السياج الحدودي الفاصل في قطاع غزة يفصل الشجعان عن الجنباء، وهو بذلك يفصل بين من يحملون بأيديهم الطائرات الورقية والإطارات المشتعلة، وبين من يستخدمون القوة العسكرية. كما أن ذاك السياج، يفصل ما بين المعتقلين الذين يقضون عقوبة بالسجن لمدى الحياة، وبين من يراقبهم ويحرسهم. تلك الجرأة التي تتسم بـ"التهور" والتي أظهرها عشرات الآلاف من مواطني قطاع غزة وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، وتحديدًا يوم الاثنين الماضي؛ تدلل على حجم الطاقات والمواهب والأحلام والإبداع، التي خرجت من سكان يقطنون في تلك البقعة من الأرض، والتي تخضع لسياسة الحصار والإغلاقات التي استمرت لـ27 عامًا بهدف خنق السكان وسحقهم. لم تكن تلك السياسة ناجحة بشكل تام، ولكن نجاحها كان كافيًا لجعل العديد من الأشخاص يرغبون بـ"الانتحار" وعيونهم مفتوحة. وفي موتهم، يتركون لأصدقائهم وعوائلهم أمًلا بأن هناك شخصا ما يقف في ذاك العالم أي وراء السياج الفاصل مذعورًا وسوف يفهم أخيرًا إن الجبن "المتغطرس" والذي أظهره الجنود الإسرائيليون والقادة المحميون جيدًا – عندما بدأت بكتابة هذه السطور كان قد قتل بالفعل 18 فردًا - هو بطاقة الاتصال الحقيقة لإسرائيل. لأن الجبن، إن لم يكن القرار قتل المحتجزين العزل (غير المسلحين) والذين يتظاهرون ضد سجنهم الأبدي؟ الصحفيون أوضحو بأن أربعة من القتلى بنيران إسرائيلية هم من القادة المراقبين في الأمن الفلسطيني، وفي هذه الحالة فإن كل جندي إسرائيلي متمركز في مئات مواقع المراقبة والموزعة في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، محكوم عليه أيضا. وفي تقرير سابق، كان قد ذكر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن ثلاثة أشخاص قتلوا بنيران الأسلحة حينما حاولوا وضع عبوة ناسفة بالقرب من السياج الحدودي. وحتى لو كان ذلك صحيحًا ( ومن باب المصادفة فإن كانت غزة تتمتع بالسيادة والاستقلال، كما تزعم إسرائيل فإن لها الحق بالدفاع عن نفسها من الداخل، من غزو العدو) - ما هو تفسير المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي لكل ما تبقى؟ وفي هذه اللحظة أكتب سطور المقال، وقد وصل عدد القتلى الفلسطينيين إلى 37 قتيًلا، من بينهم قاصران. كم هو عدد الجنود الذي طلب منهم قتل العشرات وإصابة المئات بنيران حية؟ على الرغم من التحذيرات الإسرائيلية الواضحة، والمؤشرات التي تدلل على نية الجيش الإسرائيلي قتل وجرح المئات دون تمييز، شارك عشرات الآلاف من سكان قطاع غزة في المظاهرات. لقد فعلوا ذلك، على الرغم من معرفتهم بأن المستشفيات في قطاع غزة غير قادرة على علاج المئات وربما الآلاف من الجرحى، وأكثر من أي وقت مضى فإن رصاص القناصة تدمر وتقضي على الأنسجة والعظام والعضلات وتوصل الجسد إلى العجز الدائم. وهذا دليل على الشجاعة والتهور، وبها رسالة موجهة إلى دول العالم وأوروبا على وجه التحديد، مما مّكن "إسرائيل" والتي يعتبرونها ديمقراطية من تحويل فلسطين إلى سجن "مرعب". ورغم مناشدات تقدمت بها منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والدولية ونشرت في هذه الصحيفة، بامتناع جيش الاحتلال الإسرائيلي عن سياسة ذبح المتظاهرين، وعلى الرغم من توجيه التحذيرات له بإيقاف إطلاق النار على المدنيين غير المسلحين والذي يعتبر منافيا لما جاء به القانون الدولي، فإن الجيش الإسرائيلي فعل ما فعله بكل سرور وإقناع. وتحت قيادة وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، ورئيس الأركان غادي أيزنكوت، يقول محامو جيش الاحتلال الإسرائيلي دائمًا: إننا المترجمون الفوريون للقانون الدولي، ولأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقف بجانبنا. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وليبرمان، وأيزنكوت قد أصدروا الأوامر، والقادة والجنود هم من يطيعونهم فقط. وبهذا الاتجاه تكمن الديمقراطية: خلف نتنياهو يبرز ليبرمان وأيزنكوت، ومعظم الجمهور اليهودي الإسرائيلي والذي يمنحهم الدعم الكامل. أذا لا حقيقة ولا حتى مظاهرة قد تقنع تلك الأغلبية اليهودية بأن أولئك الذين سجنوا دون أي محاكمة قد تمردو ضد سجنهم. الحارس أو المراقب يؤكد سيادته. بهذا، نحن أيضًا شركة ناشئة من الشركات المصنعة والمحققة للأرباح والمصدرة للأسلحة، ونكسب لقمة العيش من توفر المختبرات البشرية، التي ننتج ونطور فيها منتجات مرغوبة شعبيًا وتستخدم للقتل. والآن، مساء يوم الثلاثاء، أصل إلى السطر الأخير حيث وصل عدد القتلى إلى 61.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف