إعلان نتالي بورتمان عن قرارها مقاطعة احتفالات جائزة سفر التكوين كان إعلانا مشجعا يبعث على الأمل لا مثيل له. هذا جاء من قمة العالم المضيء، من قبل محبة لإسرائيل مثلها، يهودية تتحدث العبرية ومن مواليد البلاد، مواطنة إسرائيلية لديها ما تخسره. وهي ليست لاسامية وليست متعصبة، ليست يمين متطرف ولا يسار راديكالي، ليست روجر ووترز وحتى ليست الـ بي.دي.اس. بالضبط من الوسط، من قلب التيار اليهودي المركزي، انتقاد لإسرائيل، جراح محب وحتى نوع من المقاطعة.
في الوقت الذي يخاف فيه فنانون إسرائيليون (يساريون) من "الظل" واساسا من ظلهم، جاءت فنانة بهذا المستوى وقالت أقوالها الصريحة عن إسرائيل. إلى جانب الضمير يجب أن تكون أيضا درجة كبيرة من الشجاعة للقيام بخطوة كهذه. في الاساس امام هوليوود اليهودية، الصهيونية والمفترسة، التي لن تنسى ولن تغفر لبورتمان.
أيضا اليمين في إسرائيل لن ينسى لها ذلك: وزير محاربة الـ بي.دي.اس، جلعاد اردان، سارع إلى نشر رسالة شرح فيها لبورتمان الوضع. ما يجري في غزة ليس بسببنا، كل شيء بسبب حماس، دعاية الاكاذيب والهراءات العادية، بالضبط في اليوم الذي قتل فيه قناصة الجيش الإسرائيلي بدم بارد فتى آخر ابن 15 سنة، وصورة محمد ايوب التي تقض المضاجع وهو ملطخ بالدماء على رمال غزة نشرت على الملأ. وسرعان ما تبين أنه على رأس السارق العبري تحترق القبعة العبرية: اردان مثل كثيرين كان على قناعة بأن قتل المدنيين في غزة هو الذي أثار بورتمان. ولكن الامر ليس كذلك.
اعلانها التوضيحي شوش على قوة الخطوة التي اتخذتها. "لقد قررت عدم الظهور حتى لا أبدو وكأنني أؤيد بنيامين نتنياهو"، كتبت. خطوة كبيرة إلى الامام وخطوة صغيرة إلى الوراء. نتنياهو هو حقا مشكلة؛ هو ليس المشكلة التي بسببها كان يجب على بورتمان بصفتها صهيونية وصاحبة ضمير، أن تسمع صوتها. نتنياهو هو إسرائيل.
لقد مرت بورتمان بطريق طويلة ليس فقط منذ فيلمها الاول وحتى حصولها على الاوسكار، بل أيضا منذ الرسالة التي نشرتها في صحيفة الطلاب "هارفارد كريمسون" قبل 16 سنة، التي دافعت فيها عن إسرائيل ونفت الابرتهايد عنها، وحتى الخطوة الاحتجاجية التي اتخذتها أول أمس.
التغيير الذي حدث لها، والذي حدث كما يبدو في قلب يهود كثيرين، يبشر بأمور جيدة، ومثله أيضا شجاعتها. ولكن الطريق ما زالت طويلة. بورتمان كتبت أنها لم تأت بسبب "العنف، الفساد، غياب العدالة واساءة استخدام قوى السلطة". لا توجد كلمة واضحة عن أبو الاخطاء، الاحتلال.
احتجاجها أيضا غير موجه للعنوان الصحيح. من الورع القاء كل شيء على نتنياهو، مثل اغلبية اليهود (والإسرائيليين الليبراليين)، ترى بورتمان في نتنياهو مظهرا لكل شر. وماذا عن أسلافه، الذين زرعوا الدمار والقتل في غزة ولبنان، وفرضوا حصارا وحشيا على قطاع غزة، وثبتوا الاحتلال في الضفة الغربية وضاعفوا بثلاثة اضعاف عدد المستوطنين – هل كانت ستصافحهم وفقط لا تصافح نتنياهو؟.
إن قوة بورتمان الاعلامية كبيرة. صباح أمس كان هناك 100 ألف اعجاب باعلانها. اليهود تنفسوا الصعداء، وهناك مثلهم من الإسرائيليين: بورتمان ضد الـ بي.دي.اس وضد نتنياهو، لكنها تواصل "الاحتفال بالطعام الإسرائيلي والكتب والفن والسينما والرقص الإسرائيلية".
السيدة بورتمان العزيزة، أيضا الطعام والرقص والسينما الإسرائيلية مصابة بالاحتلال. هناك ما هو مصاب أكثر وهناك ما هو مصاب أقل. جميعنا مذنبون به. إن الطريق لإنهائه، التي هي الشرط الاول والضروري لتحويل إسرائيل إلى مكان أكثر عدالة، تمر عبر خطوات جريئة مثل التي قمت بها، لكن يجب أن يتم علاج مركز النار وليس فقط هوامشها، علاج مركز السرطان وليس فقط توابعه. يجب أن تتحول إلى خطوات عملية مثل التي تدعو الـ بي.دي.اس إلى اتخاذها، هذه هي الطريق الوحيدة لهز إسرائيل التي ترضى عن نفسها.
أنا الرجل الصغير أرفع القبعة أمام شجاعتك، سيدة بورتمان. اتجاهك هو الاتجاه الصحيح، بدون رياح داعمة وشجاعة من أشخاص مثلك لن يتغير شيء هنا، لكن هذه هي فقط البداية.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف