لا يمكن تفكيك ألغاز التحذير «السياسي» اللافت الذي أطلقه رئيس الأركان الأردني الجنرال محمود فريحات وهو يعلن ولأول مرة: «بلدنا مستهدف» خارج قراءة أعمق للتأثير المحتمل للأزمة الاقتصادية على الأمن الإقليمي وليس الداخلي.
عملياً عبارة الفريحات كانت سياسياً بمثابة «جرس إنذار كبير» ليس فقط لأنها حاولت التماهي مع الوضع الداخلي المتفجر بحراك شعبي من المرجح ألا يقف عند حدود اسقاط حكومة وتشكيل وزارة غيرها، ولكن لأن العبارة قيلت على هامش لقاء مستعجل مع غالبية اركان وقادة المؤسسة العسكرية بالتلازم مع الدعوة بإسم القائد الأعلى وهو الملك للحيطة والحذر. فبالعادة لا يطلق العسكر رسائل سياسية ملغزة. لكن الجنرال فريحات فعلها من باب التأكيد على المؤكد دون التحدث بالتفاصيل وان كان الإيحاء سياسياً بالدرجة الأولى.
لوحظ في الآونة الأخيرة بوضوح أن القادة الأمنيين يتحدثون للناس وفي السياسة فقبل فريحات تحدث علناً قائد قوات الدرك وتحدث مدير الأمن العام الجنرال فاضل الحمود على أمل الايحاء بان مؤسسات الدولة الأمنية ليست منعزلة عن سياق الحدث الداخلي والاقليمي.
ففي المدلول الاجتماعي ذلك هو نبأ سار للأردنيين لأن قادة الأمن والعسكر عملياً يظهرون الحرص على الأمن ويتحدثون عن الاستهداف وهو خارجي على الأرجح وإقتصادي بالمقام الأول وفي الوقت نفسه الذي يتوسعون فيه بالحديث عن ضرورة الحفاظ على الهيبة الأمنية ويحذرون من التفريط في القانون.
جملة رسائل
هي جملة رسائل داخل مؤسسات الحكم الأردنية تتزاحم فيما بينها حتى ان الصورة التي رسمها حراس الاعتصامات في شوارع العاصمة عمان فجر أمس الثلاثاء وهم يتجمعون معاً ويهتفون للملك باللهجة العسكرية قابلها شباب الحراك والاعتصام وهم يهزجون ايضاً للملك ويرفعون علم الأردن في رسالة للجميع.
هل الأردن مستهدف حقاً ومن أي جهة؟ قالها الجنرال فريحات على إيقاع الزخم الشعبي الذي أطاح للتو بالحكومة وقفز بوزير التربية والتعليم الأكاديمي الخبير الاقتصادي الدكتور عمر الرزاز رئيساً للوزراء لكن الجنرال لم يقدم ايضاحات مما يبقي الأمر في مستوى رسالة عميقة بالمناسبة الحالية تقتضيها حالة البلاد ما دامت صفقة القرن في الطريق.
وما دام القصر الملكي قد فرغ للتو من تكليف حكومة الرزاز بمشروع «نهضة وطني شامل» مجهول الأساس والهوية حتى اللحظة على الأقل بانتظار البيان الوزاري للحكومة الطازجة.
الحديث وفي نص خطاب التكليف الملكي للرزاز عن طاقم رشيق يخطط لمشروع نهضة وطني شامل يفتح الباب امام اوسع التكهنات بخصوص حجم ونوعية وصنف التفويض الذي حصل عليه رئيس الوزارة الجديد ونجل المفكر العربي الكبير منيف الرزاز. الرزاز ليس من المدرسة الكلاسيكية في الادارة وتمتع دوماً برؤية نقدية ويتمتع بنزق بيروقراطي وسياسي دائم يؤهله للإنسحاب في أي وقت.
ومن المرجح أن خوضه المواجهة وقبوله التحدي بوراثة «تركة ثقيلة» ووضع معقد وخزينة «شبه مفلسة» وسط شارع بحالة حراك متفاعلة مع سقف مرتفع جدا من العناصر الأساسية التي دفعته قبل تدشين المواجهة لاشتراط تفويض غير معتاد ومن كل مؤسسات العمق وبضمانات الخلفية الملكية قبل التحدث مع الجمهور. يعرف الرزاز انه لا يمكنه إنجاز أي تفصيلة من المهام المطلوبة في خطاب التكليف بدون دعم قوي وغير محدود وغير معتاد من جميع المؤسسات الشريكة في عمق آلية القرار وبدون إسناد مؤسسات «الظل» وفي بعض الأحيان بدون «إخضاع» نخبة عريضة من رجال الظل. دون ذلك سيخرج الرزاز بنزق سريع وعند أول منحنى، الأمر الذي يتطلب على الأرجح أولاً نص خطاب تكليف ملكي بمعايير ومواصفات خارج المألوف، وثانياً إبلاغ جميع «شركاء القرار» مسبقاً بضرورة إفساح الطريق لـ»الشريف الجديد في مدينة الفوضى الادارية».
مهام كبيرة
يمكن تلمس ذلك من طبيعة «المهام» التي طلبت نصاً من الرزاز واهمها ان تتولى حكومته «شرح الواقع « للشعب وهو نص غير مسبوق كما تتولى «حوار موسع يخص معادلة الضريبة والخدمات» إضافة بطبيعة الحال لقصة مشروع النهضة الشامل مع العزف مجددًا على نغمة «الإصلاح السياسي» والإداري التي تحولت قبل الأحداث الأخيرة للمتحف البيروقراطي عملياً.
إزاء مهام كبيرة من هذا النوع بدأ بعض رموز الحرس القديم مبكراً التشكيك بقدرات الحكومة الجديدة على التعامل معها كان لا بد من تفويضات «إستثنائية» خلف ستارة الحدث ليس فقط من أجل الرزاز نفسه وطريقته المطلوبة اليوم بالعمل. ولكن لأن الشارع في حالة «صحوة ومتيقظ» ويعلن مسبقاً قاعدة «إن عدتم عدنا» وهو شارع يدرك اليوم أنه تمكن من إسقاط رئيس حكومة «مدلل جداً» قبل الرزاز وإخضاع فريق إقتصادي مغرور أنتج الأزمة اصلاً عندما كان يتحدث بإسم المرجعيات.
الشارع هنا استقبل بارتياح تكليف الرزاز لكنه رفض منحه «تفويضاً شاملاً» بدوره لإن الهدف النهج وليس الأسماء كما اعلن نقيب المهندسين أحمد الزعبي وهو يحرض الأردنيين على الاستعداد اليوم الأربعاء للإضراب العام بنسخته الثانية. تلك عملياً ورقة قوة في يد الرزاز نفسه يمكنه استثمارها. من المؤكد أن رسالة الرزاز الأولى للرأي العام ستولد وتشكل الانطباعات مسبقاً عن «سقفه الحقيقي في التغيير» من خلال أول تعبير عن مستوى التفويض وهو أسماء وهوية الطاقم الوزاري الذي سيعمل مع الرجل. هنا تحديداً تولد الإشارة الأولى التي يمكنها أن «تخمد» شرارة الحراك الشعبي أو تشعلها مجدداً. لا بد من الانتظار

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف