجدار، الذي بدأ بناؤه في عهد حكومة اولمرت واستكمل في حكومة نتنياهو السابقة، أوقف تماما تيار الوافدين. وبالاعداد الحالية يشكلون أقل من نصف بالمئة من سكان الدولة. فقد عرفت وتعرف اسرائيل كيف تتصدى لتحديات اشد وأكثر تعقيدا.
اعتقدت في الماضي أن المشكلة هي تجمع سكان طالبي العمل في جنوب تل أبيب. فالغيتو الافريقي الذي نشأ هناك فرض على السكان القدامى، بعضهم شيوخ وكادحون، واقعا لم يرغبوا فيه. الدولة خلقت الغيتو؛ الدولة ملزمة بتفريقه. ولكن في بداية شباط التقيت في جنوب تل ابيب شولا كيشت، من مواليد الحي والنشيطة الاجتماعية. وكيشت هي من المبادرات لحملة “جنوب تل أبيب ضد الابعاد”. وقفنا في زاوية شارعي شلنوب ومتلون، في قلب ما يمكن تسميته بالمستوطنة الارتيرية العليا. ورفعت كيشت يافطة “جنوب تل أبيب ضد الابعاد”، بالاحمر والاسود. افترضت أن الاسرائيليين الذين يسكنون في الحي سيتجادلون معها، سيهددونها، ولعل هذا يصل الى المشادات اليدوية. ولمفاجأتي، توقف المارة للتحية.
يتبين ان الاسرائيليين الذين يسكنون في الحي منقسمون. بعضهم يريد الابعاد. آخرون يفهمون بانه بعد أن يبعد الافارقة سيأتي سمك القرش العقاري. وسيكونون هم التالين في الدور للابعاد. لا يوجد هنا يسار ويمين، فقط اسرائيليون فقراء يعيشون بالمفتاحية او بالايجار وليس لهم الى أين يذهبون.
لا، المشكلة ليست 35 الف افريقي: الافارقة هم فقط أداة، وسيلة، في ثورة القيم التي يمر بها المجتمع الاسرائيلي. عند قطع الاشجار تتناثر الشظايا، قال حاكم الاتحاد السوفياتي يوسف ستالين. الافارقة هم الشظايا. القيم التي قامت عليها الدولة هي الاشجار التي توشك على القطع.
ينبغي قول الحقيقة: حكومة اسرائيل الحالية لا تختلف كثيرا عن سلسلة من الحكومات اليمينية في وسط وشرق اوروبا وعن ادارة ترامب في الولايات المتحدة. القاسم المشترك الايديولوجي الذي يربط هذه الحكومات هو كراهية الاجانب. يكرهون الاجانب بسبب دينهم وبسبب لونهم. في اوروبا وفي امريكا يوجد لهذه الحركة نبرة مرافقة لاسامية – ليس لان اليهود يشكلون مشكلة، بل بسبب العادة.
كراهية الاجانب مريحة للنظام. فهي تعزز الهوية المشتركة، تعزز احساس التفوق للاغلبية البيضاء وتنسي اخفاقات الحكومة والتورطات في قضايا الفساد. والى هذه الكراهية تنضم الكراهية للنظام القائم، للمؤسسة القضائية والاعلامية، وللقيم الليبرالية. فليس الاجنبي وحده هو العدو، بل واليسار ايضا. وكل من ينتقد النظام هو اجنبي، يساري وعدو.
اشطبوا النبرة اللاسامية، وستجدون اليمين الاسرائيلي الجديد، يمين بينيت وشكيد ونتنياهو في ولايته الرابعة. الافارقة يتدفقون في الباصات والصندوق الجديد يجلس خلف الدفة.
بينيت، الذي يسعى، عمليا، الى ضم أربعة ملايين فلسطيني لاسرائيل، لا يمكنه ان يعيش مع 16 الف عامل اجنبي من افريقيا. هذا ما يغيظ الوزير المسؤول عن تربية اطفال اسرائيل. آييلت شكيد، وزيرة العدل، لا يمكنها أن تعيش مع القيم التي تمثلها المحكمة العليا. وهي ملزمة بتصفيتها. وهي ستصفيها. فقرة التغلب التي يفترض بالكنيست أن تقرها هذا الاسبوع هي فقط المحطة الاولى على الطريق.
كحلون هو الاخر لا يمكنه ان يعيش مع 16 الف افريقي. فهو يقرأ المعقبين على الشبكة ويذعر. يذعر لدرجة أنه يخون المبدأ الوحيد الذي شكل غطاء لادعائه بانه زعيم حزب وسط – حماية محكمة العدل العليا. خيانته للمبدأ هو الثمن الذي يبدي استعداده لدفعه كي يبقى. هذا هو الثمن للساكن الدائم في الحكومة الحالية.
العرب سهل كراهيتهم: يوجد بيننا وبينهم حساب دموي طويل؛ هم ونحن نتقاتل على ذات قطعة البلاد. مسألة طالبي اللجوء هي اختبار الحقيقة المطلقة. وآلة كشف الكذب لقيمنا. لقد تطلع بن غوريون لان يقيم هنا مجتمعا يكون نورا للاغيار. إذن فقد تطلع.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف