الكل يعرف أن الديمقراطية ليست فقط سلطة الغالبية، ومعظم الجمهور في إسرائيل يعرف ذلك، ويعرف أن الحكومة تتبع خطوات مختلفة من أجل إضعاف الديمقراطية. وهذه الخطوات تعتبر مقبولة بالنسبة للكثيرين لأنها تُعرض وكأنها تعزز طابع إسرائيل كدولة يهودية، أمر عزيز ليهود كثيرين. في السطور القادمة سأحاول تبيان أن الحكومة تعمل بجدية ونجاعة ضد الطابع اليهودي لإسرائيل وذلك على أربعة أصعدة: وجود الدولة كدولة يهودية، التاريخ اليهودي للعمل من أجل الأقليات، علاقة إسرائيل مع الشعب اليهودي ومكانة إسرائيل في العالم كدولة يهودية.
الصهيونية أرادت ضمان سيادة اليهود على مصيرهم ومستقبلهم. لذلك احتاج الشعب اليهودي إلى دولة خاصة به يشكل فيها الغالبية. وجود دولة يهودية مشروط بغالبية يهودية ثابتة. الخطوات التي يتم اتخاذها من قبل الحكومة لضم زاحف لمناطق يهودا والسامرة ومحو فعلي ومحو من الوعي للخط الاخضر، تزيل قاعدة الغالبية اليهودية وبالتالي الدولة اليهودية، حتى لو استمرت في تسمية نفسها هكذا فهي لن تكون كذلك.
على خلفية محاولة تاريخية طويلة للعيش بين ظهراني شعوب أخرى كأقلية وحسم الأمر لإنشاء غالبية يهودية في دولة إسرائيل، أي، منع الاقلية من تشكيل خطر على هذه الغالبية، فإن المطلوب من ناحية أخلاقية هو وجود علاقات مثالية مع الأقليات هنا. العداء الذي يظهره رئيس الحكومة ووزير الدفاع للأقلية العربية هو عكس القاعدة الكبيرة التي وضعها العجوز هيلل: ما تكرهه لنفسك لا تفعله لصديقك. كما أن علاقة الحكومة من طالبي اللجوء من السودان وأريتيريا، بما في ذلك تصريحات الحكومة تجاههم، لم تكن لتخجل أسوأ اللاساميين في علاقتهم مع اللاجئين اليهود، ولا تستقيم مع التاريخ اليهودي ومع كون إسرائيل دولة لاجئين.
التاريخ اليهودي يعلمنا أن الأقليات تحتاج إلى الحماية القانونية الخاصة، وأنه لا يمكن الاعتماد على الغالبية في الدولة بأن تتصرف مع الأقليات بشكل منطقي. اليهود في الشتات وقفوا بسبب ذلك مع آخرين في جبهة واحدة للنضال من أجل تراث عالمي للدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الاقليات. هذه الحماية لا تعترف بـ «حق» الدول السيادية في سحق حقوق الاقليات، استناداً إلى سيادتها. منذ فترة تريد حكومة إسرائيل بطرق عديدة رفع هذه الحماية عن الأقليات التي تعيش في البلاد. وكأنها تريد أن تقول بأن الحماية الخاصة في وجه الغالبية هي من حق اليهود فقط، وليس للأقليات الأخرى هذا الحق. كما أن المطاردة المنهجية لمنظمات حقوق الإنسان استناداً إلى «جريمتها» ـ الحصول على الاموال من الدول الاجنبية ـ تعارض بشدة تراث الحماية العالمي، ويمكن أن نضيف ـ اليهودي أيضاً ـ عن حقوق الإنسان والأقليات.
حسب التراث اليهودي فإن الهيكل تم تدميره بسبب الانقسام والنزاع في أوساط الشعب، ليس فقط أن الحكومة لا تعمل على جسر الخلافات المختلفة ورأب التصدعات بينها، بل تفعل العكس تماما وتشعل الخلافات والتوترات. هذا أساساً عن طريق سلب شرعية عن كل من يعارض سياستها وعرضه كعدو للشعب والدولة، وعن طريق تفضيل مجموعتين: الحريديين والصهاينة المتدينين.
ولة يهودية هي دولة لها علاقة خاصة مع الشعب اليهودي في الشتات، وهي تتحمل المسؤولية عن مصيره. الحكومة في المقابل منشغلة باتباع ممارسات مميزة في إسرائيل باسم الحفاظ على نقاء السكان في المستوطنات عن طريق قانون لجان القبول ومشروع قانون أساس: القومية. هذه الممارسات توجد نموذجاً يُمكن ويستدعي التمييز ضد الاقليات، وكذلك ضد يهود الشتات الذين سيفرح من يكرهون اليهود بتبنيها خارج إسرائيل من خلال الاستناد إلى النموذج الإسرائيلي. معظم يهود العالم، وبالتأكيد معظم يهود الولايات المتحدة، هم ديمقراطيون ليبراليون. إن الطلاق القاطع الذي تعطيه إسرائيل للنموذج الليبرالي للديمقراطية يفصلها عن معظم الشعب اليهودي. لم تكن في أي يوم حكومة أدت إلى شرخ عميق وخطير كهذا مع يهود العالم مثل هذه الحكومة.
حكومة تعمل على المس بمكانة النساء، الإقصاء والفصل بطرق أخرى، لا يمكنها أن تؤدي إلى تماهي الشعب اليهودي مع دولة إسرائيل. من يقود خطوات تدين الدولة يغلق عملياً ابوابها في وجه هجرة اليهود الليبراليين. ولا يقل عن ذلك خطورة حقيقة أنه في النضال على روح أوروبا، تضع إسرائيل نفسها في جانب من يؤيدون نقاء الشعب، بالتماهي التام للدولة، مع الغالبية العرقية فيها، دول غير ليبرالية مثل هنغاريا وبولندا.
ليس غريبا أن وطنيين مناوئين لليبرالية يجدون لغة مشتركة ـ على نمط «يا وطنيي العالم اتحدوا» ـ ولكن حقيقة أن الاحزاب الحاكمة في هذه الدول تفوح منها رياح اللاسامية، لا تردع الحكومة عن هذا التحالف، هي لا ترتدع عن منح الشرعية لهذه الحكومات، وتبييض اللاسامية فيها. حتى قانون بولندا الذي يريد إخافة من يريد قول الحقيقة حول الجرائم التي نفذها البولنديون ضد اليهود في زمن الكارثة، لم يجعل حكومة تتخذ رداً مناسباً. بهذا فقد أشركت الحكومة نفسها في تلويث ذكرى الكارثة وضحاياها، وأدارت ظهرها لمعظم الشعب اليهودي وناقضت طابعها اليهودي.
الشرعية الدولية لإسرائيل كدولة يهودية تستند إلى التزامها بالمساواة بين كل مواطنيها، أي، رؤية ليبرالية للديمقراطية. لقد حظيت بتعاطف العالم الذي يحب الحرية بالتحديد بفضل مشروع الديمقراطية الليبرالي الذي أنشيء هنا بجهد كبير منذ قيام الدولة، وبدرجة كبيرة على أيدي محكمة العدل العليا على مر أجيالها. إن قضم أساس هذا المبنى يرتبط بفقدان الشرعية والتعاطف. إن تراجع الحزب الديمقراطي ومؤيديه في الولايات المتحدة عن دعم إسرائيل، يجب أن يقلق كل من يخاف على مستقبل الدولة على المدى البعيد. القطيعة التي وضعتها وزيرة العدل إييلت شكيد بين الصهيونية وحقوق الإنسان من أجل تبرير مشروع حياتها لالغاء دور محكمة العدل العليا تناسب أعداء إسرائيل والصهيونية الكبار، كما أنها ستخدمهم في نضالهم ضد الدولة.
باختصار، خسارة الديمقراطية المرتبطة بخطوات الحكومة لا تخدم يهودية الدولة، بل العكس، الحكومة تعمل في نفس الوقت ضد إسرائيل كدولة ديمقراطية وضد إسرائيل كدولة يهودية، وهذا الامر لا يرفع مكانة دولة إسرائيل.
الشعب اليهودي أراد لنفسه حياة حرة أمام الاستبداد والطغيان. الاستبداد والطغيان لا يغيران طابعهما فقط بسبب أنهما جاءا من الداخل. اليهود يعرفون جيداً من التجربة التاريخية أنه ليست فقط الغالبية دائماً محقة، بل إن الغالبية يمكنها القيام بأعمال ظلم كبيرة وخطيرة. تجربة الحكومة قبيل يوم ميلاد الدولة السبعين بمنحنا «هدية» على شكل رفع الحماية القانونية عن حقوقنا، تمثل انحطاطاً لم يسبق له مثيل في سلوكها. عاش كاره الهدايا. علينا الدفاع عن استقلالنا، أي، الحفاظ على حقوقنا الاساسية من سلطة الغالبية ومن الحكومة التي تريد منحها قوة غير محدودة.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف