قبيل اجتماع رئيس الحكومة الاردنية الدكتور هاني الملقي مع مجلس النقباء والنواب، كانت “رأي اليوم” تسمع تذكيراً من سياسي مخضرم، مفاده أن الدستور الأردني وفي المادة 82 وتحديداً في فقرتها الثانية تقول أن “الملك يدعو مجلس الامة للاجتماع في دورات استثنائية متى طلبت ذلك الاغلبية المطلقة لمجلس النواب بعريضة موقعة منها تبين فيها الأمور التي يراد البحث فيها”.
تذكير السياسي المراقب جيّداً للمشهد ينطوي على التنبيه بأن مجلس النواب لا يزال يتلاعب بالأردنيين ولا يرغب بالبتّ من جانبه في مشروع قانون ضريبة الدخل، وهنا طبعاً رغبة عميقة بأن لا تتحمل الحكومة الحالية “وزر القانون وحيدة”.
لاحقاً، راقبت “رأي اليوم” نتائج الاجتماعات التي كانت اقطابها الحكومة والنواب والنقباء، في هذه الحالة ظهر رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة بعد اجتماعات عُقدت بصبغة “سرّية ومكتومة” (وبصورة أصلاً توحي بالكثير من التوجس)، المهم خرج الطراونة بصيغة “جلسة استثنائية لمجلس النواب بعد عيد الفطر مباشرة”، ما يعني ترحيل الأزمة أسبوعين تقريباً، وهنا نتحدث عن توقيت حساس من نوعٍ آخر.
الطراونة يعلن ذلك بعدما وقع الجمعة اكثر من سبعين نائباً على طلب لسحب القانون وميثاق لردّه، وهو عدد أكبر من الاغلبية المطلقة (66 نائباً) التي يطلبها الدستور لعقد الجلسة الاستثنائية، أي أن رئيس مجلس النواب ببساطة يقرّر عدم اتخاذ اجراء مباشر، وهنا ومن باب التحليل يمكن توقع أن السبب هو الاستشفاف بأن مشروع القانون نفسه “مرضٍ” للمرجعيات العليا. فـ “الملك لو لم يرد القانون لشمله بالايعاز الذي أصدره صباح الجمعة بالتراجع عن رفع أسعار المحروقات”.
في حالة “ضد ارادة الشارع” بالعادة تظهر معالم “الجبن أو الجرأة” لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا تماماً ما حدث، حيث الحكومة رفضت سحب مشروع القانون في قرارٍ جريء وتصعيدي، والنواب “رحّلوا الأزمة” في قرارٍ يظهر جبناً من مواجهة تبعات قرار يظنّ الجميع أنه قادمٌ من أعلى.
النواب في الاردن لم يكتفوا بترحيل الازمة زمنيا، بل قرروا ترحيل “ضعفهم” وهم يخطون رسالة للملك تقول ان الحكومة لم تعد تحظى بثقتهم، بينما كان بإمكانهم عقد الجلسة الاستثنائية وسحب الثقة لو ارادوا فعلاً التصرف وفق الدستور. عاهل الاردن الملك عبد الله الثاني، اساساً لم يكن بالبلاد، ووصل أثناء كتابةِ هذه السطور، وترأس اجتماعاً في مركز السياسات الوطني. ولكن الحقيقة في الأمر هي ان كل هذا الارتباك يعيد سؤال “الرعب” في السلطات وعدم تحمّل أحدٍ لمسؤولياته رغم غليان الشارع.
خلال ايامٍ ثلاث عاد الاردن بمحافظاته جميعا (12 محافظة) الى حيث انتهى حراك الشارع عام 2011 باختلافات بسيطة لا تؤثر لا على نضج القرار الاقتصادي ولا السياسي ولا حتى على خيارات حراك “غير منظم” ولا يحمل الا اجندة الغضب على الاجراءات الاقتصادية (على الاقل هذه السمة الغالبة عليه).
ذلك لم يمنع حكومة الدكتور هاني الملقي من التعنت، كما لم يمنع ممثلي الشارع في البرلمان من ترحيل الازمة لاسبوعين اخرين بدل التصرف وبعجالة، الامر الذي يزيد جرعة الشكّ برغبة خفية إما لإيصال الشارع إلى الحائط المسدود وزيادة منسوب الفوضى، أو بالرهان على نهاية الاحتجاجات مع بدء الروتين العادي وانتهاء عطلة نهاية الازمة (وهنا عملياً الحراك امام اختبار جدّيته خلال الايام القليلة المقبلة)، أو- وهنا المعضلة- في التمهيد لتمرير قرارات وتفاصيل اكثر خطورة خلف شماعة مشروع قانون الضريبة.
الحديث وبوضوح عن تفاصيل ما يعرف بصفقة القرن أو خطة صهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنير، والتي أعلنت وكالة الانباء الامريكية ان الاعلان عنها سيكون تزامنا مع نهاية شهر رمضان الحالي أي تزامنا مع المهلة التي وضعها الطراونة لنفسه ومجلسه لمناقشة قانون الضريبة، وبهذه الحالة يمكن توقع تمرير اي شيء في وقت يكون الشارع على الاغلب انهكه التعب، وحينها يصبح “نصر” تبديل او سحب قانون الضريبة على الاغلب “بسيطاً جداً” مقارنة بما يمكن ان يمر على عمان والوصاية في القدس، واللاجئين وغير ذلك من تفاصيل.
بهذا المعنى يمكن فهم حديث الاعلامي النابه إسلام صوالحة وهو يخشى ان تكون الحكومة (ومعها النواب طبعاً) تعوّل على اسلوب الصدمة، فيما يتعلق بمشروع كمشروع قانون الضريبة لتمرير ما سيصبح الشارع مؤهلا لسماعه وقبوله من قرارات قد تضرّ بمصالحه. وهنا ليس فقط مشروع كوشنير المؤهل للنفاذ فالمنطقة مقبلة على سلسلة تسويات لن تعود لتهم الاردني اكثر من جيبه وشأنه الاقتصادي، وهو الامر الذي يجري فعليا الان حيث غزة “تشتعل” مجددا وعمان “تغني على ليلها”.
بكل الاحوال، لا احد يعرف بالضبط اذا ما كان الملك بقراره تجميد رفع اسعار المحروقات واليوم بمطالبته الحوار على قانون الضريبة سيكون قال كلمته واكتفى، خصوصا مع تداعي الحراك الاردني مجددا لليلة الثالثة على التوالي واشتعال المحافظات، واعلان مجلس النقباء استمراره بقرار الاعتصام الاربعاء المقبل بعد رفض الحكومة سحب القانون الجديد.
علامات السؤال كبيرة وكثيرة، فالاعلام الاردني كلّه يغطي الشارع ويتضامن معه بما فيه الاعلام الرسمي وهذا بحد ذاته علامة فارقة ومؤشر لرغبة بالاستثمار في الحراك، ولكن لا احد حتى اللحظة يمكنه ان يعرف بالضبط لصالح مَن وكيف قد يتم الاستثمار.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف