عندما يهدد وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، بإسقاط حكم «حماس» يجب على الجدران أن ترتعد، ليس من الضحك.
ما ينقص فقط هو أن يكون هذا التهديد حقيقياً، وفي الحقيقة يكون بالإمكان بوساطة عدة تصفيات دقيقة لقيادة المنظمة، حيث إن لتصفية قيادة «حماس» سيكون معنيان: الأول هو أن اسرائيل يجب عليها اعادة احتلال قطاع غزة وإدارة مخيم اللاجئين الاكثر اكتظاظا في العالم وتقديم خدمات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم لمليوني مواطن يسجنون في القطاع، وتخصيص المليارات من ميزانيتها، وتحمل المسؤولة المباشرة عن كل نشاط مدني.
الثاني هو أن الجيش الاسرائيلي سيجد نفسه امام صف من مليشيات «الارهاب» المحلية العاملة دون تنسيق ودون قيادة موحدة، والتي اليوم ما زالت مستعدة لتحمل المسؤولية الامنية حتى وإن لم تكن كاملة.
هذا سيكون نموذجا للاحتلال الذي هربت منه الولايات المتحدة في العراق وافغانستان، والذي انقذت اسرائيل نفسها منه بعد 18 سنة في لبنان. اسرائيل لحسن الحظ ما زالت تستطيع احتلال القطاع مثلما تحتل الضفة الغربية، احتلالاً جزء منه يتم بوساطة وكيل. في الضفة هذا الوكيل هو السلطة الفلسطينية وفي غزة هو «حماس». في الحالتين اسرائيل معفاة من إدارة مباشرة، من تخصيص مبالغ كبيرة على حساب دافع الضرائب الاسرائيلي لصالح السكان المحتلين.
في الضفة وغزة اسرائيل تحظى باحتلال ديلوكس، لكن خلافا للضفة، التي فيها ما زال يحلق التهديد النظري لـ «المسيرة السياسية»، تحرر «حماس» اسرائيل حتى من الانشغال المقلق بهذا الموضوع. لا تعترف «حماس» باسرائيل، وليس لها أي شأن بأن تدير معها مفاوضات سياسية، طلبها من اسرائيل الانسحاب من كل المناطق لا يرافقه تعهدات باعطاء مقابل سياسي أو عسكري، ولهذا ليس له مضمون أو جدوى.
«حماس»، بسبب الضعف السياسي والاقتصادي، اضطرت إلى قبول خطة مصر، التي تفرض على غزة اغلاقاً شديدا، لا يقل في قسوته عن اغلاق اسرائيل.
بصورة متناقضة وبسبب العلاقة الوثيقة بين مصر واسرائيل تجد «حماس» نفسها مسجونة في قفص التنسيق الأمني مع اسرائيل، بالضبط مثل السلطة الفلسطينية. برهان على ذلك هو التحليل العارض الذي يقدمه كبار قادة الجيش الاسرائيلي للحكومة ووسائل الاعلام، الذي يقول إن «حماس» توجد/ لا توجد لها مصلحة في رفع مستوى اللهب. إن مجرد تطرق اسرائيل للمصالح المنطقية لـ «حماس» والرد الاسرائيلي المناسب لاعتبارات «حماس»، يعرض حوارا بين شركاء – خصوم. كل واحد منهم يعرف في اعماقه اعتبارات الطرف الآخر ويرد وفقا لذلك.
التمييز الذي تقوم به اسرائيل في السنوات الاخيرة بين «حماس» والتنظيمات الاخرى مثل «الجهاد الاسلامي» والتنظيمات السلفية، وسياسة القاء المسؤولية الشاملة على «حماس»، يخلق هرمية حكم، تضع «حماس» في مكانة الحكومة المعترف بها، والتي معها فقط اسرائيل مستعدة لعقد صفقات. صفقات يوجد منها الكثير: مفاوضات لاعادة جثث الجنود والمفقودين، اتفاقات وقف اطلاق نار، فتح واغلاق المعبر الحدودي (في الجانب الاسرائيلي والجانب المصري)، منح تصاريح عبور لمصر واسرائيل، الاشراف على نقل مواد البناء، وضغوط اسرائيلية على السلطة الفلسطينية لتحويل ميزانيات لغزة، حتى التي تحول اصلا لـ «حماس».
اعادة اعمار غزة لن تتم دون مشاركة «حماس»، والتسهيلات التي يطلب الجيش الاسرائيلي تقديمها للسكان هناك لا يمكنها أن تكون منفصلة عن موافقة «حماس».
ليبرمان يكذب على الجمهور عندما يتعهد باسقاط حكم «حماس»، لأنه خلافا لعدد من زملائه الصارخين هو يدرك جيداً الفائدة التي تجنيها اسرائيل من حكم «حماس». ومثلما تعترف اسرائيل بأنه لا يوجد بديل لنظام بشار الأسد في سورية، هي تدرك أن «حماس» هي الآن الخيار الوحيد للسيطرة على السجن الخطير في قطاع غزة. من يريد إسقاط «حماس» عليه أن يذكر لنا بالتفصيل ما الذي يقترحه بدلاً منها.

لا يوجد تعليقات
...
عزيزي المتصفح : كن أول من يقوم بالتعليق على هذا المقال ! أدخل معلوماتك و تعليقك !!

الرجاء الالتزام بآداب الحوار
اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *
أدخل الكود *
أضف