​الخجل مهم، فقط من المؤسف أنه تأخر جدا. الخجل هو ضرورة الواقع، فقط من المحزن أن قليلين جدا يشعرون به. ما يمكن من الخجل المتأخر هو التكنولوجيا التي حولت كل شخص لديه هاتف ذكي الى مصور، وكل تطبيق الى شاشة كبيرة في ستاد مليء بالمشاهدين. هكذا تصل الى كل بيت شهادات مصورة مجرمة. في حالات نادرة هي تتسرب عبر اسوار التشويه والتغطية التي يضعها الجيش الاسرائيلي، وعبر درع “الجميع ارهابيون”، الذي يغطي الاسرائيليون به انفسهم بارادتهم.
​من الخجل الذي تباطأ في المجيء يمكن استنتاج أن هناك اسرائيليين يؤمنون بأن جنود الجيش الاسرائيلي بدأوا بقتل فلسطينيين غير مسلحين فقط في الاسابيع الاخيرة. أي، يعتقدون أنه فقط الآن حيث ظهرت في الساحة الهواتف الذكية، التي تستطيع أن تكشف للعلن عورة الجنود ومرسليهم، بدأ القادة بأمر جنودهم بالقتل حتى في غياب خطر تهديد الحياة. أي، حتى وقت قصير، حتى ظهور الهاتف المصور، تم الحفاظ على طهارة السلاح بحرص ولم يكن هناك مجال للخجل. وكما أسلفنا، اليوم في كل الحالات يقتل فيها جنود ورجال شرطة ويصيبون فلسطينيين بدون وجود هواتف تصور. من يخجلون يعتقدون أن الجيش الاسرائيلي يكذب فقط عندما يوجد هناك دلائل مصورة، بأنه يكذب. في غيابها الجيش والشرطة هم الذين يقولون الحقيقة، في حين أن الفلسطينيين وحفنة اليساريين هم من يكذبون.
​الخجل محزن لسبب آخر: هو يذكر بهشاشة الكلمة المكتوبة – عندما لا تكون مستندة الى رواية النظام، بل الى شهادات المتضررين منه. قبل أن تكون لدينا هواتف مصورة وكاميرات حماية في كل زاوية، أخذنا شهادات من عشرات الشهود. قمنا بالمقارنة، تحققنا، فحصنا، سألنا، احيانا ايضا كنا في المكان في الوقت الحقيقي، كتبنا ونشرنا. ولكن امام كلمتنا دائما كانت كلمة الكيان السامي والطاهر – المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي.
​على طاولات التحرير وفي شوارع تل ابيب وكفار سابا تم الصاق الصورة المفضلة لعلى الجيش والحكومة: في كل يوم وفي كل عملية تهب دولة فلسطين العظمى من اجل ابادتنا وتهاجم دولة اسرائيل الصغيرة واطفالها المؤدبين أبناء الـ 18 سنة الذين وجدوا أنفسهم في اراضي تلك الدولة العظمى. ولكن الامور ليست بهذا الشكل: الجنود الاسرائيليون الذين يقتلون فلسطينيين غير مسلحين، لم يظهروا للمرة الاولى قبل ثلاثة اسابيع. وكذلك ذرائع الجيش الاسرائيلي لم تولد في حينه، أنتم الذين لم تقرأوا ولا تتذكروا أو لم تصدقوا.
​ولكن قولوا، أنتم الذين تخجلون وبحق، ألا تخجلون من أن اسرائيل تسرق المياه من الفلسطينيين وتخصص لهم كميات استهلاك محدودة؟ ألا تخجلون من رفض اسرائيل ربط آلاف الفلسطينيين بشبكة المياه في الضفة الغربية والنقب.
​وعندما تطرد اسرائيل سكان أم الحيران في النقب – ألا تموتون خجلا من الدولة ومن النخبة المميزة التي تتبنى القيمية اليهودية التي تنتقل الى السكن في اراضي المهجرين؟ ألا تخجلون من الدولة التي منعت أم الحيران طوال تلك السنين من الربط بشبكة الكهرباء والمياه، أو من القضاة الذين مكنوا من عملية الطرد؟ ألا تشعرون بالخجل عندما تخرج حفنة اسرائيليين من المستوطنات والبؤر الاستيطانية ويهاجمون مرة تلو الاخرى القرى الفلسطينية التي توجد في محيطهم؟ ألا تخجلون أو تشحب وجوهكم عندما ترون الجنود وهم يقفون جانبا ويساعدونهم على المهاجمة والتدمير والاقتلاع وقطع الاشجار؟ وعندما لا تبحث الشرطة عن المهاجمين رغم توثيقهم ومعروف من أين جاءوا – ألا تخجلون باسمنا جميعا؟ ألا تشعرون بالاهانة من مجرد معرفة أن هذه الطريقة لعنف المستوطنين – بتشجيع صمت السلطات – عمرها مثل عمر الاحتلال؟.
​هل المعطى الاحصائي التالي: 2.5 في المئة من اراضي الدولة مخصصة لـ 20 في المئة من السكان (أي الفلسطينيين من مواطني اسرائيل)، لا يجعلكم ترغبون في أن تدفنوا تحت الارض من العار؟.
​وماذا مع الزام الغزيين المعدودين المسموح لهم بالسفر الى الخارج عبر جسر اللنبي بالتوقيع على تعهد بعدم العودة لمدة سنة؟ وماذا بشأن منع الفلسطينيين من الالتقاء مع أبناء عائلة واصدقاء في غزة؟ ومنع تسويق المنتجات الغزية في الضفة الغربية والتصدير الى الخارج، سوى شاحنات معدودة لبضائع محدودة؟ وماذا بشأن حبس مليوني انسان خلف الاسلاك الشائكة وابراج المراقبة واطلاق النار العسكرية؟ كل ذلك حسب رأيكم، ألا يستحق أن يتم تضمينه في قائمة الخزي اليهودي الجماعي؟.
​اسرائيل لم تشمئز ولن تشمئز من قتل المدنيين الفلسطينيين – الافراد شيء والجمهور شيء آخر. ولكن قتل الفلسطينيين ليس هدف بحد ذاته. في المقابل، 70 سنة من وجودها تثبت أن السيطرة على اراضي الفلسطينيين هو الهدف الاول لدولتنا، وهذا السعي للسيطرة جاء مدمج بنشاطات لتقليل عددهم في تلك المنطقة. طرد الفلسطينيين من بيوتهم ومن وطنهم ومن بلادهم كان وسيلة تقليص مؤكدة اثناء الحروب. عندما لم يتسنى ذلك – فان تركيز الفلسطينيين في محميات مكتظة “على جانبي الخط الاخضر” هو وسيلة اخرى ثابتة ومستمرة. من وجد صعوبة في أن يصدق ذلك حتى 1993 فقد حصل على اتفاق اوسلو كدليل قاطع: تحت مظلة عملية السلام، الهدف الاساسي لحكومات (العمل والليكود) وبيروقراطيتها كان اظهار أن المنتقدين قد صدقوا، ونحن حقا كيان كولونيالي في جوهره، هل هذا يثير لديكم الفخر؟.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف