متى تحين اللحظة التي سيعني فيها القتل الجماعي للفلسطينيين شيئاً لليمين؟ متى تحين اللحظة التي سيصدم فيها، على الأقل، قتل المدنيين اليسار والوسط ؟ إن لم يكن 60 قتيلاً، ربما 600 ؟ هل 6000 سيحدث هذه الصدمة؟ متى ستحين اللحظة التي ستستيقظ فيها ذرّة من الشعور الإنساني حيال الفلسطينيين؟ من التعاطف؟ متى ستحين اللحظة التي سيصرخ فيها أحد ما كفى، ويدعو إلى الرحمة من دون أن يُتهم بأنه غريب الأطوار وكاره لإسرائيل؟ متى ستحين اللحظة التي سيعترف فيها أحد ما بأن هناك مسؤولية على مرتكب المجزرة، وليس فقط على مَنْ تعرض لها الذي هو، طبعاً، المسؤول عما حدث له؟

60 قتيلاً لم يؤثروا في أحد، ربما 600؟ وماذا بشأن 6000؟ هل أيضاً ستُخترع، حينها، كل التبريرات والأعذار؟ هل أيضاً، حينها، سيتحمل القتلى المسؤولية و»من أرسلهم»، ولن نسمع كلمة انتقاد واحدة، أو اعترافاً بالذنب أو الأسف أو التعاطف؟ يوم الإثنين، عندما ارتفع مؤشر الموت بسرعة مخيفة، احتفلت القدس بالسفارة، وابتهجت تل أبيب بالفوز في مسابقة اليورفيجين. يبدو أن هذه اللحظة لن تأتي أبداً. لقد تعرض الدماغ الإسرائيلي لعملية غسل نهائية وأصبح القلب مغلقاً إلى الأبد. وحياة الفلسطينيين لم تعد تساوي شيئاً.

مساء الأثنين الأسود وجدت نفسي جالساً في أحد الاستديوهات التلفزيونية وإلى جانبي شخص يميني بارز، وهو يضحك. في الواقع كان ينفجر ضحكاً. لقد أضحكه القتل الجماعي، وأضحكه أكثر الذين صدمهم هذا القتل الجماعي. العنوان الأول في صحيفة «إسرائيل اليوم» كان عن موضوع آخر، بينما أجرت صحيفة «يديعوت» نقاشاً بشأن هل من المفيد اغتيال قادة «حماس» أم غير مفيد، ومَنْ مع الاغتيال ومَنْ ضده. تخيلوا نقاشاً في صحيفة فلسطينية: مَنْ مع اغتيال غادي أيزنكوت ومَنْ ضده !

الحقيقة هي أن إسرائيل مستعدة لذبح مئات وأيضاً آلاف الفلسطينيين، وطرد عشرات الآلاف. وليس في استطاعة أحد إيقافها. إنها نهاية الضمير، ونهاية الأخلاق. لقد أثبتت أحداث الأيام الأخيرة ذلك بصورة نهائية. الأسس وُضعت، والبنى التحتية للفظائع صُبت. عشرات السنوات من غسل الدماغ وشيطنة الآخر ونزع الطابع الإنساني عنه أعطت ثمارها. لقد نجح التحالف بين السياسيين ووسائل الإعلام في قمع الواقع وإنكاره. إسرائيل أصبحت مستعدة لارتكاب الفظاعات. ولن يقف أحد في طريقها بعد الآن. ليس من داخلها وأيضاً ليس من العالم.

باستثناء التأييد الشفوي، فإن العالم في عهد ترامب لن يرفع أصبعه محتجاً، حتى لو، لا سمح الله، تحولت غزة إلى راوندا. عندئذ وحتى ذلك الوقت، سيردد المعلقون عندنا أن الجيش الإسرائيلي حقق أهدافه، وضبط نفسه، وأنه الأكثر أخلاقية، و»ماذا تقترح أن تفعل لو كنت في مكانه؟» وسيجري اختيار رئيس الأركان شخصية العام والشخص المعتدل والجيد. والمعارضة ستكتب تغريدات تشجيع. وفي ساحة رابين سيحتفلون بفوز المغنية «اليسارية»، ولا يخطر في بال أحد إلغاء الاحتفال أو على الأقل الوقوف دقيقة صمت على أرواح القتلى.

نحن صرنا هناك. لقد حانت اللحظة. رواندا تقترب من غزة وإسرائيل تحتفل. هناك مليونا شخص سجناء ولا أحد يهتم بمصيرهم. لا تنفع الصور التي تُبث أحياناً لأولاد من دون كهرباء وأهاليهم من دون مياه، ولمعاقين يُقتلون رمياً بالرصاص ، ولأشخاص مقطوعي الأرجل، وكلهم أبناء اللاجئين الذين ألحقنا بهم الكارثة في سنة 1948. ما علاقة هذا بنا؟ «حماس» هي المذنبة. 60 قتيلاً في يوم واحد ولم يظهر في إسرائيل أي شعوربالأسف. ولن يظهر أبداً.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف